سامي أبو داود
كاتب أردني
يتنطّع الإخوان المسلمون بشرعية الصندوق والانتخابات، على اعتبارها الوجه الوحيد للممارسة الديمقراطية في المجتمع والدولة، وهم بذلك يختزلون الديمقراطية بعملية الإدلاء بالصوت، ونتيجة الصندوق، التي يعتقدون بأنّها لصالحهم دائما!، علماً أنّ الديمقراطية، كمنظومة سياسية وحقوقية، تتضمّن فلسفة وثقافة متكاملة، تقوم على: التعددية السياسية والفكرية، وحرية الأفراد في إبداء رأيهم السياسي والفكري والعقائدي، دون إكراه أو إرهاب، وهذا الاختزال يكشف مدى انتهازية الإخوان المسلمين، وجهلهم بالديمقراطية وقيمها الأخلاقية والدستورية، التي تكفل للمواطنين المساواة والعدالة أمام القانون، بدليل أنّهم، عندما يفوزون من خلال صناديق الاقتراع، لا يلبثون أن ينقضوا عليها، ويفرغونها من مضمونها، من خلال مصادرة آراء الجميع، وإشهار سلاح الأغلبية البرلمانية في وجه المجتمع، حتى يصلوا إلى إلغاء الحريات باسم شرعية الانتخاب والصندوق!
*الديمقراطية منظومة سياسية وحقوقية تتضمّن فلسفة وثقافة متكاملة، تشمل: التعددية السياسية والفكرية، وحرية الأفراد في إبداء الرأي دون إكراه*
وهذا ما حدث تماماً، عندما فازت النازية في ألمانيا، بزعامة هتلر؛ فمن خلال صندوق الاقتراع (شرعية الصندوق)، حظر هتلر الأحزاب، وخنق حرية التعبير، فنقل ألمانيا إلى الحكم الفردي الديكتاتوري، وهو تماماً ما يبطنه فكر الإخوان المسلمين الفاشي، في لا وعيهم السياسي، وفكرهم الديني، الذي يستند على مقولات فقهية لها سياقات تاريخية مختلفة عن واقعنا المعيش.
وقد طوّر الإخوان خطابهم في الديمقراطية لاحقاً، من خلال المشاركة في الانتخابات التشريعية؛ أي على صعيد الممارسة العملية، دون مراجعة أفكار شيوخهم ومفكريهم، وآرائهم، ودون مراجعة الفتاوى الفقهية التي تشكلت منهم عبر التاريخ، وما زالت تحكم العقل الإسلاموي حتى الآن؛ بمعنى أنّ المنهاج الفكري لقواعد الإخوان، بقي كما هو، ينهل من آراء حسن البنا المتناقضة والمبهمة؛ كموقفه الرافض للحزبية السياسية. أو من أفكار سيد قطب الذي لا يؤمن بالديمقراطية؛ لأنها تشارك الخالق في الحاكمية والتشريع! أما الشيخ والقيادي الإخواني الأردني، الدكتور محمد أبو فارس، فيقول عن الديمقراطية:
*حظر هتلر الأحزاب، وخنق حرية التعبير، فنقل ألمانيا إلى الحكم الفردي الديكتاتوري، وهو تماماً ما يبطنه فكر الإخوان المسلمين الفاشي، في لا وعيهم السياسي*
“كمسلم، لا أرى في الديمقراطية حلّاً، فالإسلام هو الحل، والديمقراطية تنتمي لنظام علماني غير إسلامي، أنّها حكم الشعب بواسطة الشعب، بالنسبة إليَّ: الحاكمية لله، وليست للشعب، لأنّ الله هو أساس السلطان”.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى؛ لا نجد أيّة مراجعات، حقيقية أو عميقة، لبعض الأحكام الفقهية التي نشأت في تاريخ الإسلام، كحدّ الردة، على سبيل المثال لا الحصر.
فموقف شيوخ الإخوان هذا من الديمقراطية، يفضح انتهازيتهم وتدليسهم على الناس، ويثبت أنّ خطابهم السياسي، الذي يتضمن شعاراتٍ ديمقراطية، هو تقية سياسية، وقناع للوصول إلى السلطة، ومن ثمّ خنق الديمقراطية، وإلغاؤها، لتكون السيادة الفاشية إخوانية فقط. وقد بلغت هذه الانتهازية حدّ التحالف مع بعض القوى اليسارية والليبرالية، لأجل تشكيل جبهة تعطيهم غطاءً سياسياً، يزيد نفوذهم داخل المجتمع والدولة، ثمّ يسارعون للانقلاب، في أول فرصة تلوح لهم.
*خطاب الإخوان السياسي، الذي يتضمن شعاراتٍ ديمقراطية، هو تقية سياسية، وقناع للوصول إلى السلطة، ومن ثمّ خنق الديمقراطية*
وممّا سبق نخلص إلى نتيجتين:
الأولى: إنّه لا وجود لديمقراطية دون وجود ديمقراطيين.
الثانية: إنّ الفكر الديني للإسلام السياسي، وفي مقدمته جماعة الإخوان المسلمين، في جوهره، غير ديمقراطي، وغير متسامح مع الآخر، بالتالي؛ كيف لهذا الفكر أنْ يدعو إلى الديمقراطية، وهو بطبيعته إقصائي، يزعم امتلاك الحقيقة المطلقة في الدنيا والآخرة؛ بل إنّ حسن البنا يعدّ شؤون الحكم من أركان الدين، والعقائد، والأصول، لا من الفقهيات والفروع، مقترباً، أو متماهياً، مع الفكر السياسي الشيعي؛ الذي يعدّ الإمامة من أصول الدين وأركان الإسلام!، رغم أنّ الديمقراطية، كمنظومة حقوقية، تقوم على التعددية، والنسبية، والخطأ، والصواب.
نقلاً عن حفريات