عبدالله السويجي
محاربة الإرهاب؛ هذا المصطلح بحاجة إلى قراءة مختلفة عن ظاهره ومعناه السطحي، نحو عمقه الذي يكشف أشكاله وأنواعه وأحجامه وأهدافه ومناطقه وقوته ولينه، فلكلمة محاربة معانٍ كثيرة، هل هي القضاء عليه أم تحجيمه أم ضربه على يده أم نهره وزجره أم احتواؤه؟ وهل المحاربة تعني المحاربة المادية التي تعني القتل والتدمير والأسر والحصار وتجفيف مصادر تمويله وتسليحه وداعميه وحاضنيه؟ أم تعني المحاربة المعنوية التي تتوجه إلى التصدي للفكر الشاذ المتشدّد والعنيف والإجرامي والعنصري؟
لا بد من تعريف معنى الإرهاب، هل هو الترهيب والتعنيف والتنمّر والاعتداء على الجسد والروح؟ هنا قد يتبادر إلى الذهن الإرهاب الفردي الذي يمارسه الرجال والنساء والبشر بشكل عام، بينما الدول ذاتها تمارس تلك الأصناف من الممارسات المؤذية للجسد والروح الفردية والجماعية بطرق شتّى.
وإذا سلمنا بأن الإرهاب هو العنف والتحكّم بمصائر الآخرين ومصادرة حرياتهم الفردية، سنجد دولاً كثيرة؛ بل معظم الدول، تمارس الإرهاب بطريقة أو بأخرى، وبأشكاله المتباينة والمتعدّدة.
وهكذا نجد أنفسنا في بحر متلاطم من التعريفات والمفاهيم وتتلوها الممارسات، وهنا يجب أن نتوقّف قليلاً عند المفاهيم، فما يبدو بأنه إرهابي لدى جهة، يبدو ممارسة لحق شرعي لدى جهة أخرى، ما يقودنا إلى ازدواجية المعايير، وهذا المصطلح انتشر في العقدين الماضيين بشكل كبير، وطال دولاً عظمى ومنظمات دولية؛ حيث يبدو مصطلح الحق نسبياً. وحين ندخل في إطار النسبية يتحول الناس إلى ما يشبه محامي الشيطان، فالحق هو المصلحة في تعريفه الواسع، وكل يرى مصلحته فضيلة، وسيأتي نفر من الناس ليصنّف الفضيلة بأنها نسبية أيضاً، شأنها شأن الشرف الذي يختلف معناه من قارة إلى أخرى، ومن مجتمع إلى آخر، وهنا نجد الحديث يقودنا إلى طريق مسدود، يؤدي إلى وضع كل دولة وجماعة تعريفاتها الخاصة، حتى للأمور المتعارف عليها والمتفق عليها من قبل الجميع، في الشرق والغرب، مثل السرقة، وأخشى أن يأتي أحدهم ويقول إن السرقة نسبية، وهي ليست جنحة أو جريمة في كل حالاتها، هنالك من يسرق ليسد جوعه، وهناك من يسرق ليراكم ثرواته.
الإرهاب يقع ضمن هذا السياق الديماغوجي السفسطائي، لأن أحداً لم يستطع تعريف الإرهاب حتى الآن، لهذا لم تحقق الحرب على الإرهاب تقدّماً يُذكر يمكن الاحتكام إليه، فالتنظيمات الدينية المتشدّدة لا تزال تطرح الأفكار المتطرفة، ولديها أذرعها العسكرية على الأرض؛ بل إنها آخذة في زيادة قوتها، وإنشاء كياناتها أمام عيون المجتمع الدولي الذي يحارب الإرهاب. فهل هذه التنظيمات هي مجرد كيانات متشدّدة وليست إرهابية، والمجتمع في طريقه إلى الاعتراف بها؟
سؤال خطر، منبعه الصمت وغض الطرف عن وجودها منذ أكثر من عشر سنوات. هل عدم وضوح تعريف الإرهاب، يؤدي إلى ارتباك في وسائل محاربته، وبالتالي القبول به أمراً واقعاً، لا سيّما أنه يقع في منطقة يُراد لها أن تبقى منشغلة بذاتها، بعيدة عن النمو والتنمية والتطور والسلام، وذنبها الوحيد أنها تقع في منطقة مشتعلة سياسياً وعسكرياً، ويجب أن تبقى دولاً ضعيفة، لتبقى دول أخرى متفوّقة عسكرياً وأمنياً واقتصادياً، وتدّعي محاربة الإرهاب، بينما هي غارقة في الإرهاب، وفق تعريف الآخرين، حتى أذنيها.
هل تدرك التحالفات التي تحارب الإرهاب الورطة في المصطلح، وما عكسه على أرض الواقع؟ وهل هي بحاجة إلى مؤتمر يحدّد المصطلح ومعناه، ليس فقط الإرهاب؛ بل مصطلحات أخرى، مثل حق تقرير المصير، والمجتمع الدولي، ودول الشر ودول الخير، والنظام العالمي الجديد، والعالم الثالث والعالم الأول، والفرق بينهما، وسيادة الدول؟ نحن بحاجة ماسة إلى وضوح وشفافية بعيداً عن الإبهار الإعلامي والحملات الدعائية التي تقلب الحق باطلاً والباطل حقاً. والحديث ذو شجون.
نقلاً عن “الخليج” الإماراتية