د. عبدالقادر علي البناء
اكتوبر لم يعد ذكرى للثورة اليمنية الخالدة ضد المستعمر فقط ، بقدر ما أضحى ذكرى لتأسيس حزب عظيم هو الحزب الاشتراكي اليمني ، الذي استمد وجوده من جذور التاريخ الوطني التحرري لليمن ، ومن أمجاد نضالات اليمنيين ضد أنظمة الاستبداد و الاستعمار ، أنه الحزب الذي وحد في قوامه أقدم وأكثر تنظيمات وأحزاب اليمن عراقة و تجربة ووفاء لقيم الحرية والعدالة والتقدم الاجتماعي والسيادة الوطنية.
إنه الحزب الذي لم يتعصب لتجربته ولم ينكر أخطاءه أثناء حكمه بسبب صراعاته الداخلية و رهانه على طريق التطور اللارأسمالي وعلى نظام الحزب الواحد ، فيكفيه أنه كان أول من شرع في نقد كل أخطاء التجربة تلك وبذل جهودا لتجاوزها .. فرفض طريق العنف وانتهج مسارا جديدا لنضاله السلمي والديمقراطي . حكم جنوب الوطن ردحا من الزمن وأنجز ما أمكنه لصالح الغالبية ولصالح الكادحين على وجه الخصوص ، وحّد الجنوب الممزق حينها وساوى بين جميع ابنائه ومناطقه وبين رجاله ونسائه وحارب الفساد بجدية وصدق جعلا قادة البلاد في مقدمة الممتثلين للقانون .. تلك بعض منجزاته التي لا يستطيع إنكارها حتى خصومه المنصفين.
إنه الحزب الذي تنازل عن حكم دولة اليمن الديمقراطية في الجنوب من أجل الوحدة اليمنية ، ليشترط إطلاق الحريات وارساء الديمقراطية والتعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة كأهم الأسس لبناء دولة الوحدة عام ١٩٩٠ ، قبل التآمر عليها وإسقاطها عام ١٩٩٤.
لم يؤسس ميليشيا مسلحة لاستعادة حكمه ، كما لم يرفع الراية البيضاء ، ولم ينهار ويلجأ لاستجداء دول الإقليم وأموالها لحمايته ، واصل النضال في صفوف المعارضة وقبل بخيار الارتماء في أحضان شعبه بدلا من خيانة وطنه ، ضحّى كثيرا وتعرض أعضاؤه وأنصاره منذ ١٩٩٤ وحتى اليوم لأشكال شتى من القهر والتهميش والحرمان حتى من أعمالهم ، لكنهم صمدوا بشرف وإباء كونهم تربوا على قيم الاستعداد للبذل والتضحية بسخاء دون انتظار المقابل ، صمدوا وفاءً للوطن و للحزب الذي لم يُغرٍ الناس بالمال لكسب ودهم ولم يبع لهم أوهاما لايستطيع تحقيقها ، بل انه لفظ من صفوفه وفي أحرج الظروف الكثير من قياداته الانتهازية و المتهافتة على مصالحها الذاتية وعلى المناصب ، ولا شك أنه سيلفظ ايضا كل من يعرقل مسار التغيير والتجديد اللذين أصبحا اليوم ضرورة ملحة لبقائه.
حاولت دولٌ و أنظمة وحاولت عصابات ومليشيات طارئة ترتزق باسم الشعب والوطن أن تنال منه أو تحرفه عن مساره، لكنه ظل كطائر الفينيق ، يسقط لينهض ويتجدد دوما ، ولابد له أن يحلق عاليا من جديد وعن قريب ليتصدر نضالات شعبنا اليمني صوب استعادة السيادة وبناء الدولة الديمقراطية ، دولة المواطنة المتساوية والحريات والعدالة الاجتماعية.
*من صفحة الكاتب على الفيسبوك