كريتر نت / انقرة
يستخدم حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، المسلسلات التاريخية الأكثر جماهيرية للدعاية الانتخابية وتقمّص أبطاله للشخصيات السياسية وفي مقدمتهم الرئيس رجب طيب أردوغان الذي يروّج لخطاباته عن طريق بطل مسلسل “قيامة أرطغرل” المذاع على قناة “تي آر تي” الرسمية، والمدبلج إلى العربية.
وتتطور أحداث المسلسل بالتوازي مع الأحداث السياسية تماما، وما يريد الحزب الحاكم قوله أو الترويج له، ومن الملاحظ لمن يشاهد المسلسل، لغة الكراهية والإقصاء والشيطنة التي يستخدمها مسؤولون، وعلى رأسهم الرئيس أردوغان، في خطاباتهم المنشورة على مختلف القنوات التلفزيونية عشر مرات في اليوم.
ويتضمن المسلسل تلميحات وإشارات ثقيلة وعلنية إلى بنسلفانيا الأميركية، حيث يقيم فيها فتح الله غولن، الذي يتهمه أردوغان بتدبير الانقلاب المزعوم، إلى جانب الأحداث الجارية في سوريا، والأحزاب المعارضة في الداخل التركي.
وكان كل من الرئيس أردوغان وزوجته أمينة ورئيس الوزراء الأسبق أحمد داود أوغلو ومسؤولون حكوميون آخرون أجروا زيارات إلى موقع تصوير مسلسل قيامة أرطغرل.
وكشف موقع “أحوال تركية” في الكواليس كيف تُوجّه السلطة السياسية سيناريو المسلسل طبقا لسياساتها. ففي الوقت الذي بقيت أيام معدودات لبدء مارثون الانتخابات البلدية، فإن “العقل المدبر” تقدَّم إلى المشرفين على المسلسل بـ”طلب خاص”.
وبحسب معلومات توصّل إليها موقع “أحوال تركية” حصريًّا، فإنه تمت إضافة مشهد إلى المسلسل يلقي فيه البطل أرطغرل خطابا يتماشى مع الأجندة السياسية، ويضاهي تلك الخطابات التي يُلقيها أردوغان من شرفة المقرّ الرئيسي لحزبه بعد كل انتخابات.
جميع حلقات مسلسل قيامة أرطغرل تقريبا تزخر برسائل سياسية وكانت أحداثها مرتبطة بالأجندة السياسية دائما
وقال مصدر رفض الكشف عن اسمه إن المدير العام للتلفزيون الرسمي إبراهيم إرين، البالغ من العمر 36 عاما، أجرى في الأسبوع الماضي زيارة إلى موقع تصوير مسلسل قيامة أرطغرل في منطقة “ريواء” بإسطنبول، وأجرى لقاءً مع كل من المخرج والمنتج، وطلب منهما ضمّ “مشهد خاص” إلى المسلسل.
ووفقا للمصدر ذاته، فإن رئيس قبيلة كايي أرطغرل، والد عثمان غازي، مؤسس الدولة العثمانية، الذي يمثّل دوره الفنان إنجين ألتان دوزياتان، سيلقي خطابا مشابها لخطابات أردوغان يحتوي على كثير من الكلمات من قَبيل “الأمة” و”الوطن” و”الإرادة الوطنية”، ويبعث رسائل إلى المشاهد مفادها أنه لو لم يتحقق النصر لكانت الأراضي التركية تعرّضت للتقسيم.
ويقول المصدر إن الخطاب يحتوي أيضا على إشارات وتلميحات إلى الانتخابات البلدية المزمع إجراؤها في نهاية هذا الشهر الجاري، ويهتف أفراد قبيلة كايي قائلين: “عِشْ يا أرطغرل بك، أدام الله سلطانك” وما شابهها من العبارات.
وتزخر جميع حلقات مسلسل قيامة أرطغرل تقريبا برسائل سياسية، وكانت أحداثها مرتبطة بالأجندة السياسية دائمًا. فمثلاً، كان في إحدى حلقات المسلسل السابقة مشهدٌ يشير إلى ما تلاه زعيم جماعة الخدمة فتح الله غولن من دعاء على المسؤولين الحكوميين عندما أنكروا وأغلقوا ملفات الفساد والرشوة في 2013 واتهموه باستغلال تلك الملفات للإطاحة بحكم أردوغان. حيث كان يقول محيي الدين بن عربي في ذلك المشهد “نحن المسلمون لا ندعو حتى على الكفار”. وكان هذا المشهد أصبح مدار حديث روّاد مواقع التواصل الاجتماعي آنذاك.
ويتفق مراقبون على أن مسلسل قيامة أرطغرل من أهمّ أدوات أردوغان لتسويق نظامه وسياساته، ليس على المستوى التركي فقط وإنما على المستوى الإقليمي أيضا، إلا أنه لا يتجنّب تشويه حقائق تاريخية ظاهرة في سبيل تحقيق هذا الهدف.
وفي مشهد، كان أرطغرل يودع جنوده قائلا “يا إخوتي، لا تنسوا أن الله خير الماكرين”، مما اعتبره المشاهدون أنه يشير إلى مزاعم أردوغان حول كوْن تحقيقات الفساد والرشوة مكرًا ومؤامرة لإسقاط حكومته. ومن ثم بادرت وسائل الإعلام القريبة من السلطة إلى توظيف هذا الحوار في الدفاع عن أردوغان في مواجهة اتهامات الفساد والرشوة.
وكان المسلسل صوّر مشهدا خاصّا أيضا في ما يتعلق بالعملية التي نفّذتها القوات العسكرية التركية بالتعاون مع وحدات حماية الشعب الكردية، قبل أن تعلنها حكومة أردوغان إرهابية، من أجل نقل ضريح الشاه سليمان، جدّ السلالة العثمانية. حيث كان كورد أوغلو يقول في ذلك المشهد لسليمان شاه بعد وفاته “ألم أقل لك إن حلب ستكون مقبرة لنا”. وجاء الرد عليه من دلي دمير حيث قال “لا تقلق يا كورد أوغلو، فإن أحدا من أحفادنا يأتي وينقل ضريحنا”.
وهذا المشهد بات أيضا مدار حديث الإعلام الاجتماعي لأيام طويلة ونشره الآلاف عبر صفحاتهم. فضلاً عن ذلك فإن المعجبين بالمسلسل ظنّوا أن تلك الحادثة حقيقة تاريخية، وأن أجدادهم تنبأوا في عام 1220 بنقل ضريح سليمان شاه من شمال حلب إلى منطقة قريبة من الحدود التركية. وكانت الصحف غذّت هذا الظنّ من خلال
أخبارها.
كذلك حاول المسلسل الرد على استياء بعض الأتراك من التدخل العسكري في سوريا وتشجيعهم على مساندة عملية “غصن الزيتون”، عبر مشهد قال فيه أرطغرل “عملية الدفاع تبدأ من أراضي العدو، وإلا يمكن أن نخسر وطننا. نحن الأتراك نحب مساعدة المظلومين. لقد حان موعد الفتح”. وقد سمع الشعب التركي أردوغان وهو يستخدم هذه العبارات عينها في خطاباته المختلفة. بالإضافة إلى أنه توجد مشاهد كثيرة في المسلسل تبرّر “عملية عفرين” في الشمال السوري أيضا.
واعتبر معلقون أن الحوار الذي جرى في إحدى حلقات المسلسل بين محيي الدين بن عربي وأرطغرل كان يستهدف الرئيس السابق لحزب الشعوب الديمقراطي الكردي صلاح الدين دميرتاش المعتقل بتهمة الإرهاب. فحينما تساءل أرطغرل بك “ماذا سيكون مصير هؤلاء الذين يتعاونون مع الكفار ويطعنون في ظهورنا؟”، أجاب الشيخ بن عربي بقوله “أولئك هم الظالمون حقًّا!”.
وكان الانقلاب المزعوم في 2016 ضمن الأحداث التي وجدت مكانا لها في المسلسل، الذي يستخدم الموسيقى ذاتها التي يستخدمها أردوغان في برامجه الدعائية، حيث حاول الجنود الانقلاب على حكم أرطغرل، إلا أن الشعب وقف في وجههم، وورد في تلك المشاهد كثيرٌ من العبارات التي تدغدغ المشاعر القومية والوطنية للشعب مثلما يفعل أردوغان في الواقع.