عبدالرحمن حسام
نشر الأستاذ هشام جعفر مقالاً يرد فيه على الأستاذ محمد يتيم الذي كان قد كتب مقالاً تساءل فيه: «هل فشل الإسلاميون وانتهى زمن الإسلام السياسي؟». أجاب جعفر في مقال له كاتباً: «نعم فشل الإسلاميون وانتهى زمن الإسلام السياسي.. في الرد على محمد يتيم».
والواقع أن كلا المقالين يعانيان من ذات الإشكالية وهي إخراج الظاهرة من سياقها التاريخي الكلي (Anachronism) واجتزاؤها على نحو مختزل في بعض أبعادها، فقدم كل منهما أسئلة وإجابات تتأسس على رؤية لا تاريخية للإسلام السياسي، ثم تفترض أنه من الممكن أن ينتهي على حاله هذا.
أختلفُ مع جعفر ويتيم في ثلاث نقاط أساسية:
أولاً: بأنهم أخرجوا الظاهرة من سياقها التاريخي التي لا يمكننا فهمها من دونه، ثم فعلينا استعادة هذا السياق التاريخي.
ثانياً: إن ما انتهى أو قد ينتهي هو نسخة/طبعة من الإسلام السياسي، ثم ستظهر منه أجيال مختلفة بدرجة أو بأخرى. إن المشكلة هي أن يتيم وجعفر كليهما لا يتعاملان مع الإسلام السياسي كظاهرة ممتدة قد يكون لها نسخ مختلفة. بل هم يحصرونه على النسخة/النسخ المنقضية منه في مصادرة بينة منهم على الممكن والإمكان.
ثالثاً: أن الإسلام السياسي يسد حاجة فطرية لا تنقضي ولا تتقادم لدى ملايين المسلمين ثم هو لن ينتهي ويختفي من الوجود إلا بعد تحقيقه هدفه.
الإسلاميون: إعادة فهم
إن تناول الإسلاميين كظاهرة يقتضي فهمهم في سياقهم التاريخي الأشمل. إن النضال الإسلاماتي[2] بأشكاله المقاوِمة المختلفة ضد السلطة الكولونيالية الغربية الحديثة ظهر منذ طلائع الغزو الإمبريالي الأولى. ولكن بعد سنوات طويلة من المقاومة، لا يزال ما تفرضه الأنظمة البلوتوقراطية [3] الغربية (Western plutocracies) من حكم أبيض عالمي على حاله. إذ لا يزال النظام العالمي الحديث/الرأسمالي/الكولونيالي/البطرياركي المتمركز حول الغرب/المتمركز حول المسيحية قائماً ولا تزال «المسألة الإسلامية» دون حل.
يعرّف سلمان سيد المسألة الإسلامية باعتبارها تشير إلى سلسلة من الاستجابات والاستجوابات التي يتم التعامل فيها مع الإسلام و/أو المسلمين كمشكلة تحتاج إلى معالجة، ثم فإن المسألة الإسلامية هي نمط من البحث يفتح مجالاً للاستجابات الثقافية والحكومية والمعرفية. إن الطريقة التي يعرِّف بها خمس سكان هذا الكوكب أنفسهم والطريقة التي يسلكون بها في العالم تعتمد على إجابات هذه المسألة.
تشمل المسألة الإسلامية الصعوبات المرتبطة بنشوء هوية سياسية متمايزة تبدو وكأنها تناقض الأعراف والتقاليد والهياكل التي يقوم عليها العالم المعاصر، علاوة على ذلك، فإن المسألة الإسلامية لها أصداء المسألة اليهودية وقبلها المسألة الشرقية[4].
إن وجود المسلمين يخلق مساحة تبدو من جهة أولى مختلفة عن الغرب على نحو لا يقبل المساومة (على الأقل بسبب تناقض رؤى العالم لدى كل منهما)، ومن جهة ثانية يبدو أنها تقاوم استيعابها بسهولة داخل المشروع الغربي. إن عدم القدرة على استيعاب الإسلام باعتباره رؤية معرفية (episteme) ومشروعاً اجتماعياً شاملاً[5] في سياق هذا الاختلاف غير القابل للتسوية، يجعل الإسلاموية كفكرة ليست مفهومة فحسب، بل حتمية أيضاً، إذ وُلدت الإسلاموية مع ظهور الذاتية الإسلامية العالمية التي تستخدم الإسلام كدالٍ أخلاقي وسياسي.
نشأ الإسلاميون في السياق الكمالي في الدول المختلفة من العالم الإسلاماتي[6]، أي في ظل الأنظمة الكمالية (نسبة لمصطفى كمال أتاتورك) التي اختارت عمداً دوالاً رئيسية أخرى غير الإسلام (بل ومناقضة له).
ثم يسعى الإسلاميون إلى خلق نظام سياسي يكون فيه الإسلام هو الدال الرئيسي. هذه ببساطة هي فكرة الإسلاموية. ظهرت النظم الكمالية إلى الوجود في عالم لم تعد فيه خلافة، وجميع هذه النظم متحدة في رفضها استخدام الإسلام باعتباره الدالّ الرئيسي لخطابها السياسي.
هذا التحول الذي شهده الإسلام والمجتمع الإسلاماتي، من كونه الدالّ الرئيسي للنظام سياسي إلى مجرد عنصر آخر هامشي، هو ما يسمح لنا بوصف هذه الأنظمة بأنها كمالية.
تصف الكمالية خطاباً سياسياً مهيمناً في العالم الإسلامي لم يعد فيه الإسلام دالًا رئيسياً للنظام السياسي[7].
وفي سياق فهم ظاهرة الإسلاميين فإن مفهوم النظم الكمالية أكثر تفسيرية من الدولة القومية الحديثة.
القومية في الكمالية لا تزال تُستخدم كنقطة عقدية للنظام السياسي ضمن خطاب الكمالية، وهناك اتفاق أساسي على أن الإسلام لا يمكن أن يكون الدالّ الرئيسي للنظام السياسي.
قد يكون الإسلام عنصراً (ذا أهمية أكبر أو أقل) في الخطاب السياسي لنظام كمالي ما، لكنه لا يستطيع توحيد المجال الخطابي أو الهيمنة عليه.
ومن المفارقات أن الكماليين لم ينزعوا الصبغة السياسية عن الإسلام، بل عندما قاموا بإزالته من المركز في إطار بنائهم للنظام السياسي المعلمن قاموا بتسييس الإسلام وتوظيفه لأغراضهم الخاصة[8].
يمكننا القول إن الإسلاموية ظهرت كمشروع متحدٍ للكمالية لأن النظام الاجتماعي للمجتمعات المسلمة أصبح في حالة من الفوضى العارمة على نحو جعل الإسلام نقطة الاستقرار الوحيدة.
يمكننا محاولة فهم مسيرة هذه الفوضى بالعودة إلى المؤرخ المصري عبد الرحمن الجبرتي (1753- 1825).
عاصر الجبرتي الحملة الفرنسية الإمبريالية على مصر 1798، ووصف الاضطراب الوجودي والمعرفي المفاجئ والعنيف الذي أحدثه الغازي الفرنسي بكلمات غاية في الدلالة.
لقد أدت الحملة -بتعبير الجبرتي- إلى «انعكاس المطبوع وانقلاب الموضوع»[9] أي إلى تغير طبائع البشر وما تواضعوا عليه من منظومات وقيم وقواعد اجتماعية حاكمة كلية. لقد أدت الحملة إلى «انقلاب العالم وتغير الناموس»[10].
إن «انقلاب العالم» المذكور هذا يعني أمرين أساسيين: تغير الإطار المرجعي، وتحول نموذج القوة/السلطة في إطار عملية من «إعادة تنظيم الحياة على نحو شامل وفق المبادئ الغربية»[11]. كان ذلك يعني تفكيك كل البنى والمؤسسات الأصيلة (endogenous)، واستبدالها بأخرى غربية[12]. وفي خضم ذلك تغير الإطار المرجعي للمجتمع[13]. وبمرور الوقت تم تدمير كل أسس القوة الاجتماعية للشريعة والوجود الإسلامي بقيمه ومؤسساته[14].
وشهد المجتمع و«الدولة» تحولاً من السلطة الاعتباطية ما قبل الحديثة إلى السلطة الانضباطية الحديثة التي حاولت نمذجة المجتمع على نمط سجن البانوبتيكون (Panopticon)[15].
وقد تطورت هذه السلطة الانضباطية الحديثة إلى أن أصبحت جزءاً من منظومة هيمنة شاملة يمكن تسميتها «مصفوفة التحكم الكولونيالي» (the colonial matrix of power)[16].
استثنائية الإسلام لا الإسلاميين
صحيح أن الإسلاميين ليسوا استثناءً ولكن هذا لا ينفي الاستثناء. فصفة الاستثنائية لا تتعلق بالإسلاميين وإنما بالإسلام كمنظومة معرفية وممارسة يومية مركبة.
إن الإسلام بلا شك استثناء حين يتعلق الأمر بعلاقته بالتدمير الكولونيالي الغربي أو العلمنة الشاملة التي سحق الغرب من خلالها كل منظومات الإيمان والتقاليد الدينية ما قبل الحديثة. وليس المقصود هنا أنه لم يتعرض الإسلام لمحاولات من العلمنة خصوصاً سياسياً، فلم تمر عدة عقود على وفاة النبي صلى الله عليه وسلم إلا وتعرض العمران الإسلاماتي لأزمات ضخمة ومحاولات علمنة نجحت بدرجة ما، ولكن المقصود أن الإسلام لم يشهد حالة من العلمنة الشاملة النهائية.
وصف إرنست جيلنر[17] المسلمين في عالم اليوم بأنهم يتخذون موقفاً يسميه «الأصولية»، ويرى أنها في عصرنا في أقوى حالاتها في الإسلام. يعرّف جيلنر الأصولية بأنها الموقف الذي يؤمن بحقيقة متفردة ويعتقد أنه يمكن أن يمتلكها. الفكرة الأساسية هي أن العقيدة المعينة يجب أن يتم دعمها بقوة في شكلها الكامل، خالية من التنازلات أو التخفيف أو إعادة التفسير أو الانتقاص. فجوهر الدين هو العقيدة، وليس الطقوس.
إن نظرية العلمنة[18] التي حظيت بتأييد متكرر، والتي طالما تم الترحيب بها لا تصمد في حالة الإسلام.
وهو ما يصفه جيلنر باعتباره استثناءً حقيقياً ومثيراً وواضحاً للغاية.
بالنسبة لجيلنر فإن القول إن العلمانية تسود في الإسلام ليس أمراً يمكن الجدل بشأنه، بل إنه ببساطة كذب، بل إنه يذهب إلى أبعد من ذلك ليجادل بأن الإسلام قوي الآن كما كان قبل قرن من الزمان. وفي بعض النواحي، ربما يكون أقوى بكثير.
وفقاً لجيلنر، فإن الإسلام هو الحضارة الكبرى الوحيدة التي ظهرت من العصور الوسطى التي لم تتم علمنتها.
لقد تمت علمنة جميع الحضارات الرئيسية الثلاث الأخرى، المسيحية، والصينية، والهندية، بطريقة أو بأخرى.
أما في الإسلام فنحن نرى عقيدة ما قبل حديثة (ما قبل صناعية)، نرى ديناً عالمياً مؤسساً بالمعنى الصحيح، والذي يتحدى بشكل كامل وفعال أطروحة العلمنة.
وعلى الرغم من أن ثمة من يجادل بأن أطروحة الاستثنائية الإسلامية في حاجة إلى تدقيق[19]، إلا أنه على كل حال فإن الاستثنائية الإسلامية أمر تدعمه الحقائق التاريخية والإمبريقية.
مشكلة الإسلاميين: أسباب ثلاثة
أتى مقال يتيم اعتذارياً. ويعوز كل من يتيم، وجعفر (وإن بدرجة أقل) امتلاك رؤية تحليلية متماسكة. غير أن جعفر أصاب جزئياً في عرضه وتحليله لكن أرى أنه جانبه التوفيق في الاستدلال والنتيجة التي انتهى إليها. إذ قدم قراءة جيدة إلى حد ما ولكنه سقط في فخ التعميم المطلق بالقول بانتهاء زمن الإسلام السياسي.
باختصار شديد، فإن مشكلة الإسلاميين في الواقع يمكن عزوها لثلاثة أسباب رئيسية:
عدم/ضعف القدرة على خلق خيال سياسي جديد.
عدم القدرة على الحفاظ على التوازن بين القوة والقيم.
عدم القدرة على بناء أنظمة اجتماعية جديدة.
من جهة أولى، فلأسباب عدة من أهمها غياب رؤية فكرية تنتج سياسة بعيدة المدى وعدم القدرة على التعامل الفعلي مع الواقع والإمساك بزمام القوة، فالإسلاميون عاجزون عن تطوير خيال سياسي جديد يتعاملون من خلاله مع لعبة القوة التي ينخرطون فيها.
ومن هنا نجدهم يسيرون في محلهم مضطربين محصورين ومحاصرين بثنائيات متضادة غير قادرين على الفكاك منها.
ومن تلك الثنائيات العلاقة بين الديني والسياسي وأسئلة المجالات والتقاطعات والوصل والفصل، منها كذلك جدلية العمل من داخل النظام أم من خارجه، فضلاً عن ثنائية الفكر والحركة أو التنظير والممارسة وعدم القدرة على النهوض بهما معاً، ولا ننسى بالتأكيد التناقض بين الإطار الوطني والفكرة الأممية الإسلامية.
غالباً ما يعطي الإسلاميون الانطباع بأن لديهم تصوراً محدوداً نوعاً ما عن طبيعة وإمكانيات الدولة والمؤسسات. ترجع هذه الصعوبة جزئياً إلى مشكلة أكبر، وهي أن المسلمين والإسلاميين كليهما يميلان إلى تفضيل القراءة اللاهوتية لتاريخهم.
ونتيجة لذلك، فإن قدرتهم على إجراء حوار مع ماضيهم غالباً ما يكون أمراً مقتضباً إلى حد ما. وهكذا في كثير من الأحيان يتقاسم الإسلاميون مع بقية العالم الإسلاماتي صعوبة في الوصول إلى تاريخهم كمورد للمستقبل.
من جهة ثانية، كتب ابن خلدون يوماً أن «الدنيا وأحوالها مطية للآخرة، ومن فقد المطية فقد الوصول».
فإن كانت الآخرة قبلة وبوصلة، فلا مناص عن الانخراط في لعبة القوة الدنيوية للسعي لتحقيق القيم التي ارتضتها هذه البوصلة. تلخص هذه المقولة إشكالية العلاقة بين القوة والقيم.
فالمستضعف الذي يسعى للقوة لتحقيق قيمه ما يلبث أن تغويه القوة وتستلبه لعبة القوة وقوانينها ويقع في شراك بنيتها الشيطانية، فيسعى للوصول للقوة بطريقة يخون فيها جميع قيمه تدريجياً حتى يصبح كالغالب الذي كان يسعى للحلول محله أصلاً.
وعدم القدرة على الموازنة بين القوة والقيم يظهر في المساحة السياسية بتجليات عدة.
منها البراجماتية التي تخرج على أطر التفسير والفهم (مثل التطبيع المغربي مع الكيان الصهيوني) وقد تناول جعفر ذلك، ومن تجليات عدم القدرة على إحداث التوازن بين القوة والقيم الاعتقاد بأن الدين هو المصدر الوحيد للشرعية وتجاهل كل أسباب ومصادر الشرعية الأخرى.
من جهة ثالثة، فإن إحداث التغيير يعني خلق أنظمة اجتماعية جديدة وحقائق اجتماعية جديدة، وتحولات متراكبة (transmutation) تصل إلى درجة من القوة تصبح معها مستدامة-ذاتياً وغير قابلة للنقض- اجتماعياً، والأنظمة الاجتماعية هي الاستجابات الإنسانية المؤسسية في مكان ما وزمان ما للتحديات التي يواجهها البشر في بيئتهم الاجتماعية[20].
إن معيار التفاضل السياسي والاجتماعي بين البشر والأنظمة الاجتماعية هو القوة الاجتماعية، والتي يمكن تعريفها بكونها القوة على تنظيم الحياة الإنسانية لتحقيق أهداف معينة[21].
إن ما فشل فيه الإسلاميون هو بناء أنظمة اجتماعية قادرة على إنتاج قوة اجتماعية أعلى من القوة الاجتماعية التي تنتجها الأنظمة الاجتماعية السائدة، وبشكل مبسط يمكن القول إن ما فات الإسلاميين هو بناء نظم اجتماعية جديدة مدارها إحياء أركان الإسلام وشعب الإيمان ومراتب الإحسان.
وقد يتساءل سائل: أليست أركان الإسلام وشعب الإيمان ومراتب الإحسان متحققة بالفعل؟ نحن لا نتحدث هنا عن التحقق الفردي بهذه الثلاث وإنما عن تحويلهم لمؤسسات وأنظمة وحقائق اجتماعية قادرة على إنتاج قوة اجتماعية أكبر من نمط ومدى القوة الاجتماعية السائدة.
إن الصيغ التي ظهرت حتى اليوم من الإسلام السياسي قد استنفدت أغراضها لأسباب بنيوية ذاتية وسياقية كتب فيها جعفر وغيره. وبغض النظر عن اختلاف وجهات النظر حيال مدى فشل الإسلاميين، فإن ذلك لا يعني بحال انتهاء الإسلام السياسي.
ولا يعني كذلك حتمية استمرار حالة التنازع بين الإسلاميين وغيرهم. إن الصدام الحقيقي هو بين الاستعمار والتحرير، بين الحرية والشمولية، بين الباشا والفلاح/العامل، بين التبعية والاستقلال، بين التفاوت الطبقي والعدالة الاجتماعية، بين ترسيخ سلطة الدولة وتمكين الأمة.
وبقدر ما تتسق أية حركة اجتماعية تغييرية مع أبجديات هذا الصراع بقدر ما ستتمكن من حشد وتعبئة الجماهير وقيادتها نحو إنجاز تغيير ما، قد يكون هو التغيير الذي طال انتظاره.
فناء الإسلام السياسي معيار نجاحه
لقد نشأ الإسلاميون في السياق الكمالي في الدول المختلفة من العالم الإسلاماتي[22]، أي في ظل الأنظمة الكمالية (نسبة لمصطفى كمال أتاتورك) التي اختارت عمداً دوالّا رئيسية أخرى غير الإسلام. ثم يسعى الإسلاميون إلى خلق نظام سياسي يكون فيه الإسلام هو الدال الرئيسي. هذه ببساطة هي فكرة الإسلاموية.
ومن هنا فإن هذه الحقائق تشير إلى أن الإسلاموية لن تنتهي، بل ستتخذ أشكالاً وتشكيلات جديدة إذا تقادمت أشكالها القديمة والتقليدية.
من حيث المبدأ، تسعى الإسلاموية إلى قلب انقلاب العالم، والتخلص من الحكم العالمي الأبيض، وتحرير العالم الإسلامي من العالم الغربي (Westernese).
هذا لا يعني أن الأشكال والتشكلات التاريخية الإسلاماتية المتنوعة (والمتناقضة أحيانًا) للإسلاموية هي متساوية أو في نهاية المطاف صالحة إسلامياً، أو قابلة للحياة سياسياً، أو مستدامة اجتماعياً، أو حتمية تاريخياً.
لكن ما هو حتمي حقاً ولا مفر منه إطلاقاً هو الاستمرارية الملحّة لسعي المسلمين لاستعادة عالمهم الإسلاماتي. إن الإسلام هو طريقتنا لكتابة تاريخ مستقبل ما بعد الغرب. فبالنسبة للمسلمين، سيظل الإسلام دائماً الأمل والمصير[23].
إن الإسلام ليس هوية (قومية) بل رؤية لإعادة اختراع العالم كما جادل عبد الوهاب المسيري.
قد ينتهي الإسلام السياسي بشكله المعهود منذ القرن الماضي أو يتحول إلى حالة متحجرة تجاوزها الزمن. إلا أن السبب الجوهري الذي انبثق منه الإسلام السياسي لم يزل قائماً بعد، إذ ما زالت مهمة استعادة الحياة إلى الإسلام واستعادة الحياة بالإسلام قائمة وشاغرة تتطلع إلى من يأخذها بحقها وحقيقتها.
حتى وإن تأخرت الإجابة على هذا السؤال، فمن المؤكد أنه لا يزال ثمة مسلمون لن يتوانوا عن مواصلة السعي للوصول لهذه الإجابة. فطالما استمر التحدي فلا مفر من استجابات قد تكون إحداها هي الجواب الصحيح.
ولن ينتهي ويفنى الإسلام السياسي إلا عند نجاحه في تحقيق السيادة للإسلام، عزاً للأحرار، وذلاً للمستكبرين، ورحمة للعالمين.
[14]: راجع كتب وائل حلاق خاصة «إصلاح الحداثة وقصور الاستشراق»، وكذلك كتب طارق البشري خاصة «منهج النظر في النظم السياسية المعاصرة لبلدان العالم الإسلامي».
نقلاً عن “إضاءات”