كريتر نت – العرب
التطورات المسجلة في الملف اليمني لا يمكن توصيفها باعتبارها تقدّما حاسما باتجاه تسوية الملف، حيث لا تزال الاتصالات والمحادثات تدور حول مسائل إجرائية وقضايا إنسانية واقتصادية، الأمر الذي يكشف عن صعوبات حقيقية في مقاربة ملفات أكثر تعقيدا سيكون على السعودية مسؤولية اجتراح حلول لها إذا أرادت ضمان خروج سلس وآمن من الصراع اليمني.
ورغم الصدى الكبير الذي أحدثه استقبال المملكة العربية السعودية بشكل علني لأول وفد من جماعة الحوثي منذ سيطرتها على العاصمة اليمنية صنعاء وأجزاء أخرى من اليمن، إلاّ أنّ هذا الحدث لم يمثّل إلى حدّ الآن سوى تطور شكلي في الجهود الرامية إلى إنهاء الحرب في البلد وإقرار تسوية سياسية للصراع فيه، حيث لم تغادر المحادثات مربّع الملفّات الإنسانية والاقتصادية والحفاظ على التهدئة القائمة حاليا، بعيدا عن معضلات حقيقية تواجه عملية البحث عن تسوية.
وقال رئيس وفد الحوثيين التفاوضي محمد عبدالسلام إنّ الملف الإنساني على رأس أولويات المحادثات التي ستتناول القضايا المتعلّقة بصرف رواتب الموظفين وفتح المطار والموانئ والإفراج عن الأسرى والمعتقلين.
ومع قلّة ما يرشح بشأن المحادثات التي يجريها الوفد الحوثي في الرياض، فإنّه لا يرد ذكر مسائل جوهرية في أي تسوية قادمة للصراع اليمني وعلى رأسها مصير وحدة البلد وموقع المجلس الانتقالي الجنوبي في التسوية المرتقبة وهو الذي تحوّل إلى قوة سياسية وعسكرية على الأرض لا يمكن تجاهلها.
توفيق الحميري: الجديد هو أن الرياض أصبحت تقبل بما كانت ترفضه
ويرى متابعون للشأن اليمني أنّ الحوثيين هم الطرف الأكثر ارتياحا لجهود السلام في شكلها الحالي باعتبار أن المرونة السعودية تجاههم حوّلتهم إلى طرف معترف به ومسلّم بسيطرته على الأرض.
ويقول هؤلاء إنّ تركيز جماعة الحوثي على ملفات إنسانية واقتصادية يعني أنّهم يوجهون جهودهم في المفاوضات نحو انتزاع أقصى قدر ممكن من المكاسب بعد أن ضمنوا الاحتفاظ بالمناطق التي يسيطرون عليها، بينما يتركون للسعودية التكفّل بحل القضايا والمشاكل الأخرى المتعلّقة بالملف اليمني مثل قضية الجنوب والعلاقة الملتبسة بين السلطة المعترف بها دوليا والمجلس الانتقالي الجنوبي الساعي بلا مواربة لاستعادة دولة جنوب اليمن التي كانت قائمة قبل الوحدة المنجزة في تسعينات القرن الماضي.
وتعبيرا عن وجود المجلس ككيان فاعل سياسيا ودبلوماسيا، قال رئيسه عيدروس الزبيدي تعليقا على سفره إلى نيويورك للمشاركة في أعمال الدورة الثامنة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، إنّ الهدف من “أول زيارة إلى هذا التجمع الدبلوماسي الدولي الكبير”، هو “اللقاء بصناع القرار الإقليمي والدولي لإعادة قضايا بلادنا إلى واجهة الاهتمام الدولي ولإسماع صوت شعبنا في الجنوب للعالم والإقليم”.
ويطالب أعضاء في المجلس ومقرّبون منه بأن تُؤخذ بعين الاعتبار ضمن جهود الحلّ السلمي في اليمن جميع الحقائق القائمة على الأرض والأدوار التي لعبها كل طرف في الصراع الدائر منذ تسع سنوات.
ويذكّر هؤلاء بأن لقوات المجلس سيطرة فعلية في عدد من مناطق الجنوب وبأن الجنوبيين لعبوا دورا حاسما في وقف زحف الحوثيين على المناطق اليمنية وفي تحرير عدد آخر من المناطق من سيطرتهم. كما كان لهم دور كبير في التصدّي لتنظيم القاعدة عندما حاول استغلال الفراغ وغياب الدولة لاحتلال بعض المناطق وإقامة إمارته عليها.
ولم يعد المجلس الانتقالي هو الطرف الوحيد المغيّب في مسار السلام الجديد الذي سارت فيه السعودية، بل إنّ السلطة المعترف بها دوليا والمدعومة من الرياض لا يبدو لها دور يذكر في ما يجري حاليا من جهود وجّهتها المملكة رأسا باتجاه الحوثيين.
وقال توفيق الحميري، مستشار وزارة الإعلام في حكومة الحوثيين بصنعاء، إن المناقشات التي يخوضها الوفد الحوثي في الرياض تجري بشكل مباشر مع السعودية بوساطة عمانية.
محمد عبدالسلام: الملف الإنساني على رأس أولويات المحادثات
وكشف في حديث لوكالة سبوتنيك الروسية أنّ التقدم الذي حدث حتى الآن من خلال الخطوات الأخيرة يتمثّل في أنّ “الرياض تقبلت المواضيع التي كانت ترفض في الفترة السابقة إعطاءها حيزا من النقاش في كل الجولات، حيث كانت تحاول التنصل عن تلك المطالب والملفات وتعتبر نفسها غير مسؤولة عما يتم طرحه في ما يتعلق بالملف الإنساني ورفع الحصار وفتح المطارات، إلى جانب إعادة الأموال اليمنية المنهوبة التي تخص مرتبات الموظفين اليمنيين، وكانت السعودية تصادرها إلى البنك الأهلي بالرياض”.
وأكّد الحميري أن “الملفات السابق ذكرها أُتيحت الفرصة لمناقشتها الآن، فاليوم وصلنا مع السعودية إلى أن تصبح النقاشات على الملف الإنساني ومداخل مفاوضات السلام المطروحة من قبل صنعاء كمداخل لعملية يجري الحديث حولها بين الوفد الوطني والرياض”.
ولفت إلى أن “السعودية أصبحت اليوم طرفا مباشرا فيما يحدث، وهذا هو التقدم الذي تحقق في النقاشات التي تجري الآن في السعودية”.
ويكشف مثل هذا الخطاب الحوثي عن نبرة انتصارية رافقت الإعلان عن استقبال الرياض لوفد الحوثيين، ورأى مراقبون أنها لم تأت من فراغ بقدر ما تعبّر عن أن الضغوط أصبحت مسلطة بالفعل على الطرف السعودي، الذي بدأ يكشف بشكل متزايد عن رغبته في إيجاد تسوية للملف اليمني تخلّصه من العبء الثقيل الذي أصبح يمثّله الانخراط في الصراع باليمن دون تحقيق أي فوائد تذكر من وراء ذلك.
غير أنّ ما يعقّد الجهود السعودية، بحسب المراقبين، أنّ الملف اليمني لم يعد يمكن اختزاله في مجرّد صراع ضد جماعة حوثية موالية لإيران ومنقلبة على سلطة شرعية ومسيطرة بقوة السلاح على عاصمة البلد ومساحات شاسعة من أراضيه، بل إنّ عوامل أخرى دخلت على الملف وأصبحت جزءا منه بقوة الواقع ومنها وجود قوة حقيقية شعبية وعسكرية وسياسية تسعى لإحياء دولة الجنوب المستقلة، فضلا عن وجود مناطق في جنوب شرق البلاد توسّع ارتباطها بسلطنة عمان المجاورة ولا يعرف كيف ستتعامل معها السعودية من دون أنّ تتضارب مصالحها مع مصالح السلطنة التي تعوّل عليها الرياض كثيرا في الدفع بعملية التسوية التي تسعى إليها بالنظر إلى علاقاتها الوثيقة بالحوثيين وبداعمتهم إيران، فضلا عن وجود قوى يمنية مرتبطة بها وراعية لمصالحها في محافظتي المهرة وحضرموت شرقي اليمن.