صالح الخوالدة
106 سنوات تكتمل غدا على وعد بلفور المشؤوم الذي أطلقه وزير الخارجية البريطاني آرثر بلفور في الثاني من تشرين الثاني سنة 1917 باسم الحكومة البريطانية والذي يتعهد بإقامة وطن قوميّ للشعب اليهوديّ في فلسطين، وهو الوعد الصادر ممن لا يملك لمن لا يستحق.
في هذه الأيام، وبعد أكثر من سبعين سنة على تحقيق هذا الوعد، ما يزال الكيان الذي أنشأته بريطانيا ودعمت استمراره الكثير من الدول الغربية يفتقد لأهم أركان الدولة ذلك أن إسرائيل نفسها مقتنعة بأنها “دولة غير طبيعية” في وسط لا تمت إليه بأي صلة، بل ما تزال حتى اليوم وبعد عشرات السنين من زرعها عنوة في الوسط العربي تخوض ما تسميه هي بـ “حروب الاستقلال” آخرها ما تشنه على قطاع غزة والجغرافيا الفلسطينية من حرب إبادة وحشية وهمجية شهد بها منظمات الأمم المتحدة وسياسيون عالميون، وهو ما يثبت أنها مجرد “موروث استعماري” يستمد أسباب وجوده من داعميه، كما يقول امين عام اللجنة الملكية لشؤون القدس عبدالله كنعان لوكالة الأنباء الاردنية (بترا).
كنعان يؤكد أنه لا يخفى على أحد أن الاطماع الاستعمارية في تقسيم المنطقة العربية ونهب ثرواتها وتعزيز الانقسامات والفتن الهدامة، كانت وما تزال جميعها دوافع لوعد بلفور، لافتا الى ان وعد بلفور يندرج ضمن المخططات الصهيونية والاستعمارية، حيث بدأت معالمها في مؤتمر بال عام 1897، وغدت أكثر وضوحا مع “الوعد البلفوري” لتنمو شيئا فشيئا في في بيئة تتطلب تلبية المصالح في مرحلة عصيبة شهد فيها العالم حروبا عديدة استغل الصهاينة واليهود مجرياتها لتمرير مؤامرتهم، منها نداء ورسالة القائد الفرنسي نابليون بونابرت لليهود عام 1799 ووعده بمساعدتهم على الاستيطان في فلسطين، رغبة منه بالحصول على قروض مالية من اليهود لتمويل حملته على مصر وبلاد الشام آنذاك.
وبنفس الاتجاه الإحلالي كان خطاب الدعم الالماني من قبل (دوق إيلونبرج) باسم حكومة القيصر الالماني عام 1898، الذي أعلن فيه استعداد بلاده لمساندة الكيان الصهيوني فور قيامه، مرورا بصك الانتداب البريطاني عام 1922 ودعم حكومة الانتداب البريطاني للعصابات الصهيونية في حروبها ضد اهلنا في فلسطين ، واعلان التقسيم عام 1947، وما أن جاء عام 1948 حتى تم اعلان قيام اسرائيل (السلطة القائمة بالاحتلال) من رئيس المنظمة الصهيونية ومدير الوكالة اليهودية، والاعتراف بقبولها في الامم المتحدة عام 1949.
وإمعاناً في ترسيخ هذا الوعد وما افرزه من وقائع تاريخية مسمومة كان قرار ترمب (بلفور الثاني) عام 2017 بالاعتراف بالقدس الكاملة الموحدة عاصمة مزعومة لإسرائيل، وما سبق ذلك طيلة عقود من دعم واضح لاسرائيل بما في ذلك سلاح (الفيتو) ضد اي قرار يجرمها في مجلس الأمن كان آخرها رفض أي قرار يدين اسرائيل ويطالبها بوقف حربها الجنونية على أهلنا في غزة.
ولفت كنعان أن وعد بلفور أعطي دون وجود أي صلة لبريطانيا بفلسطين حيث (أعطى من لا يملك لمن لا يستحق)، دون موافقة الدولة العثمانية صاحبة السيادة والولاية القانونية آنذاك على فلسطين التاريخية، مشيرا كذلك الى تناقض وعد بلفور مع الاتفاقيات والوعود البريطانية الصادرة للعرب بما في ذلك تعهد بريطانيا في مراسلات الحسين- مكماهون (1915-1916) بخصوص الاعتراف باستقلال الدولة العربية ومن ضمنها فلسطين التاريخية، كما أن هذا الوعد “هو دبلوماسية فردية وليس اتفاقية دولية بين دولتين معترف بهما عالمياً”، وبالتالي لا يترتب عليه أي صفة قانونية دولية تلزم المجتمع الدولي تجاهه، والأهم تناقض هذا التصريح مع حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وملكية ارضه، ومخالفته صراحة لميثاق عصبة الأمم المتحدة بما في ذلك المادة 20، والتي تنص على “ضرورة الغاء جميع الالتزامات والاتفاقيات الدولية السابقة واللاحقة التي تتعارض مع الميثاق”، ويبدو أن هذه المآخذ والدلائل لم تمنع من يطالبون العالم الالتزام بالقانون الدولي من دعم وعد بلفور وما ترتب عليه من نتائج ظلمت بسببها منطقتنا خاصة الشعب الفلسطيني الذي ما يزال تحت عبء هذا الوعد القاهر.
وقال، إن اللجنة الملكية لشؤون القدس وبمناسبة الذكرى (106) لوعد بلفور المشؤوم، تذكر العالم ومنظماته بالواقع المأساوي للشعب الفلسطيني الذي نتج عن هذا الوعد الظالم، بما في ذلك ما يجري في غزة من ابادة وحشية ومجازر تعجز الانسانية عن تخيلها، وما تتعرض له أيضاً مدينة القدس وجنين ونابلس والخليل وكل شبر من فلسطين المحتلة من القتل والأسر والتشريد والإبعاد والاقتحامات اليومية للمقدسات الاسلامية والمسيحية وفي مقدمتها المسجد الاقصى المبارك.
إن ما يثير في النفوس والعقول الحرة الدهشة والغرابة والأسف، يقول كنعان، هو “كيف لهذا الوعد الفردي الباطل المشوه أن يكتسب شرعية عند البعض بينما تنتهك يومياً جميع بنود اتفاقية جنيف والقانون الدولي الانساني ومواثيق حقوق الانسان ومئات قرارات الشرعية الدولية المعنية بالقضية الفلسطينية من قبل اسرائيل ومن يؤيدها؟”.
وتساءل كنعان “كيف يطالب العالم بقبول وعود دموية خلفت تشريد أكثر من مليون لاجئ فلسطيني هجروا عامي 1948 و 1967، أصبح عددهم اليوم حوالي 7 ملايين مهجرين خارج وطنهم التاريخي فلسطين، إضافة الى تدمير 500 مدينة وقرية فلسطينية ومئات الآلاف من الشهداء، وعشرات المجازر، ومئات جثامين الشهداء في مقابر الارقام الوحشية، واكثر من مليون اسير فلسطيني منهم 7000 ما يزالون يرزحون في سجون الاحتلال؟”.
واكد كنعنان أن من واجب العالم ومنظماته تحمل نتيجة جريمة هذا الوعد، والاعتذار عنه بإعطاء الشعب الفلسطيني حقه بإقامة دولته الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، ووقف نزيف الدم الفلسطيني في غزة وجنين وغيرها.
واضاف، إن اللجنة الملكية لشؤون القدس وبعد قرن واكثر من تصريح بلفور المشؤوم، تأمل من الإعلام الحر فضح جرائم الاحتلال، والتحذير من أن استمرار نهج والابرتهايد البلفوري والذي من شأنه اعطاء الضوء الاخضر لحكومة اليمين الاسرائيلية المتطرفة للتمادي البربري في التطهير العرقي للشعب الفلسطيني.
كما أكد أنه آن الاوان للدبلوماسية العالمية الاعتراف بحقوق الشعوب في الكفاح والنضال ومقاومة قاتلها وسارق ارضها وحقوقها ومصيرها وفي مقدمتهم الشعب الفلسطيني المحتلة ارضه ومقدساته، وعلى اسرائيل أولاً ومن يدعمها ثانياً إدراك حقيقة ثابتة كشفتها الايام، وهي أن السنين لا تُنسي صاحب الحق حقه بل تزيده إصراراً على المطالبة به وأن الحقوق المشروعة لا تسقط بالتقادم.
وأكد أن الاردن شعبا وقيادة هاشمية صاحبة الوصاية التاريخية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس سيبقى السند لفلسطين واهلها مهما كان الثمن وبلغت التضحيات.
نقلاً عن “بترا”