منير أديب
معاداة الإخوان المسلمين للدولة الوطنية أو المدنية مبني على أن هذا النوع من الأنظمة السياسية لا يُلبي تطلعات التنظيم في الحكم.
فضلًا عن أنه بعيد عن الأيديولوجيا التي يُريد أن يفرضها على النّاس والتي تُشبه الفاشية، فالدولة في مخيلة هذا التنظيم أشبه بالفاشية الدينية.
تجارب الإخوان في الحكم أو رؤية التنظيم له قائمة على المفهوم الأحادي للدين، تلك التي تحكمها تصورات الجماعة الضيقة، وهذا سبب تعامله باستعلاء شديد، فقد يحكم هذا التصور رؤيته لأسلمة هذه المجتمعات والتي يكثر فيها المختلفون عنه دينيا.
صحيح.. خطاب الإخوان يبدو مهادنًا ولكن واقعه يختلف كثيرًا عن ذلك، ولما لا؟ فإذا كان ذلك موقفه المعادي للخصوم السياسيين وهم أقل درجة من الخصومة مع المختلفين دينيا، فما بالك بالخصومة معهم؟ والأمر يبدو مختلفًا إذا كان ذلك متعلقًا برؤية التنظيم لنظام الحكم وشكل الدولة.
الإخوان يعتقدون أنهم منزلون من السماء بشرائعهم التي يُريدون أن يطبقوها على النّاس، وبالتالي دخلوا في عداء مع الدولة المدنية القائمة على الدساتير والقوانين والتي تضمن الحريات الفردية، كما تكفلها هذه الدساتير، فهي المظلة التي تحكم النّاس أو يتحاكمون لها، صحيح الشرائع سماوية ولكن الجماعة أرادت تطبيقها وفق الهوى النفسي والمصلحة التي تُحركها.
وهنا يبدو فساد الإخوان والتوجه السياسي لهم وغياب المفهوم الوطني الحاكم لتصوراتهم، فهم يلعبون بورقة الدين محاولين توظيفها من أجل تطبيق أيديولوجيا التنظيم، كما أنهم يعبثون بالمفهوم الوطني للدولة الحاكم لمصالح الخلق، وهذه أزمة أخرى تؤكد فساد الأفكار المؤسسة للتنظيم من الناحية الدينية والوطنية.
كما أنّ الدولة المدنية تضم بين مواطنيها القوميات المختلفة والأفكار والأديان المغايرة، فإنها تفرض نوعا من الحماية لهؤلاء المواطنين وتتقبل اختلافهم وفق قاعدة احترام القانون والدستور، وهو ما يتعارض مع تصورات الإخوان للدولة التي لا بد أن تكون قائمة على الدين، كما يفهمه الإخوان، فغاب عنها الدين والوطنية معًا.
فدولة الإخوان الدينية لا يُسمح فيها بالمختلفين أن يكونوا جزءًا منها ولا أن يتمتعوا بكامل حقوقهم السياسية والدينية، دولة المواطنة لا تمثل أساسًا لها، بل هي قائمة على فرض الأيديولوجيا التي يسعى التنظيم إليها من خلال شعار الجماعة “أستاذية العالم”؛ دولة لا تُعطي حريةٌ للنقاش والممارسة إلا بما يحدده فهمها الخاطئ للدين، هذه الدولة لا تُعطي حقًا للمختلفين دينيًا ولا تسمح لهم ببناء دور عبادة، فضلًا عن تبنيها بناء هذه الدور، من منطلق الفتوى الخاصة بعدم جواز ذلك.
المختلفون دينيًا في دولة الإخوان لا يتمتعون بأية حقوق سياسية أو دينية، كما أنهم مواطنون من الدرجة الثانية، يرفع التنظيم شعار “لهم ما لنا وعليهم ما علينا”، ولكن يترفع هذا الشعار فوق رؤوسهم، فالتنظيم يريد أن تقطع هذه الرؤوس لا أن ينتصر لها.
تصور الإخوان لعدم السماح ببناء دور عبادة للمختلفين دينيًا في المدن الجديدة، حسب فتوى قديمة لمفتي الجماعة محمد عبدالله الخطيب، على أنها مدن جديدة لا يحق للمسيحيين أن يبنوا كنائس فيها، ولكن عليهم أن يتعبدوا في كنائسهم القديمة! هذه الفتوى نشرتها مجلة الدعوة التي كان يُصدرها الإخوان المسلمين في السبعينيات من القرن الماضي، وهذا سبب جديد من أسباب عدم إيمان الإخوان بالدولة المدنية.
شوه الإخوان المسلمون مفهوم الدولة المدنية وصورها على أنها تُقابل الدين أو تُعارضه، واغتالوا معنويًا كل من يُنادي بها، فتم تصويره على أنه ضد الدين وتعاليمه، وهنا تبدو مشكلة أخرى للتنظيم مع قواعد هذه الدولة القائمة على الحرية والقوانين، والتي يحكمها ويحكم المواطنين فيها دستور لا يُحابي ولا يُجامل.
الدولة التي يسعى الإخوان لها تُبدو في شكلها دولة مدنية ولكنها دولة دينية بشكل صرف، وهنا تبدو خطورة التنظيم ودعوته، فهم لا يُنادون بالدولة الدينية ولكنهم يقفون أمام الدولة المدنية، وهدفهم في ذلك أن ينفذوا ما يُخططون له دون أن يُهاجمهم أحد، شعارهم دولة مدنية ولكن على قواعد الدولة الدينية! وهذا ما يؤكد أنهم يُمارسون الدعوة ولكن أعينهم على السلطة التي يُحاربون النّاس من أجلها، بمنطق ديني مزيف لا يُعبر عن حقيقة الدين.
التنظيمات الدينية المؤدلجة لا تُؤمن بالديمقراطية ولا تسمح بها، ولا تسمح أيضا بهذه الممارسة داخل بُنى التنظيم ومؤسساته، باعتباره تنظيما شبه عسكري، فمثل هذه التنظيمات لا تسمح بالتعدد ولا تُمارسه ولا تُعطي حقا للقوانين والدساتير بطبيعة الحال، كما أنها لا تسمح بالحوار والنقاش أو حتى الاعتراض، فإذا كان هذا حال التنظيم من الداخل فما باك بتصورات التنظيم في الأطر الحاكمة للدولة التي يتخيلها ويوجد فيها المختلفون دينيا وسياسيا.
تجربة الإخوان في الحكم بمصر في عام 2012 تكشف عن حجم التسلط الذي تفرضه الجماعة على المختلفين معها دينيا، فحجم الاعتداءات على الكنائس في مصر زادت بصورة كبيرة في أثناء وجودهم بالسلطة، في ظل حالة من الشحن الديني، صحيح خرج الإخوان وطيبوا خواطر المسيحيين ولكن أدانوهم في نفس الوقت وأعطوا مساحة أكبر للاعتداء عليهم بما يؤكد إيمانهم المطلق بقواعد الدولة الدينية حتى ولو ادعوا خلاف ذلك!
الإخوان يرفضون الدولة المدنية من منطلق إيمانهم بالدولة الدينية، ولذلك يشوهون الدعاة إلى الدولة المدنية القائمة على احترام المواطنين بغض النظر عن قوميتهم ودينهم، بأنّ هذا النموذج يُعبر عن الدولة العلمانية التي تُعادي الدين والشرائع السماوية، ومن هنا نقول إنهم خطر على المواطنة التي تُعطي حقوقا متساوية لأبناء الوطن الواحد، هذه الحقوق مستقاة من الشرائع السماوية التي يجهلها الإخوان.
الدول الديمقراطية العريقة تحترم مواطنيها، فكلما احترمت هؤلاء المواطنين كلما كانت أقرب إلى روح الشرائع السماوية التي أعلت من قيمة الإنسان، والتي دعت إلى احترام عقيدته، إذا في الدولة المدنية التي يُعاديها الإخوان الاحترام الكامل للأديان وللإنسان، أما ما تطرحه التنظيمات الدينية فلا يُعبر عن الدين ويختصر الوطن في أيديولوجيا تُعبر عن تطرف هذه الجماعات.
نقلاً عن “العين” الإخبارية