كريتر نت – العرب
أعلنت السعودية عن دعم جديد للسلطة اليمنية سيكون موجها بالأساس لدفع الرواتب وتسديد النفقات الحكومية، وقد أحدث هذا الدعم انتعاشة في قيمة العملة المحلية، لكن هناك شكوكا عميقة في إمكانية الحفاظ على هذه الانتعاشة لفترة طويلة.
وضاعفت المملكة العربية السعودية في الفترة الأخيرة من مساعداتها المالية للحكومة اليمنية المعترف بها دوليا، وآخرها تقديم منحة تتجاوز مليار دولار لدعم الموازنة العامة، لكن أثر هذه المساعدات السخية لا يدوم طويلا وهو ما يربطه البعض بعوامل الحرب وأيضا بالفساد وسوء التسيير في المناطق المحررة.
وسجل الريال اليمني تحسنا ملحوظا أمام العملات الأجنبية في العاصمة اليمنية المؤقتة عدن، في أعقاب الإعلان عن المنحة السعودية الجديدة، لكن مراقبين يتوقعون أن يكون هذا التحسن ظرفيا، مالم يترافق مع تغيير في السياسات الحكومية.
وتعاني المناطق المحررة في اليمن من وضع اقتصادي ومالي صعب، لاسيما بعد توقف صادرات النفط منذ أكتوبر الماضي بفعل هجمات لجماعة الحوثي على الموانئ، وتفاقم الوضع مع حيلولة الجماعة الموالية لإيران دون تدفق السلع بين مناطقها والمناطق الخاضعة لسيطرة السلطة الشرعية.
وقال رشاد العليمي رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني الثلاثاء إن الدعم السعودي الجديد “رسالة حاسمة للميليشيات الحوثية بأن الشعب اليمني ليس وحده، وأنه آن الأوان لها بعد أن جربت كل وسائل الخراب تغليب مصلحة شعبنا على مصالح قياداتها، والإصغاء لصوت الحكمة، والانحياز لخيار السلام العادل الذي طال انتظاره”.
عبدالحميد المساجدي: التمويل سيمنع بشكل مرحلي انهيار الريال اليمني
وأشاد العليمي، في تغريدات نشرها على حسابه بموقع تويتر، بالدعم السعودي للموازنة العامة للدولة الذي وقعت اتفاقيته في العاصمة السعودية الرياض.
وأضاف “الدعم السعودي الجديد يؤكد موقف المملكة المشرف، ونهجها الملتزم بدعم الشعب اليمني، وشرعيته الدستورية، وتخفيف معاناته الإنسانية، وحماية حقوقه المشروعة في إعادة الإعمار، وبناء مؤسسات الدولة، والسلام والاستقرار، والتنمية”.
وأشار العليمي إلى أن “هذا النهج الأخوي والإنساني للسعودية، مثل باستمرار صمام أمان ليس فقط للدولة الوطنية في اليمن، وإنما لدول وشعوب المنطقة برمتها، والسلم والأمن الدوليين”.
وأثنى العليمي على الجهود الحكومية، والفريقين الاقتصاديين في البلدين، والبرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن “التي أثمرت هذا الدعم السخي للوفاء بالالتزامات الحتمية للدولة، ومواصلة إصلاحاتها الشاملة في مختلف المجالات”.
وأعلنت السعودية الثلاثاء عن تقديم دعم اقتصادي جديد لليمن حجمه 1.2 مليار دولار لتغطية عجز الموازنة ودعم المرتبات والأجور ونفقات تشغيل المؤسسات والهيئات الحكومية الخدمية، ولضمان تحقيق الأمن الغذائي.
وقالت وكالة الانباء السعودية (واس) إن هذا الدعم يأتي “بتوجيهات وحرص من الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، انطلاقا من أواصر الأخوة والروابط المتينة بين البلدين، واستجابة لطلب حكومة الجمهورية اليمنية لمساعدتها في معالجة عجز الموازنة، ودعما لمجلس القيادة الرئاسي… وكذلك امتدادا للاتفاقية الموقعة بين حكومة المملكة واليمن في مجال أعمال البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن”.
وقال وزير المالية اليمني سالم بن بريك الذي وقع الاتفاق إلى جانب السفير السعودي لدى اليمن محمد آل جابر، بأن اليومين المقبلين (الأربعاء والخميس) سيشهدان تقديم الدفعة الأولى من الدعم بمبلغ 250 مليون دولار.
من جانبه أوضح السفير السعودي، أن الدعم سيخصص لمساعدة الحكومة اليمنية في معالجة عجز الموازنة ودفع الأجور والمرتبات، ودعم استقرار الريال اليمني وتمكين البنك المركزي من توفير العملة الصعبة للواردات الغذائية الأساسية وتوفير المشتقات النفطية لتشغيل محطات الكهرباء وتعزيز الأمن، وإيقاف فرص العودة إلى النزاع بين الأطراف اليمنية وتشجيعها على الجلوس إلى طاولة الحوار، والتوصل إلى حل سياسي شامل.
مساعدة سخية وشراكة استراتيجية
وتوقف القتال إلى حد بعيد مع الحوثيين في شمال اليمن خلال العام الماضي، لكن الحكومة المدعومة من السعودية المتمركزة في عدن تعاني بسبب حرب من نوع آخر تواجهها من طرف الحوثيين وهي الحرب الاقتصادية.
وتدهور الوضع في عدن وجنوب اليمن على وجه الخصوص منذ أن استهدفت عدة هجمات بطائرات مسيرة تابعة للحوثيين ناقلات النفط في محطات النفط الجنوبية، مما حال دون تصدير الحكومة للخام من هناك.
ولم يكتف المتمردون بذلك بل عمدوا إلى منع دخول الغاز المنزلي من مدينة مأرب إلى مناطق سيطرتهم، وإجبار التجار على الاستيراد عبر ميناء الحديدة لحرمان الحكومة من موارد كبيرة.
وأطاح الحوثيون بالحكومة المدعومة من السعودية في صنعاء في أواخر عام 2014، ويسيطرون بحكم الأمر الواقع على شمال اليمن. ويقول الحوثيون إنهم يقاومون نظاما فاسدا وعدوانا أجنبيا.
ويخوض الحوثيون قتالا ضد التحالف العسكري بقيادة السعودية منذ عام 2015 في صراع أودى بحياة عشرات الآلاف وجعل 80 في المئة من سكان اليمن يعتمدون على المساعدات.
المناطق المحررة في اليمن تعاني من وضع اقتصادي ومالي صعب لاسيما بعد توقف صادرات النفط منذ أكتوبر الماضي بفعل هجمات لجماعة الحوثي على الموانئ
وفي أبريل أجرى مسؤولون سعوديون وعمانيون محادثات سلام مع الحوثيين إذ تسعى الرياض إلى التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار من أجل إنهاء مشاركتها العسكرية في الحرب المستمرة منذ فترة طويلة في البلاد.
وتعثرت المحادثات بسبب آلية دفع رواتب الموظفين العموميين من عوائد النفط وجهود إعادة البناء والجدول الزمني لخروج القوات الأجنبية من البلاد. وقال الجانبان إنه سيتم إجراء المزيد من المناقشات لتسوية الخلافات المتبقية.
ويرى مراقبون أن السعودية حريصة على الإبقاء على قدر من الاستقرار في اليمن، بما يشمل ذلك تخفيف حدة الأزمة الاقتصادية في المناطق المحررة إلى حين نضوج التسوية السياسية التي يعمل عليها أكثر من طرف إقليمي ودولي، لكن الأمر لا يخلو من صعوبات في ظل فشل الحكومة الحالية برئاسة معين عبدالملك حتى الآن في التعاطي مع التحديات المفروضة عليها، فضلا عمّا يروّج عن فساد مستشر في معظم الأجهزة والإدارات في المناطق المحررة.
وقال عبدالحميد المساجدي رئيس منتدى الإعلام والبحوث الاقتصادية إن الدعم السعودي الجديد سيحافظ على قيمة الريال اليمني في المناطق المحررة، من خلال تمويل جزء من عجز الموازنة وتعويض الفاقد في الموارد بعد توقف تصدير النفط، إذ أن الحكومة لم يكن أمامها من سبيل لتمويل عجز الموازنة إلا عبر السحب على المكشوف وطباعة أوراق نقدية وبالتالي انهيار جديد في قيمة الريال اليمني.
وأوضح المساجدي في تصريحات لـ”العرب” أن هذا التمويل سيمنع وبشكل مرحلي أيّ انهيار في قيمة الريال اليمني، مع الأخذ في الاعتبار أن تعمل الحكومة ومجلس القيادة الرئاسي باتجاه تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية المطلوبة، وعدم تكرار الأخطاء في التعامل مع الدعم السابق سواء كمنح وودائع أو دعم مباشر.
ولفت الخبير الاقتصادي إلى أنه سيتعين على الحكومة اعتماد موازنة تقشفية مخططة، والالتزام بها ووضعها تحت رقابة البرلمان، في هذه الحالة ستحقق الحكومة جزءا من الاستدامة المالية المطلوبة والتي أكد عليها الشركاء في المملكة العربية السعودية، إضافة إلى التخلص من النفقات غير الضرورية وتحويل التعاقدات الجديدة بالريال اليمني، للتخلص من عبء التزامات تقلبات أسعار الصرف.
وشدد المساجدي على أنه سيكون من الضروري تشكيل غرفة عمليات مشتركة برئاسة رئيس مجلس القيادة وعضوية الوزارات والمؤسسات الإدارية والسلطات المحلية، لضمان حشد الموارد، وتفعيل لجان الموازنة واللجان المعنية في البرلمان ومن هنا تبدأ المرحلة الصحيحة، نحو تصحيح الخلل في الملف الاقتصادي.