نجلاء رشاد
في ظل التطور التقني والانفتاح الذي يعيشه العالم الإسلامي اليوم تتضارب الفتاوى الشرعية بين علماء الأمة مما يجعل الشارع في حيرة، ويطالب بتوحيد الفتوى الإسلامية، فيما يرى العلماء أن اختلاف الأئمة رحمة.
ونظمت وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد السعودية المؤتمر الإسلامي تحت عنوان “التواصل مع إدارات الشؤون الدينية والإفتاء والمشيخات في العالم وما في حكمها”، في مكة خلال الفترة من 13 إلى 14 أغسطس (آب) الجاري، بمشاركة 150 عالماً ومفتياً يمثلون 85 دولة، منهم المفتون ورؤساء الجمعيات والمشيخات الإسلامية والمفكرون وأكاديميون من عدد من الجامعات العالمية.
وسطية واعتدال
وقال وزير الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد بالسعودية عبداللطيف آل الشيخ خلال كلمته التي ألقاها في انطلاق أعمال المؤتمر، إن بلاده متمسكة بدينها وتعتز بقيمها الإسلامية، لأن الشريعة الإسلامية ترمز إلى الخير والرحمة والسلام والوسطية والاعتدال، مشيراً إلى التعاون في ما يخدم منهج الدين الإسلامي.
وأكد آل الشيخ أن المؤتمر يجسد روح التعاون والتكاتف ويهدف إلى نشر القيم الصحيحة وفق الكتاب والسنة، متابعاً “ندعو العالم إلى منهج الوسطية والاعتدال”.
بدوره، شدد مدير عام مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي عمر حبتور الدرعي على أهمية أن “تكون الفتاوى الدينية صادرة عن مؤسسات رسمية حفاظاً على الخصوصيات واستشعاراً للأبعاد الوطنية في الرأي الشرعي، إذ إن كل رأي شرعي يحتمل أبعاداً فكرية وثقافية ويؤثر في المستوى العام في أي مجتمع”.
ويرى الدرعي أن قضية إصدار الفتوى من المعتمدين أساسية وجوهرية في تنظيم الإفتاء، وأن توحيد الفتاوى يكون في الأصول الشرعية والرأي المؤثر في المجتمع، لافتاً إلى أن القضايا الشخصية يكون الاختلاف فيها “رحمة”.
مواكبة تقنية
وعن أثر الذكاء الاصطناعي على الفتوى الشرعية، أكد مدير المجلس الإماراتي على ضرورة أن تواكب المؤسسات الإفتائية التطورات التقنية شريطة تغذيتها بالطريقة السليمة لأنها تخطئ وتصيب، محذراً من خطف الوسائل التقنية وتغذيتها بجوانب متطرفة فتكون أداة من أدوات الإرهاب.
ويرى مفتي عام موريتانيا، إمام الجامع الكبير في العاصمة نواكشوط أحمد المرابط الشنقيطي أنه يمكن توحيد الفتوى مع وجود الاختلاف غير المنافي للتوحد، معتبراً أن الخلاف رحمة وإثراء وتنوع، متابعاً “نتعاون في ما اتفقنا فيه ونعرض عما اختلفنا فيه”، مشيراً إلى أنه لولا الخلاف الفقهي بين الأئمة الأربعة لما كان لكل مذهبه المستقل به، موضحاً أن خلاف التناقض تنشأ عنه الشحناء والتقاطع والتدابر وعدم التعاون بين المسلمين.
وشدد الشنقيطي على ضبط مصدر الفتوى بأن تكون “صادرة عن جهة موثوق بها، وإذا صدرت عن غيرها، يتوجب النظر في فحواها وفق الأدلة الشرعية”.
فتاوى النازلة
من جهته، يرى الداعية اللبناني أحمد بن مصطفى المزوق “أن الاجتهاد في الفتاوى الشرعية من أنواع الرحمة التي أنزلها الله على عباده، ولا يمكن أن يحكم الناس جميعاً شيء واحد، فالتنوع نتيجة اختلاف الناس ومبادئهم ونشأتهم إضافة إلى العادات والثقافات المختلفة التي نشأوا عليها هي أمور ينبغي أن تحكم الفتوى التي تصدر من علماء البلد نفسه، فما يصلح في السعودية على سبيل المثال لا يصلح في لبنان وهكذا، بالتالي الاجتهاد مدعاة للانفتاح والتآلف”.
وأضاف المزوق “لا حرج في تنوع وتعدد الاجتهادات لكن ضمن ضوابط، وتوحيدها بشكل مطلق أعتقد سيوجد حرجاً على كثير من الشعوب والبلاد”.
وقال مفتي القدس والديار الفلسطينية محمد حسين، إن الفتوى بيان للحكم الشرعي وإعطاء السائل سؤله، مؤكداً أنه لا يمكن توحيد الفتوى على رغم التوسع في وسائل التواصل الاجتماعي والعولمة التي تشهدها المجتمعات الإسلامية.
ويرى حسين أن الاختلاف فيه يسر على الأمة الإسلامية، ولا اجتهادات تختلف باختلاف العادات والبيئات والنوازل، مضيفاً “لا يُمنع اختلاف الفتوى لأنها تتعلق بالنازلة والواقعة، ووحدة الأمة ترتكز على استراتيجيات ومبادئ ثابتة”.
تواصل وتكامل
ويهدف المؤتمر الذي تستضيفه السعودية إلى تعزيز روابط التواصل والتكامل بين إدارات الشؤون الدينية والإفتاء والمشيخات في العالم لتحقيق مبادئ الوسطية والاعتدال وتعزيز قيم التسامح والتعايش بين الشعوب، وإبراز دورها في التأكيد على ضرورة الاعتصام بالقرآن الكريم والسنة النبوية، وخدمة الإسلام والمسلمين، وتعزيز الوحدة الإسلامية، وكذلك محاربة الأفكار المتطرفة، وحماية المجتمعات من الإلحاد والانحلال، وبيان تجربة السعودية الفريدة في الدعوة إلى الله ونشر مبادئ الرحمة والحفاظ على القيم مع البناء والنهضة والتقدم في شتى المجالات لبناء المجتمع.
ويأتي تنظيم المؤتمر ضمن الجهود التي تقوم بها السعودية لتكريس منهج الوسطية والاعتدال من خلال التعاون البناء مع القيادات الدينية العالمية، وذلك للإسهام في الحد من أعمال العنف ومشاعر الكراهية بين شعوب العالم.
نقلاً عن “اندبندنت عربية”