كتب : حافظ مراد
لأول مرة في تاريخ النضال الفلسطيني تستقل المقاومة الفلسطينية بقرارها وتخوض معركة طوفان الأقصى بمفردها دون مشاورة اي جانب عربي أو إسلامي، واستطاعت كسر شوكة الجيش الذي لا يقهر في السابع من أكتوبر المجيد واذلته وكشفت مدى هشاشته لولا تنمره ووحشيته بالغطاء الجوي فقط، وهذا انتصار كبير للمقاومة في احياء القضية الفلسطينية واعادتها إلى الواجهة بعد بيعها على الأرجح، فقد بات النصر أقرب من اي وقت مضى وما مواجهة شعب الكيان الصهيوني بشعار (نغادر البلاد معا) ضد شعار حكومته النازية في هجومها البربري على غزة (معا ننتصر) والذي أكد للعالم اعتراف المحتلين بأنهم ليسوا أصحاب الأرض وان انهاء الإحتلال ومغادرتهم أرض فلسطين أمر حتمي وفي القريب العاجل.
ومع أني كنت لا أرغب الخوض في تفسير مواقف الانظمة العربية والإسلامية التي حولت القضية الفلسطينية إلى قضية إنسانية ومشكلة ضحايا مدنيين وتبرؤ كامل من حق المقاومة ومن الحق الفلسطيني في التحرر، وايضا لتقديري وضعهم ولفهمي موقفهم الخالد من خلال خطاباتهم الاستهلاكية التي هي موجهة لشعوبهم وليس لعدوهم.
فبعد استعداد مصر وتركيا لاستقبال قيادات حركة حماس بعد مغادرتهم غزة لا سمح الله اذا نجح مخطط التهجير القسري للفلسطينين، أدركت أن هناك حالة بيع كاملة للمقاومة، وان دور عاهات الزعامة العربية والإسلامية محصور في التنازلات والضغط على أصحاب الأرض بالتخلي عن أرضهم وحقوقهم واستعدادهم لاستقبال موجات النزوح وإرسال ما تيسر من الإغاثة المنتهية الصلاحية.
فخطابات التهديد والوعيد والشجب والادانة كلها محاولة للسيطرة على الطوفان العاطفي الشعبي المتضامن مع الشعب الفلسطيني ولن يحدث شي على الواقع، وكل ما بوسعهم هو المطالبة بهدنة إنسانية لتمكينهم من إرسال قليلا من الطعام والشراب لشعب غزة لآلا يموتوا في مجازر الإبادة الجماعية القادمة وهم جياع.
حين أظهر العالم سعادته ورحب بعملية الإفراج عن خمسين أسيرا إسرائيلي كانوا لدى حماس، وعند عملية التبادل رأى العالم رجالا حقيقيين في غزة، فعيون ووجوه الأسرى المفرج عنهم لا تكذب وتحكي عن ما بداخلهم فقد اصبحوا غارقاين في طوفان العاطفة والحب لغزة، فالشجرة تعرف بثمارها وقد لاحظ الجميع ثمار فلسطين الطيبة، وظهرت إسرائيل معقّدة ومريضة وغاضبة، لانها لاتريد للأسرى أن يظهروا بتلك السعادة.
لا تريد اسرائيل للعالم أن يرى نُبل وقيم الغزاويين بعد أن سهلت الهدنة فهم العالم للعنف المروع الذي يمارسه الاحتلال وكشفت طبيعة الفضائع التي تدعمها الادارة الأمريكية، لكن المحزن ان العالم شاهد إطلاق سراح مئات السجناء من الأطفال والنساء الفلسطينين الذين تم اعتقالهم قبل سبعة أكتوبر دون اي مواجهات عسكرية أو جرم يقترفوه ومكثوا سنين رهن الإجراءات التعسفية في السجون الإسرائيلية دون محاكمة او لائحة اتهام وليس لهم علاقة بالمقاومة حتى، ولم يحرك العالم تجاههم ساكن، بل ظهر موقف الغرب في ازدواجية كبيرة، فيه نفاق وانتقائية للقوانين الدولية التي هي منهم بالاساس.
وفي عملية التبادل خاضت كتائب القسام معركة اعلامية مذهلة وكسبتها عن جدارة ونالت فيها إحترام العالم في السلم والحرب، واظهرت اسرائيل غضبها واعتقدت أن تغطية الإعلام الضخمة لدقائق التسليم مجرد ترويجٌ لغزة وأبطالها، واستأنفت مجازر الإبادة الجماعية انتقاما من شعب غزة وما يحدث الان هو تحويل غزة إلى منطقة غير قابلة للحياة لإجبار اهلها على الهجرة القسرية.
على الإعلاميين والناشطين والجميع بدون استثناء تغيطة ما يحدث في غزة ونقلها للرأي العام العالمي عبر وسائل التواصل الاجتماعي وبلغات عدة لإحداث زيادة ضغط شعبي ضد الأنظمة الغربية وإنتاج موقف داعم لإقامة الدولة الفلسطينية وعودة اللاجئين إلى أراضيهم، واذا توقف الإعلام والرأي العام عن نقل الابادة التي تحدث أمام أعين الجميع في غزة الآن فلن يسمح لهم مرة أخرى في الحديث عن ذلك، لان عدم استعداد الأنظمة الصهيونية والمتصهينة الكافي على مواجهة نقل الحقائق في مواقع التواصل الاجتماعي هو السبب الوحيد الذي سمح للناشطين بالحديث ونشر الوعي بشكل كبير، وسيحاولوا سلب هذه الحقوق في المراحل القادمة، وقد بدءو ذلك بالفعل من خلال حظر حسابات المشاهير وملاحقتهم في العديد من الدول، وأذا اردنا مستقبلا التحدث عن جرائم وصلف الأنظمة الصهيونية سيكون هناك قوانين وقيود واعتقالات وملاحقات من دولة لأخرى وبشكل جنوني، والنضال الأن ليس لتحرير فلسطين وحقوقهم فقط، ولكنه من أجل حقوق شعوب العالم المضتهدة التواقة للحرية، شعوب العالم واحراره يعرفون جيدا الان مع من يقفون، انهم الأمل والوعد الحق بأنه لن يكون هناك سلام لصانعي الإبادة الجماعية، والملايين حول العالم سيقفون مع فلسطين مع من فقدوا عائلاتهم ومنازلهم مع المظلومين الذين فقدوا كل شي ولازالو محتسبين يحمدون الله ويشكروه على عظم مصابهم.
وانا لله وانا اليه لراجعون.