كريتر نت – متابعات
تعكس دلائل انفتاح شهية الموردين الصينيين للتوسع في تجارة الغاز بشكل أكبر مع تعزيز المخزونات على المدى البعيد نظرة بكين إلى المستقبل لتجنب تكرار نقص الطاقة في السابق، بينما تسعى إلى دعم النمو الذي بالكاد يتحرك منذ انتهاء الإغلاق.
وبدأ مستوردو الغاز الطبيعي المسال في الصين بإنشاء أو توسيع مكاتب تجارية في كل من لندن وسنغافورة من أجل إدارة محافظ الاستيراد المتنامية والمتنوعة بشكل أفضل في سوق عالمية تزداد تقلبا.
ويضع تعزيز الوجود التجاري المستوردين الصينيين في منافسة مباشرة مع شركات عالمية لها ثقل كبير مثل شل وبي.بي وإكوينور وتوتال أنيرجيز في السوق، والتي تقول وكالة الطاقة الدولية إن حجمها ارتفع إلى المثلين ليصل إلى 450 مليار دولار العام الماضي.
وعززت نحو عشر شركات صينية فرقها التجارية أو أنشأت مكاتب جديدة، وفق تصريحات لمسؤولين في الشركات ومتعاملين لوكالة رويترز.
وصارت إي.أن.أن للغاز الطبيعي الخاصة وشركة الصين الوطنية للنفط البحري “سينوك” التي تديرها الدولة أحدث الشركات التي تعتزم فتح مكاتب في لندن. كما فتحت شركة تشاينا جاس القابضة للمرافق عمليات في سنغافورة.
وأكد متعاملون ومحللون أن مستوردي الغاز الصينيين زادوا أيضا عقود الغاز الطبيعي المسال طويلة الأجل مع الموردين في قطر والولايات المتحدة بنحو 50 في المئة منذ أواخر العام الماضي إلى أكثر من 40 مليون طن سنويا.
توبي كوبسون: الشركات الصينية ستصبح أطرافا تجارية رئيسية محليا وعالميا
وفي ضوء ذلك بات المشترون الصينيون يمثلون 40 في المئة من إجمالي عقود الغاز طويلة الأجل من كبار المستوردين.
وأشارت المصادر أيضا إلى أن للصينيين خططا لاستيراد المزيد من الكميات من البلدين وكذلك من سلطنة عمان وكندا وموزمبيق.
وتعد عقود الغاز طويلة الأجل جذابة لأن الشحنات موعودة بسعر ثابت نسبيا مقارنة بالسوق الفوري، حيث ارتفع سعر هذا المورد بشكل حاد بعد اندلاع الحرب الروسية – الأوكرانية.
وقال توبي كوبسون، رئيس قسم التجارة العالمية في شركة ترايدنت للغاز الطبيعي المسال، “سنشهد نقلة نوعية في الشركات الصينية من كونها مستوردة أكثر من مصدرة إلى أن تصبح من الأطراف التجارية الرئيسية على المستويين الدولي والمحلي”.
وأوضح كوبسون المقيم في شنغهاي أن شركات بتروتشاينا وسينوبك وسينوكيم غروب وسينوك، التي تديرها الدولة تجري تداولات كبيرة بشكل نشط للاستفادة من محافظها طويلة الأجل.
وتتنافس الصين مع اليابان على أن تصبح أكبر مستورد للغاز الطبيعي المسال في العالم، لكن ليس من الواضح مقدار الفائض أو الكميات الأخرى التي قد تكون متاحة للتداول للشركات الصينية.
واستوردت بتروتشاينا إنترناشونال أو تعاملت في نحو 30 مليون طن من الغاز المسال العام الماضي، والشركة هي الذراع التجارية لبتروتشاينا وأكبر تجار القطاع في الصين بفريق عالمي يضم مئة فرد في بكين وأربعة مكاتب دولية أخرى.
جيسون فير: نتوقع بأن تكون الشركات الصينية بائعا موسميا لأوروبا وآسيا
ورفض تشانغ ياويو، الرئيس العالمي لتعاملات الغاز الطبيعي المسال في بتروتشاينا إنترناشونال، التعليق على حجم تداول الشركة، لكنه قال إن “التداول جزء من الإستراتيجية العامة للشركة”.
وأضاف تشانغ أنه “لا يزال تأمين الإمدادات في صميم أنشطة أعمالنا”. وتابع “تشكل القدرة التجارية أحد عوامل التمكين لمساعدتنا على التعامل بشكل أفضل مع تقلبات السوق”.
ومن المتوقع أن تتعاقد الشركات الصينية على استيراد ما يزيد عن مئة مليون طن سنويا من الغاز الطبيعي المسال بحلول عام 2026.
وتقول بوتين آند بارتنرز للاستشارات إن هذا من الممكن أن يعني فائضا يصل إلى ثمانية ملايين طن في ذلك العام، بينما ترى تقديرات وكالة آي.سي .آي.أس للتسعير أن هذا سيعني عجزا من خمسة إلى ستة ملايين طن.
وفي كلتا الحالتين يوفر الإنتاج المحلي الصيني المتزايد إلى جانب المزيد من إمدادات الغاز عبر الأنابيب من آسيا الوسطى وروسيا مخزونا للاستهلاك دون مشاكل.
وتكفي هذه الكمية إمدادات الوقود الأساسية التي يمكن لشركات الغاز الصينية تداولها أو مبادلتها مع محافظ سلع أميركية ومن دول أخرى عند بدء عملية المراجحة أو عندما يكون ذلك منطقيا في السوق.
وقال جيسون فير، رئيس قطاع معلومات الأعمال في بوتين آند بارتنرز، “يمكنني أن أتوقع أن تصبح الصين بائعا موسميا لمناطق مثل جنوب شرق آسيا وكوريا الجنوبية واليابان، وكذلك لأوروبا”.
40 في المئة من إجمالي عقود الغاز طويلة الأجل مع كبار الموردين تعود إلى المشترين الصينيين
ورغم التوتر القائم بين أكبر قوتين اقتصاديتين في العالم، يبرم الموردون الصينيون عقود الغاز المسال في الولايات المتحدة على أساس التسليم على ظهر السفينة وعلى أساس مفتوح مع عدم وجود قيود على الوجهة.
وتتوقع شركة ريستاد أنيرجي لاستشارات الطاقة أن تستحوذ الولايات المتحدة لوحدها على رُبع العقود الصينية طويلة الأجل بحلول عام 2030.
أما قطر، التي ستكون أكبر مورد للصين لعام 2026، فتوفر عقود الغاز الطبيعي المسال التقليدية، التي تقتصر على وجهة أو دولة واحدة.
وأجبرت الحرب في شرق أوروبا العام الماضي المشترين الأوروبيين على زيادة واردات الغاز الطبيعي المسال بمقدار الثلثين لتعويض الغاز الروسي الذي كان يصل إليهم عبر خطوط الأنابيب.
وأدى ذلك إلى إتاحة متنفس للشركات التي لديها إمدادات متاحة، فيما انتهزت الشركات الصينية واليابانية والكورية الجنوبية الفرصة في ظل ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي المسال عالميا وتضاعف القيمة السوقية.
وقال فير إن “المستخدمين الأوروبيين يبدون ترددا في توقيع عقود طويلة الأجل بسبب الأهداف التي تتبناها دولهم لإزالة الكربون”.
ويرسل تجار الغاز والمستوردون الآسيويون الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا خلال فصلي الربيع والصيف لملء مستودعات التخزين هناك.
كما وقعت بتروتشاينا إنترناشونال اتفاقا في مايو الماضي لاستخدام محطة لإعادة التغويز في مدينة روتردام الهولندية لمدة 20 عاما، وهذه الصفقة هي الأولى لشركة صينية في أوروبا.
ودفعت هذه الانفتاحات في السوق وتراجع القيود في سوق الغاز محليا موزعي الغاز الصينيين ومستورديه الأصغر حجما إلى التوسع في المساحات التجارية.
وعلى سبيل المثال، قال مسؤول تنفيذي بشركة تشاينا جاز هولدنجز لرويترز إن الشركة التي وقعت عقودا لنحو 3.7 مليون طن سنويا من الغاز الأميركي “تعمل على تعيين أول متعاملين اثنين لها لمكتب جديد في سنغافورة وتتطلع إلى إبرام المزيد من العقود”.
وتنضم الشركة بذلك إلى شركات إي.أن.أن وبكين غاز وتشجيانغ أنيرجي وجوفو أنيرجي في تأسيس وجود تجاري في مركز الطاقة في جنوب شرق آسيا.
وقال مسؤول توظيف في سنغافورة، لم تذكر رويترز هويته، إن “بالمقارنة مع الشركات اليابانية، فإن الصينيين أكثر حماسا في التوسع، مع كون بتروتشاينا إنترناشونال ويونيبك من بين أفضل دافعي الأجور”.
وأوضح أن هاتين الشركتين تعرضان حزما تضاهي الشركات العالمية الكبرى في إطار سعيهما لإيجاد كفاءات لتوظيفها.