كريتر نت – متابعات
يختتم مؤتمر “حكاية وطن” الذي يعقد في العاصمة الإدارية بشرق القاهرة الاثنين بعد ثلاثة أيام عمل وحديث متواصل حول الإنجازات التي تحققت على مدار حوالي تسع سنوات تولى فيها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي السلطة، لكن المؤتمر لم يتطرق إلى سبل مواجهة الأزمات التي تمر بها مصر حاليا وهو ما ينظر إليه المصريون على أنه أهم من استرجاع ما تم تحقيقه.
واستمع السيسي إلى معلومات قدمها رئيس الحكومة مصطفى مدبولي وعدد من الوزراء بشأن ما تحقق من تقدم الفترة الماضية، وتدخل في أوقات كثيرة بالتعقيب والإشادة والتفسير والتبرير والتوضيح، وحثّ المصريين على تحمل الأزمات.
ولم يتحدث كبار المسؤولين عمّا انتظره الكثير من المصريين وأرادوا سماعه، وهو الآليات التي يمكن من خلالها تجاوز الأزمات في المستقبل القريب، باعتبار أن مؤتمر “حكاية وطن” ضمن أدوات الحملة الانتخابية التي سيدخل بها السيسي المنافسة مع مرشحين آخرين، بينهم شخصية معارضة على الأقل (أحمد الطنطاوي).
عبدالعزيز النحاس: خطاب السيسي تأكيد على أن مصر تسير بخطى صحيحة
ويدخل الرئيس المصري الانتخابات المقبلة بعد أن فقد نسبة من شعبيته في أول انتخابات خاضها عقب سقوط حكم الإخوان، لذلك فهو مكبل بقيود الأزمات التي خلّفتها دورتان رئاسيتان سابقتان، بينما لا يحمّل أحد المسؤولية لمنافسيه، وهناك من يطرب لحديثهم عن وسائل تجاوز المشكلات إذا تمكنوا من عبور الانتخابات بنجاح.
وضجت مواقع التواصل الاجتماعي بتعليقات عديدة حول حديث الإنجازات، انصبّ أغلبها على أن التقدم ليس في حاجة إلى تسليط الأضواء عليه أو التنبيه له، فما لم يلمسه المواطنون ويشعرون بمردوداته على حياتهم لا قيمة له، ويصبح أشبه بالسراب.
تمنى هؤلاء أن يحدثهم السيسي عمّا سوف يفعله في فترة الرئاسة الثالثة التي قد تزداد فيها التحديات، وكيف سيتجاوز الأزمات الاقتصادية والاجتماعية المعقدة، لكن تجاهله لذلك أو عدم الوقوف عليه مليا أوحى بأنه لا يحمل برنامجا يفك به الألغاز المتراكمة، ما يكرر سيناريو ترشحه في المرتين السابقتين إذ خاض الانتخابات دون برنامج سياسي محدد، معتمدا على شعبيته واستدعاء الجمهور له كمرشح الضرورة.
وترك غياب برنامج للمستقبل انطباعات بأن الأمور قاتمة والأزمات قد تتفاقم، وأن الرئيس نفسه لا يستطيع تقديم وعود إيجابية لتخطيها ويميل إلى أن يصبح الوضع مفتوحا لتجنب محاسبته لاحقا على وعود ربما لن يتمكن من الوفاء بها في ظل أجواء اقتصادية غير مواتية على الصعيد العالمي.
وتحتاج شريحة كبيرة من المصريين إلى استعادة الأمل لتجاوز الأزمات المعيشية، وانتظرت مراجعة شاملة ترصد أخطاء الماضي، أو وعدا قاطعا بأن ثمة انفراجا سوف يحدث في البلاد، بدلا من لغة الأرقام المركبة التي أغرقهم فيها الوزراء في مؤتمر “حكاية وطن”، حيث تسابقوا في الإشارة إلى إنجازات لا يستطيع المواطن العادي التأكد من صحتها.
ماذا عن انتظارات المصريين؟
ومع عدم شعور هذا المواطن بالكثير منها بات تقديمها كأنه دعاية انتخابية جوفاء، ما يقلل من أهميتها في إحداث النتيجة المطلوبة على مستوى الأداء العام، والذي يحظى بانقسام حياله، فهناك من يرون أن استقرار الدولة هدف كان بعيد المنال، ومن يرون أنه فريضة واجبة، وما حصل من إنجازات أمامه شوط طويل للحصول على ثماره.
وقال عضو مجلس الشيوخ ونائب رئيس حزب الوفد (ليبرالي) النائب عبدالعزيز النحاس إن الواقع يشير إلى وجود مشكلة اقتصادية، وهي مشكلة يصعب إنكارها، لكنّ جزءا منها ناجم عن ظروف خارجية معقدة فرضت على غالبية الدول النامية ضغوطا اقتصادية شديدة، وتركيز الرئيس السيسي على التنمية والحرص على شرح الإنجازات يرجعان إلى قناعته بأن بناء الدول يحتاج إلى تضحيات كبيرة.
وأضاف لـ”العرب” أن خطاب السيسي يستهدف التأكيد على أن مصر تسير بخطى صحيحة حتى الآن، والتركيز على الإنجازات يشير إلى أن الأصوات المعارضة في غير محلها، والاهتمام بإبراز الإيجابيات يعني أن البلاد تسير على الطريق الصحيح وما تم خلال عشر سنوات كان مهمّا في ترسيخ التوجهات العامة للتنمية.
ويؤكد مراقبون أن طمأنة الناس بعلاج حاسم للمشكلات كان يجب أن يحتل أولوية في خطاب السيسي ومعاونيه، فأيّ مرشح سيخوض انتخابات الرئاسة يمنح هذا البعد تركيزا كبيرا، لأن من يدلون بأصواتهم يحددون مرشحهم دائما بناء على مدى قدرته على تجاوز ما يحيط بهم من أزمات وإيجاد حلول يسيرة لها.
وإذا كان السيسي يعتبر توفير الأمن والاستقرار والشروع في تشييد مشروعات قومية كبيرة في غاية المنال، فهي من صميم مهامه بحكم منصبه، ولا ينكر من يعيشون داخل مصر هذا الدور، لكنهم يريدون أن ينعكس على حياتهم مباشرة، ولا يطيقون تحميلهم فاتورة أخطاء ارتكبها حكام سابقون، فمن مهام الرئيس وحكومته وكبار المسؤولين تحسين الأوضاع في المجالات المختلفة.
ويشير هؤلاء المراقبون إلى أن خطابات الرئيس السيسي التي تضع كل ما حدث من إخفاقات على كاهل شعبه لا تجد أصداء إيجابية، لأن هناك الكثير من الحقائق غائبة عنهم، وتصلهم معلومات مغلوطة أحيانا، ما يجعل بعضهم يتشككون في حديث الإنجازات برمّته، وإن لم ينكروا وجود تحسن في البنية الأساسية.
وتكمن مشكلة الإنجازات أيضا في حدوث أخطاء في بعض القطاعات الناجحة تؤدي إلى التقليل منها، فقد عاش المصريون تحسنا لافتا في قطاع الكهرباء ثم فوجئوا بانقطاعها أوقاتا طويلة، على الرغم من وعود المسؤولين بأنها أصبحت مستقرة.
وقدم مسؤولون شرحا متأخرا لأسباب انقطاع الكهرباء يتعلق بتصدير جزء كبير من الغاز الذي تحتاجه في التشغيل لسد جانب من الثغرات المتعددة في نقص العملات الأجنبية، وهو ما لم تستوعبه شريحة من المواطنين رأت أن التصدير من الضروري أن يتم من الفائض فقط، ما أدى إلى التأثير سلبا على أحد الإنجازات أو النقاط المضيئة في عهد السيسي.