فؤاد مسعد
*صراع صالح والحوثيين*
تصاعدت الخلافات داخل تحالف الحوثيين وصالح، بعدما أحكم الحوثيون السيطرة على مقاليد السلطة بما فيها الجيش والشرطة والموارد الاقتصادية، وظل المؤتمريون يشكون من تهميشهم من قبل حلفائهم الحوثيين، وعلى الرغم من تطور هذه الخلافات واستمرار تذمر المؤتمريين إلا أن الحوثيين استمروا في التعامل معهم كتابعين لا كحلفاء وشركاء في إدارة الدولة، كما ينص الاتفاق الموقع بين الطرفين في يوليو/تموز 2016، وهو الاتفاق الذي لم يلتزم الحوثيون بتنفيذ بنوده، وهو ما أثار حفيظة كثير من قيادات المؤتمر وقواعده.
وفي الشهرين الأخيرين من العام 2017 بدا أن الحوثيين قرروا أن يسلبوا حليفهم صالح كل ما تبقى لديه، وحينها لم يعد معه سوى المسجد الذي يحمل اسمه، وهو “جامع الصالح”، حيث قام المئات من مسلحي الحوثي باقتحامه وإطلاق قذائف آر بي جي وقنابل يدوية، وحاصروا أفراد حراسته بهدف الاستيلاء عليه، كما قاموا بالانتشار حول مساكن خاصة بالرئيس السابق وأفراد عائلته وعدد من مقرات المؤتمر، وفرضوا حصاراً مسلحاً عليها، ما أدى لاندلاع اشتباكات بين الطرفين سقط فيها قتلى وجرحى.
وتوسعت المواجهات في شوارع صنعاء خلال الأيام الثلاثة الأولى من شهر ديسمبر 2017، واستنفر الحوثيون بكامل قواتهم للإجهاز على الحليف الذي أصبح خصماً، وشنوا هجوماً وسعاً على مناطق وجود صالح وأنصاره، حتى تمكنوا من قتله في اليوم الرابع من ديسمبر نفسه. وتعددت روايات الحادثة بين روايتين، رواية تفيد أن صالح تعرض للتصفية على أيدي الحوثيين بعد اقتحام منزله، فيما تفيد رواية الحوثيين أنه قتل أثناء اشتباك مع موكبه بعد اعتراض عملية هروبه إلى مسقط رأسه في منطقة سنحان جنوب العاصمة صنعاء.
ومع أن المواجهات اقنعت قطاعا واسعا من المؤتمريين – سيما المقربين من صالح – بانتهاء التحالف مع الحوثيين، والبدء في المواجهة معهم، فإن قيادات مؤتمرية اختارت البقاء ضمن هذا التحالف، مع أن العلاقة أصبحت مجرد تبعية من المؤتمريين لجماعة الحوثي المسيطرة على كل شيء.
المؤتمر في الوضع الراهن
يتنازع كل فريق من المؤتمر الشرعية مع الفريق الآخر، بسبب الانقسام الحاصل في الحزب، ونتيجة لتعذر عقد مؤتمر عام ينتخب قيادة جديدة، وآخر مؤتمر عام عقده المؤتمريون هو المؤتمر العام السابع في العام 2005، وآخر هيئة قيادية هي التي انتخبت في ذلك المؤتمر، وتشمل رئاسة المؤتمر واللجنتين العامة والدائمة، وكان الجناح الذي يسيطر عليه صالح قد أقال نائبيه عبدربه منصور هادي والراحل عبدالكريم الإرياني، واختار هيئة قيادية جديدة تشمل نائبي الرئيس وأمينه العام، وذلك في اجتماع استثنائي للجنته الدائمة في نوفمبر 2014، وأصبح أحمد عبيد بن دغر نائباً أول لرئيس المؤتمر(غادر صنعاء والتحق بالشرعية بداية العام 2015)، وصادق أمين أبو رأس نائباً ثانياً، وعارف الزوكا أميناً عاماً للمؤتمر (قتل مع صالح في ديسمبر 2017). فيما قام الجناح التابع لهادي في أكتوبر 2015، بعزل صالح من رئاسة المؤتمر، واختيار هادي رئيساً له، ومعه اختار أحمد عبيد بن دغر وعبد الكريم الإرياني نائبين للرئيس، كما سبقت الإشارة إلى ذلك.
فيما بعد حدثت تغيرات جديدة على مستوى المؤتمر وعلى مستوى البلد عامة، وأبرزها مغادرة زعيمي الجناحين المؤتمريين، صالح قُتِل في ديسمبر 2017، وهادي أعلن نقل السلطة إلى مجلس قيادة مكون من رئيس وسبعة أعضاء في أبريل 2022، بالنسبة للمؤتمر المتحالف مع الحوثي فقد اختار لرئاسته صادق أبو راس، وأحمد علي (نجل الرئيس السابق) نائباً، أما المؤتمر الداعم للشرعية فيقف على رأسه رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي، ورئيسا مجلسي النواب والشورى: سلطان البركاني وأحمد عبيد بن دغر.
وفي أبريل/نيسان 2020 قرر جناح المؤتمر المتحالف مع الحوثيين فصل 31 من القيادات المؤتمرية المؤيدة للشرعية، بتهمة “مساندة العدوان”، في إشارة للتحالف العربي الداعم للشرعية، ومن بين المشمولين بقرار الفصل رئيس مجلس النواب سلطان البركاني، وعدد من الوزراء والنواب والمحافظين، وبدوره علق رئيس مجلس النواب على قرار الفصل قائلاً: إن “من أقدموا على هذا الفعل العدمي هم الذين خانوا المؤتمر ووافقوا على اغتيال قائده (علي صالح) وأمينه (عارف الزوكا)”.
وإلى جانب الجناحين البارزين في المؤتمر ظهرت فصائل جديدة، منها المؤتمر الشعبي الجنوبي والمكتب السياسي للمقاومة الوطنية.
*المؤتمر الشعبي الجنوبي*
في السياق نفسه يقود وزير الداخلية السابق أحمد الميسري عضو اللجنة العامة للمؤتمر، فصيلاً مؤتمرياً يطلق عليه “المؤتمر الشعبي الجنوبي”، ويتبنى بقوة دعم الشرعية ويؤكد على ضرورة مواجهة الحوثيين، وقد بدأ هذا الفصيل يظهر منذ أواخر العام 2014 عقب صدور قرارات مؤتمرية بإقالة الرئيس هادي من موقعه في قيادة الحزب، وعقدت القيادات المؤتمرية الموجودة في عدن ولحج وأبين اجتماعات مناهضة لتلك القرارات، آزرت فيها الرئيس هادي وأعلنت الوقوف ضد الحوثيين ورفضت التحالف معهم.
وكان هذا الفصيل أول المنادين بعزل صالح من قيادة المؤتمر بعدما تحالف مع الحوثيين، وذلك في نوفمبر/تشرين ثان 2014، ودعا الفصيل نفسه في فعاليات ومؤتمرات صحفية وبيانات عدة، لانتخاب الرئيس هادي رئيساً للمؤتمر، وهو ما فعله المؤتمريون بعد ذلك بنحو عام، وقد حقق الميسري حضوراً قوياً حينها لاتخاذه موقفاً مناهضاً لقيادة المؤتمر في صنعاء.
بداية العام 2018 تم الإعلان عن تشكيل لجنة تحضيرية برئاسة الميسري، الذي كان يعتبر المسؤول الأبرز في الحكومة الشرعية داخل اليمن، سيما في الفترة التي شهدت مواجهات عسكرية بين القوات الحكومية وقوات مدعومة من دولة الإمارات، أهمها مواجهات يناير/كانون 2018، وأغسطس/آب 2019، وبانتهاء الجولة الأخيرة من المواجهات لصالح القوات الموالية لأبوظبي غادر الميسري عدن، وفي الوقت الراهن يقيم خارج البلاد، ويظهر بين وقت وآخر على وسائل الإعلام منتقداً أداء التحالف العربي، وعلى وجه الخصوص دولة الإمارات والتشكيلات المسلحة التابعة لها.
*المكتب السياسي للمقاومة الوطنية*
بعد خروجه من صنعاء عقب الموجهات المسلحة مع الحوثيين أواخر العام 2017، بدأ القائد العسكري البارز طارق صالح يجمع القادة والضباط والجنود الموالين لعمه الراحل (علي صالح)، واستقر في منطقة المخا على ساحل البحر الأحمر بعد حصوله على دعم من دولة الإمارات، وهناك شكل إطاراً جديداً لمواجهة الحوثيين أسماه “المقاومة الوطنية”، كما بدأ تشكيل وحدات عسكرية تحت اسم “حراس الجمهورية”، وفي مارس/اذار 2021 أعلن عن تأسيس مكون سياسي يحمل اسم “المكتب السياسي للمقاومة الوطنية”، وقال في بيان الإشهار إن المكتب السياسي “يشكل امتداداً أصيلاً لتضحيات الرئيس السابق علي عبدالله صالح ورفيق دربه الأمين عارف الزوكا وكل شهداء مراحل النضال، وسيقوم بمسئولياته الوطنية بما يحافظ على الثوابت الوطنية والقومية”.
وعلى الرغم من محاولة قيادته الظهور بعيداً عن المؤتمر الشعبي العام إلا أن غالبية منتسبيه هم في الأساس من المحسوبين على المؤتمر، وبتشكيل هذا المكون يخسر المؤتمر جزءاً من قاعدته الجماهيرية – خاصة وأن المكتب السياسي استوعب في صفوفه عدداً من أعضاء مجلس النواب المحسوبين على المؤتمر، بالإضافة لقيادات سياسية ومدنية في محافظات عدة.
*فصائل أخرى*
كما يوجد في الخارج- تحديداً في القاهرة وأبو ظبي قيادات مؤتمرية مناهضة للحوثي وليست على وفاق مع الشرعية، ولها ارتباط وثيق بحكام الإمارات الذين يحاولون توظيف هذه القيادات في خدمة مصالحهم، ويتوقع مراقبون أن تحركات هذه الشخصيات القيادية ستأتي وفقاً لما تمليه أجندة داعميها في أبوظبي، وعلى رأس هذا الفصيل أحمد نجل الرئيس السابق صالح- المقيم في الإمارات منذ أكثر من 8 سنوات، بالإضافة إلى حمود الصوفي وأحمد الكحلاني، وهما وزيران سابقان ولهما شبكة علاقات داخل المؤتمر وخارجه، خاصة وأن الأخير له ارتباط وثيق بالقيادات الحوثية.
وبين وقتٍ وآخر تظهر قيادات مؤتمرية في مواقف مستقلة عن الجناحين الرئيسيين، أمثال الدكتور عادل الشجاع الذي ينتقد بشدة في كتاباته وتصريحاته جماعة الحوثي، كما ينتقد التحالف العربي والحكومة الشرعية، وكذلك الدكتور أبوبكر القربي – وزير الخارجية الأسبق، الذي لم يبدِ انحيازاً لطرف محدد من أطراف الصراع، ويحرص على الظهور مستقلاً عن الاستقطابات والتباينات الموجودة، وفيما تظهر بعض القيادات موقفاً صريحاً مما يجري، فإن قيادات مؤتمرية أخرى تفضل الصمت والبقاء بعيداً عن الأضواء، وبينهم مسؤولون تبوأوا مراكز رفيعة في الحزب والدولة.
جزء من دراسة للباحث نشرها مركز أبعاد للدراسات في العام الماضي- مع حلول الذكرى الأربعين لتأسيس المؤتمر الشعبي العام.