كريتر نت – متابعات
نصف قرن مرّ وما زال “يوم النصر” يبوح بأسراره ومحطاته الفارقة، ويعيد سيرة شخصيات صنعت الجدل وجبروت اللقب
من بين تلك الشخصيات، غولدا مائير التي كانت المرأة الوحيدة التي تقلّدت رئاسة وزراء إسرائيل من 1969 إلى 1974، وعاصرت حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، التي تصفها مصر بـ”يوم النصر”، وتسميها سوريا “حرب تشرين التحريرية”، فيما تعتبرها إسرائيل “حرب يوم الغفران” التي كبدتها خسائر فادحة.
فمن تكون غولدا مائير؟
في عام 1898، لم تكن مجرد فكرة أن تصبح طفلة تولد لعائلة يهودية فقيرة في كييف، أواخر النظام القيصري في روسيا، رئيسة للوزراء، مثيرة للدهشة فحسب، بل كان الأمر لا يمكن تصوره.
ففي تلك الحقبة، يقول موقع “هيستوري” الأمريكي، إن الشابات كنّ في كثير من الأحيان محاصرات بعدم كفاية التعليم والزواج والأمومة، من أجل البقاء حتى مجرد التفكير في مثل هذه الطموحات.
غولدا مابوفيتش، واحدة من ثمانية أطفال ولدوا لنجار وزوجته في العاصمة الأوكرانية كييف، حيث عاصرت أحداث “الهولوكوست”.
غولدا مائير، وهو الاسم الذي يعرفه التاريخ عن تلك الطفلة، ارتقت لتصبح واحدة من أوائل النساء في العالم اللاتي يشغلن منصب رئيسة الدولة، وقدن إسرائيل خلال عقودها الأولى المضطربة.
ورغم أن العناوين الرئيسية كانت تبشر بصعودها في عام 1969 بوصفها “الجدة رئيسة الوزراء المنتخبة”، إلا أنها كانت أكثر من مجرد امرأة تخبز البابكا.
قبل سنوات من وصف السوفييت لمارجريت تاتشر البريطانية بـ “المرأة الحديدية”، حصلت مائير على نفس اللقب بسبب استعدادها لشن حرب. وقد أشار إليها ديفيد بن غوريون، مؤسس إسرائيل وأول رئيس وزراء لها، باعتبارها ببساطة “أفضل رجل في الحكومة”.
فكيف كان طريق مائير للسلطة؟
بحسب ما طالعته “العين الإخبارية” في المصدر نفسه، لعب الحظ دورا كبيرا في حياة غولدا الصغيرة. وتذكرت لاحقا أن إحدى ذكرياتها الأولى كانت مشاهدة والدها وهو يحاول تحصين الباب الأمامي لمنزلهم بألواح خشبية، تحسبا من تهديد يلوح في الأفق.
وبعد سنوات قليلة، في عام 1905، نقل والد غولدا العائلة إلى أمريكا، مما فتح لها فرصا جديدة. وكتبت لاحقا أن الغضب الذي شعرت به إزاء خيارات والدها المحدودة لحماية أسرته من العنف تطور إلى “اعتقاد غريزي عميق بأنه إذا أراد المرء البقاء على قيد الحياة، فعليه أن يتخذ إجراءات فعالة”.
بدأ نشاطها في منزلها الجديد في ميلووكي عندما كانت في الحادية عشرة من عمرها، عندما نظمت حملة لجمع التبرعات، حيث استأجرت قاعة وخططت لعقد اجتماع عام لجمع الأموال من أجل كتب مدرسية جديدة للأطفال الفقراء.
في سن المراهقة، كانت مؤمنة بالحاجة إلى تأسيس دولة يهودية في فلسطين، وعندما رفض كنيس محلي السماح لها بالتحدث عن القضية في أحد المنتديات، لم تستسلم.
وبدلا من ذلك، وقفت على مقعد خارج أبواب الكنيسة وألقت رسالتها بينما كان المصلون يغادرون المبنى.
عندما ضغط عليها والداها للتخلي عن المدرسة الثانوية، والزواج من رجل يكبرها بكثير والحصول على وظيفة سكرتيرة، رفضت وهربت من المنزل.
أثناء إقامتها مع أختها في دنفر، حيث كانت تذهب إلى المدرسة وتنغمس في السياسة اليهودية، التقت بزوجها المستقبلي، موريس مايرسون. ووافقت على الزواج منه بشرط واحد: أن يهاجرا إلى فلسطين.
الانتقال إلى فلسطين
عندما غادرت غولدا وموريس أمريكا، عام 1921، ليصبحا جزءا من المجتمع اليهودي الناشئ في فلسطين، انضما إلى “الكيبوتس”، تجمع سكاني زراعي.
في البداية، أثارت طريقتها الأمريكية- استخدام مفرش المائدة وكي ملابسها – استهزاء زملائها في الكيبوتسات.
لكنها، في النهاية حصلت على الإعجاب لعملها الجاد في زراعة شتلات اللوز وتربية الدجاج. وأصبح “الكيبوتس” في نهاية المطاف نقطة انطلاق مائير السياسية، عندما اختارتها المجموعة لتمثيلهم في منظمة العمل الهستدروت، وهي القوة الدافعة في تشكيل الدولة الإسرائيلية.
الصعود في السياسة
منذ الطفولة، كانت تسعى لتحقيق أهدافها وعدم التقيد بأدوار المرأة التقليدية، حيث اشتبكت مع والديها لمتابعة تعليمها.
وفي وقت لاحق، بعد أن أصر زوجها على مغادرة الكيبوتس، شعرت بعدم الرضا كزوجة وأم تقليدية، تحاول تغطية نفقاتها.
ولذلك، عندما عرض عليها أحد الأصدقاء وظيفة في تل أبيب مع مجلس النساء العاملات، اغتنمت الفرصة، على الرغم من أن زوجها رفض الانتقال وكان يزورها فقط في عطلات نهاية الأسبوع. قبل أن ينفصلا رسميا في أواخر الثلاثينيات.
وقد دفعتها وظيفتها الجديدة إلى صعود السلم السياسي، حيث جلبت لها أدوارا متزايدة الأهمية، مثل كونها المراقب اليهودي في مؤتمر إيفيان عام 1938 الذي انعقد لمناقشة محنة اللاجئين من ألمانيا في عهد أدولف هتلر.
عندما صعدت ضحت بوقتها مع عائلتها. وكتبت في مذكراتها: “هناك نوع من النساء لا يسمح لزوجها وأطفالها بتضييق آفاقها”.
بحلول عام 1934، ترأست الدائرة السياسية في الهستدروت. كما شغلت وظائف ذات مسؤولية متزايدة داخل الوكالة اليهودية، وهي منظمة صهيونية قوية، في الفترة التي سبقت قيام إسرائيل، وعملت كمتحدثة باسمها في التعامل مع البريطانيين، الذين حكموا المنطقة بعد توليهم السلطة في ظل انتداب ما بعد الحرب العالمية الأولى.
الطريق إلى رئيس الوزراء
كان أول دور رسمي لغولدا مائير، هو العمل كسفيرة لدى الاتحاد السوفييتي، وتم انتخابها لعضوية الكنيست عام 1949، واستمرت في العمل كوزيرة للعمل، حيث دفعت ببرامج التوظيف والإسكان للمهاجرين الجدد.
في عام 1956، عين رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك ديفيد بن غوريون غولدا مائير وزيرة للخارجية، مما جعلها أول امرأة في العالم تتولى هذا المنصب.
وفي 17 مارس/أذار 1969، دخلت غولدا مائير البالغة من العمر 70 عاما التاريخ عندما تم انتخابها كأول رئيسة وزراء لإسرائيل. وكانت رابع رئيس وزراء للبلاد.
حرب أكتوبر
في خريف عام 1973، اندلعت أزمة الأمن القومي عندما أفادت مصادر استخباراتية أن القوات السورية والمصرية تحشد لشن هجوم مشترك في يوم الغفران، (أقدس يوم في التقويم اليهودي).
وفي سعيهم لاستعادة الأراضي التي فقدوها في حرب عام 1967، ضربوا في وقت واحد جبهتين: مصر في شبه جزيرة سيناء وسوريا في مرتفعات الجولان.
وأدت الخسائر الناجمة عن الهجوم المفاجئ، إلى ضغوط سياسية مكثفة لإعلان وقف إطلاق النار. وبدلا من ذلك، وافقت مائير على خطوات عدوانية لتحسين موقف إسرائيل التفاوضي وصمدت حتى وصول تعزيزات أمريكية.
ونتيجة لقيادتها خلال “حرب يوم الغفران” التي استمرت 19 يوما، اكتسبت لقب “المرأة الحديدية”. لكن الحرب أدت أيضا إلى استقالتها بعد أشهر فقط.
وقد ألقى باللوم عليها في مقتل حوالي 2700 جندي إسرائيلي في الصراع.
وعلى الرغم من فوز حزب العمل في الانتخابات التالية، إلا أن مائير نفسها لم تكن قادرة على تشكيل حكومة جديدة، وتنازلت عن مقاليد السلطة لإسحاق رابين، إلى أن توفيت في القدس، يوم 8 ديسمبر/كانون الأول 1978 عن عمر يناهز 80 عاما.
ويقال إنه على مدار أكثر من 12 عاما، احتفظت غولدا مائير، بسر تكتمت عليه، تمثل في صراعها ضد مرض سرطان خبيث أصاب الغدد الليمفاوية.
وفي مذكراتها “حياتي” كتبت مائير “ليس أشق على نفسي من الكتابة عن حرب أكتوبر 1973”.
مضيفة “لن أكتب عن الحرب -من الناحية العسكرية- فهذا أمر أتركه للآخرين، ولكنني سأكتب عنها ككارثة ساحقة وكابوس عشته بنفسي، وسيظل معي باقيًا على الدوام”.
وبعد مرور نصف قرن على تلك الحرب، أفرجت إسرائيل في وقت سابق من الشهر الجاري، عن أرشيفها السري الكامل لتلك المعركة التي أسفرت عن مقتل نحو 2656 جنديا إسرائيليا، وإصابة أكثر من 7200 جندي ومدني، فضلا عن أسر المئات .
وعن اليوم الذي اندلعت فيه الحرب، قال الأرشيف الإسرائيلي إن الاجتماعات التي جرت في الأيام الأولى تظهر خيبة أمل مصحوبة بضغوط ثقيلة.