طارق فهمي
اتجهت الإدارة الأميركية إلى إعادة فتح صفحة جديدة مع الحكومة الإسرائيلية مع بدء العمليات العسكرية في قطاع غزة، ما يشير إلى أن الولايات المتحدة أغلقت مساحات عدم التفاهم مع تل أبيب بشأن التعامل مع الحكومة الإسرائيلية الجديدة التي شكلت على عجل من عناصر عسكرية في المقام الأول، ما يؤكد أن الهدف ترميم العلاقات المشتركة، والانتقال إلى مرحلة جدية بدت من خلال استقبال عدد كبير من المسؤولين الأميركيين من وزراء خارجية الدفاع والخارجية وقائد المنطقة المركزية الأميركية، وانتهاءً بالرئيس جو بايدن.
ويبدو أن دعم الإدارة الأميركية لإسرائيل تحول إلى تبني مقاربة مباشرة من دون مراجعات للموقف الإسرائيلي، وهو ما يشير إلى أن المشهد الأميركي – الإسرائيلي يمضي في سياق واحد من خلال الدفاع عن تل أبيب، ما فهم منه أن واشنطن لن تضغط على إسرائيل، ولن تتجه إلى إطلاق الوعود للجانب العربي أو الفلسطيني.
مشاهد متوقعة
المشكلة في السيناريو الذي سيرتبط بالتصعيد العسكري أنه يتطلب إجراءات غير مسبوقة في الدفاع عن إسرائيل في مواجهة أية ارتدادات محتملة متعلقة بانفتاح الجبهات، واحتمال دخول “حزب الله”، مما سيتطلب دعماً مباشراً استباقياً للدفاع عن المصالح الأميركية والغربية في مواجهة ما يجري، وهو ما تتحسب لتداعياته الولايات المتحدة، بل وشجعت دول مثل بريطانيا وفرنسا على تبني الرواية ذاتها، بل وتأكيد خطر حركات المقاومة الفلسطينية، واحتمال تعرض أمن إسرائيل لخطر داهم، ما يتطلب الإقدام على التصعيد كرسالة ردع حقيقية في مواجهة ما يجري مع التطورات المتوقعة سلباً، وعدم التوصل إلى حل.
وفشل الرئيس الأميركي في إقناع إسرائيل في فتح المعبر، أو التعامل مع المشهد السياسي أو الأمني برشادة، بل مضى الجانب الأميركي داعماً على الخط، مما أفقد الجانب الأميركي مصداقية حقيقية يمكن التعامل معها من خلال تأكيد الولايات المتحدة وسيطاً لعملية السلام، وأنها شريك يمكن التعامل معه في ظل خيارات تشمل الجميع.
وعلى رغم أن المواجهات الراهنة قد تطول إلى أسابيع عدة في ظل اللا حل المطروح إسرائيلياً مع التركيز على الحل العسكري، والعمل عبر سلسلة من الحلول الانفرادية، وتكريس سياسة فصل مناطق الشمال في القطاع عن الجنوب وزحزحة الجانب الفلسطيني إلى الجنوب، ونقل الأزمة إلى مصر، وهو أمر رفضته القاهرة، فإن المصالح الأوروبية قد تتضرر في الشرق الأوسط في سياق مهم، إلى جوار المصالح الأميركية الأخرى التي قد تحدث في سياق ما يجري من مواجهات ستشمل الإقليم.
ولا تقتصر تلك التهديدات على الجانب الأميركي، الذي قد يتعرض لاستهداف حقيقي جراء ما يجري من تطورات، خصوصاً أن الحشد العسكري أو استدعاء حاملات الطائرات تباعاً سيؤدي إلى مزيد من التوتر الأمني والاستراتيجي، ولن يحل المشكلة الراهنة، بل سيدخل غزة في إطار المناكفات الكبرى للقوى الدولية، ومنها الولايات المتحدة والصين وروسيا، إضافة إلى القوى الكبرى الأخرى، منها بريطانيا التي تعمل في سياق من تجاذبات حقيقية، يمكن أن تؤثر في نمط العلاقات الجارية، التي قد تؤدي إلى مزيد من التوتر العام حال تصعيد الأمور بصورة كبيرة في الفترة المقبلة، بخاصة أن جماعات الإرهاب السياسي بدأت في الإعلان عن نفسها.
توجهات متطرفة
ونشرت “القاعدة” القيادة العامة والـ”قاعدة” في شبه جزيرة سيناء والـ”قاعدة” في المغرب العربي، وحركة شباب الصومال، وغيرها من التنظيمات بيانات متتالية ومكثفة تضمنت أهمية استكمال نصرة أهالي غزة، والدعوة إلى توسيع العنف خارج غزة، بحيث يشمل الضفة الغربية والداخل الإسرائيلي، واستهداف المصالح الإسرائيلية والمدنيين في الخارج، وشن عمليات منفردة ضد المصالح الأميركية والإسرائيلية في الخارج، والتهديد بضرورة ضرب قواعد أميركية في الخليج، مؤكدة أنها كانت أكثر الأطراف للدعوة للتحريض، وتوسيع دائرة العنف ضد المصالح الإسرائيلية والغربية في العالم.
أيضاً ركز تنظيم “داعش” على دعم حركة “حماس”، على رغم أنه يعتبرها مرتدة منذ مواجهات جرت بين الجانبين في 2015، ومن الواضح أن الجماعات الإرهابية ستمضي في إطار استغلال الأحداث الراهنة، واستمرار العمليات العسكرية، وقد تتجه أغلب هذه الجماعات إلى تنفيذ بعض العمليات تحت مسمى دعم الأجانب الفلسطينيين. ومن المحتمل أن تتسع رقعة المواجهات إلى سوريا ولبنان، إضافة إلى احتمال أن تشهد الدول الأوروبية عمليات مشابهة لما جرى في باريس في السابق.
وفي المقابل، يرى عدد من الخبراء الإسرائيليين أن القضية الفلسطينية هي الخطر الرئيس الذي يواجه إسرائيل، واعتمد الخبراء على عدد من نتائج استطلاعات الرأي العام التي أجراها معهد دراسات الأمن القومي INSS، ويجد هذا الفريق أن ضمان إسرائيل للوضع الراهن الذي هو في مصلحتها على حساب الفلسطينيين أمر من المستحيل أن يستمر، بخاصة في ظل الحملات الإرهابية التي يجري القيام بها.
ومن هذا المنطلق يفسر عدد من الباحثين الاهتمام بتنظيم “داعش” كأداة لدعم السياسة الإسرائيلية القمعية ضد الفلسطينيين من خلال انشغال المجتمع الدولي، ومن ثم تغاضيه عن الأفعال الإسرائيلية في حق المدنيين الفلسطينيين، بل ويربطون دورها بدعم وتطوير الفكر الداعشي الداعم لبعض الأعمال العنيفة داخل إسرائيل.
إن إدراك إسرائيل خطورة هذه التطورات في قطاع غزة، وما يمكن أن تمضي إليه الأمور دفعت إلى تبني استراتيجية جديدة سياسية وإعلامية تستهدف من خلالها استعادة زمام إدارة الصراع الإقليمي، واحتكار المظلومية التاريخية والحيلولة دون حدوث تطورات ذات صفة انقلابية في موازين القوى العسكرية والسياسية في الشرق الأوسط.
الخلاصات الأخيرة
من المتوقع إذاً أن تستهدف المصالح الأميركية في الإقليم بدليل ما قاله محمد التميمي، الأمين العام لفيلق الوعد الصادق في العراق، إن الإعلان رسمياً عن المشاركة في حرب غزة سيكون فور التدخل العسكري الأميركي في الحرب. مؤكداً أن لدى الفيلق العراقي القدرات التي تمكنه من استهداف كل المصالح الأميركية في الداخل وحتى خارج الحدود. ومعلوم أن فيلق الوعد الصادق يمتلك عدداً كبيراً من الطائرات المسيرة تكفي للوصول إلى جميع الأهداف والمصالح الأميركية في الداخل وحتى خارج الحدود العراقية.
كما أن القواعد الأميركية موجودة في العراق في عين الأسد والحرير، كما جرى استهداف قاعدة التنف التابعة للتحالف الدولي في منطقة المثلث الحدودي بين سوريا والعراق والأردن بثلاث مسيرات، أدت إلى إصابات مباشرة للقاعدة، هذا إلى جانب القيام بتفجير خط أنابيب الغاز التابع لحقل “كونيكو” بريف دير الزور شمال شرقي سوريا في منطقة سيطرة الأكراد.
في المحصلة، فإن هجوم حماس سيلقي بتداعياته الكبيرة على الفصائل المسلحة التابعة لإيران في كل من العراق ولبنان وسوريا، باعتبارها جزءاً من محور المقاومة، ومن المؤكد أن المصالح الأميركية ستبقى في قلب الاستهدافات المحتملة حال استمرار المواجهات الإسرائيلية في قطاع غزة والدعم الأميركي اللا محدود لإسرائيل والحشد الدولي، بخاصة الأوروبي لدعم إسرائيل.
نقلاً عن “اندبندنت عربية”