كريتر نت – متابعات
ترى بعض الدول أن الممر التجاري الجديد الذي يربط الهند بالشرق الأوسط وأوروبا فرصة اقتصادية كبيرة، فيما تعتبره دول أخرى خطرا يجب مقاومته. وتعتبر إيران، التي تجمعها شراكات اقتصادية وتجارية مع الهند وروسيا والصين، أن الممر الجديد تجب عرقلته وبدأت بالفعل في مساعيها.
ووقّع الرئيس الأميركي جو بايدن في 9 سبتمبر الجاري، خلال قمة مجموعة العشرين في نيودلهي، مذكرة تفاهم مع الهند وعدد من دول الشرق الأوسط والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. وتهدف الاتفاقية إلى إنشاء ممر تجاري جديد يربط الهند بالشرق الأوسط والغرب. وأكّد بايدن أن “هذه صفقة كبيرة حقا”، وأشار مساعدوه في الأمن القومي إلى أن الممر الجديد سيساهم في منع مبادرة الحزام والطريق الصينية من الهيمنة على التجارة بين آسيا وأوروبا.
ويقول بول غوبل في تحليل نشرته مؤسسة جايمس تاون إنه إذا تحققت هذه الخطط بالفعل فسوف يثبت كون حماس بايدن في محله، لكن تكاليف المشروع قد تكون مرهقة ويمكن أن تلعب إيران المدعومة من روسيا والصين دور المفسد فيها. وتعكس رؤية المشروع العامة أنه في الحقيقة مشروعان في مشروع واحد، وهما يتطلبان تطوير النقل البحري متعدد الوسائط في الأماكن التي انطلقت فيها هذه الجهود مؤخرا.
وسيتطلب المشروع أولا استكمال ممر شرقي جديد بين الهند والشرق الأوسط، وتوسيع الطريق الغربي بين الشرق الأوسط وأوروبا ثانيا. ويشير غوبل إلى أن إيران تقع على الطريق البري بين البلدين، وتتمتع بالتالي بالقدرة على بسط قوتها في المحيط الهندي.
◙ الطريق أمام الممر لن يكون سهلا. وسيتطلب نجاحه جهودا دبلوماسية مع دول مثل إيران وروسيا
وسيتعين على البلدان التي بدأت للتو تدرك تعقيدات النقل متعدد الوسائط أن تطوّر البنية التحتية ومجموعات المهارات لتكون قادرة على نقل البضائع من القطارات إلى السفن ثم إلى الشاحنات بسرعات عالية حتى يكون هذا الممر الجديد قادرا على المنافسة مع الممرات الأخرى القائمة. وتواصل روسيا تطوير ممرات العبور ذات القدرة على تحقيق فائدة كبيرة لإيران والصين. ويضيف غوبل أنه يمكن أن تعمل طهران وبكين على إفساد الممر المقترح بين الاتحاد الأوروبي والهند.
ومرّ أول قطار يحمل شحنة حاويات روسية عبر إيران إلى المملكة العربية السعودية في 27 أغسطس الماضي. وعبرت الشحنة طريقا اقترحت موسكو أنه سيمتد من سان بطرسبرغ في شمال غرب روسيا إلى مومباي ويكون جزءا من ممر أوسع بين الشمال والجنوب، وهو ما تدعمه طهران بقوة. كما أبدت بكين نفسها اهتماما كبيرا بهذا المشروع. وترى طهران أنها المستفيدة الرئيسية من طرق العبور التي تهيمن عليها روسيا.
وتم إنشاء ممر النقل الدولي بين الشمال والجنوب بموجب الاتفاقية الموقعة بين روسيا وإيران والهند في الثاني عشر من سبتمبر 2000. وفي السنوات التالية، انضمت 10 دول أخرى، بما في ذلك أذربيجان وتركيا إلى هذا المشروع. ويهدف ممر النقل بين الشمال والجنوب إلى تقليل وقت نقل البضائع من الهند إلى روسيا، وكذلك إلى شمال أوروبا وغربها.
ويحظى الممر، الذي لم يعمل بكامل طاقته بعد، بمكانة مهمة في العلاقات الثنائية والتجارية بين روسيا وإيران، الخاضعتين للعقوبات الغربية. ولفت المسؤولون الإيرانيون الانتباه إلى التطوّرات الأخيرة التي يشهدها الطريق الروسي بين الشمال والجنوب، واعتبروا البحث عن طرق بديلة غير مبرر. واحتفل حجة الله عبدالمالكي، أمين المجلس الأعلى لمناطق التجارة الحرة في إيران، بتدفق البضائع من روسيا إلى المملكة العربية السعودية.
وأعلن أن “أحد ممرات النقل المهمة، في إطار ممرات النقل الدولية بين الشمال والجنوب والشرق والغرب، هو الذي يمتد من حدود إيران مع روسيا الاتحادية، ويمر عبر الأراضي الإيرانية ثم يصل إلى الدول العربية، والسعودية على وجه الخصوص.. ثم يمتد إلى بلدان أخرى أيضا، بما في ذلك الهند”.
لكن الممر بين الشمال والجنوب يواجه مشاكله الخاصة. وأكد عبدالمالكي مع ذلك أن الوصول الناجح إلى السعودية يدل على أن “هذا الممر قد بدأ العمل بالفعل”، وهو متعدد الوسائط “مثل جميع الممرات التي تمر عبر إيران”. كما ذكر أن “الأراضي الإيرانية تمثل طريقا لوجستيا ممتازا من المستوى الطبيعي والمالي”.
وأشار إلى أن إيران تقع جغرافيا في وسط العديد من الطرق البرية الرئيسية. وقال “لا بديل عن هذا الطريق.. إن طريقنا آمن، وتمر ملايين الأطنان من البضائع عبره بالفعل بتكاليف نقل منخفضة. وندعو جيراننا في الجنوب والشمال إلى الاستفادة من قدرات طرقنا اللوجستية بدلا من إضاعة وقتهم وأموالهم في البحث عن البدائل”.
◙ تكاليف المشروع قد تكون مرهقة ويمكن أن تلعب إيران المدعومة من روسيا والصين دور المفسد فيها
وجاءت تصريحات عبدالمالكي قبل عشرة أيام من توقيع مذكرة تفاهم نيودلهي. ولا يوجد شك في أن إيران ستقدم هذه الحجج إلى الموقّعين على المشروع الذي تدعمه الولايات المتحدة. وليس من المستبعد أن تختار بعض الدول المشاركة في المشروع إلقاء نظرة ثانية على المسار الروسي قبل إنفاق مبالغ كبيرة لتجاوزه. ومن المرجح الاعتماد على الرئيس فلاديمير بوتين لتقديم الدعم الروسي لموقف إيران الذي لم يكن ممكنا إلا بفضل جهود موسكو.
وسيكون أيّ انتصار لإيران انتصارا لروسيا أيضا. وأشار بعض مساعدي بايدن، إثر التوقيع على مذكرة التفاهم في نيودلهي، إلى أن مبادرة الحزام والطريق الصينية هي الهدف الحقيقي للاتفاقية. وقد تقرر بكين بالتالي الوقوف إلى جانب طهران في هذا النزاع على أمل توسيع مبادرة الحزام والطريق بطريقة تمنع مشاريع محتملة مماثلة من تهميشها في المستقبل. وحظي تطور العلاقات التجارية والسياسية بين دول الخليج والصين في السنوات الأخيرة بمتابعة وثيقة من قبل إدارة واشنطن.
وتنظر الولايات المتحدة إلى المبادرة الصينية على أنها خارطة طريق ستعزز نفوذ ثاني أكبر اقتصاد في العالم، لاسيما في أفريقيا والشرق والأوسط، وبوسعها أن تفتح منافذ جديدة أمام الصين للوصول إلى منابع الطاقة الرئيسية في الشرق الأوسط والمعادن النادرة في دول أفريقية.
وقال مايكل كولغمان مدير معهد جنوب آسيا بمركز ويلسون في منشور عبر منصة “إكس” إن “الاتفاق يمكن أن يغير قواعد اللعبة، ويعزز الاتصال بين الهند والولايات المتحدة والشرق الأوسط، بهدف مواجهة مبادرة الحزام والطريق الصينية”. ويعني كل هذا أن الطريق أمام الممر بين الاتحاد الأوروبي والهند لن يكون سهلا. وسيتطلب ضمان نجاحه جهودا دبلوماسية مع الدول الموقّعة على الاتفاقيات وغيرها مثل إيران وروسيا، التي لا يرتبط الغرب بعلاقات دافئة معها.