كريتر نت – متابعات
تعهّدت حكومة الاحتلال الإسرائيلي بتدمير حركة المقاومة الفلسطينية حماس، بعد تنفيذها عملية لم يسبق لها مثيل في 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي ضد مستوطنات غلاف غزة، لكن بعد مرور شهرَين على المعارك الدائرة برًّا وبحرًّا وجوًّا، بدأت أصوات أمريكية وغربية تشكّك في إمكانية تحقيق هذا الهدف، ويزداد الأمر تعقيدًا لعدم وجود خطة إسرائيلية لمرحلة ما بعد حركة حماس التي تحكم قطاع غزة، البالغ عدد سكانه 2.3 مليون نسمة تقريبًا.
هزيمة حماس
بعد أسابيع من رفض عقد صفقة لتبادل الأسرى، اضطرت “إسرائيل” أن تبتلع كبرياءها وأن تضع جانبًا خطابها المعتاد، وأن تقبل بالإفراج عن معتقلين فلسطينيين مقابل محتجزيها في غزة، ومن هذه النقطة تسود توقعات بأن ينزل رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، مرة أخرى عن الشجرة، ويغيّر الهدف المعلن لإنهاء القتال، وهو “القضاء على حماس”.
وكان مفاجئًا أن أحد الأصوات التي تتوقع صعوبة تدمير حماس، هو الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي دعم نتنياهو بكل قوة منذ اليوم الأول للعدوان، حيث قال ماكرون في 2 ديسمبر/كانون الأول: “يجب توضيح هدف القضاء على حماس، فالمواجهة الجيدة للإرهاب ليست عبارة عن قصف منهجي ومتواصل”، وتساءل: “هل يعتقد أحد أن القضاء على حماس بالكامل ممكن؟ إذا كان الأمر كذلك فإن الحرب ستستمر 10 سنوات”.
وبدوره، يرى الجنرال الأمريكي المتقاعد روبرت أبرامز، أن مهمة “إسرائيل” لتدمير حركة حماس المسلحة مع حماية حياة الفلسطينيين في غزة “أمر صعب للغاية”، وتابع: “تدمير حماس، وإنهاء قدرتها على إلحاق الأذى بإسرائيل، وكذلك حماية الفلسطينيين في آن واحد، أمر شبه مستحيل”، وأرجع ذلك إلى صعوبة القتال في المناطق الحضرية الكثيفة بالسكان، حيث تكون المعارك بطيئة للغاية.
ومنذ توغل قوات الاحتلال بريًّا في قطاع غزة، فجّرت كتائب القسام عشرات الآليات العسكرية وقتلت عددًا كبيرًا من الجنود، وفق ما وُثِّق في مقاطع فيديو تبثّها بشكل شبه يومي، وبحسب اعترافات الجيش الإسرائيلي.
وبكل ثقة، قال صالح العاروري، نائب رئيس المكتب السياسي لحماس، إن العنوان القادم لن يكون البحث عن مرحلة ما بعد القضاء على الحركة، بل عن “كيف يمكن لهذا الجيش (الإسرائيلي) أن يتخلص من المأزق الذي تورّط فيه”.
تملمُل وخلافات
بدأت الولايات المتحدة الأمريكية التي تدعم “إسرائيل” بكل قوة لتحقيق هدف القضاء على حماس، بالتململ والتراجع خطوات بطيئة إلى الوراء، ومبكرًا طلبت واشنطن من تل أبيب خطة لمرحلة ما بعد حماس، وهو أمر لم تقدمه “إسرائيل” حتى الآن، ما زادَ من التوجُّس الأمريكي.
كما بدأت بعض الخلافات الأمريكية الإسرائيلية تظهر إلى العلن، بسبب الضغط الداخلي في الولايات المتحدة واختلاف وجهات النظر داخل إدارة الرئيس جو بايدن، بشأن العدوان على غزة.
وأقرَّ نتنياهو خلال مؤتمر صحفي في 2 ديسمبر/ كانون الأول، بوجود “خلافات مع الولايات المتحدة” بشأن كيفية تحقيق هذه الأهداف، لكنه قال إن الحليفَين قد تمكّنا من التغلب عليها بشكل كبير، كما اعترف بوجود “ضغوط دولية متزايدة” على “إسرائيل” بشأن حربها في غزة، “لكن لن نخضع لها”.
وبعد انتهاء الهدنة المؤقتة التي استمرت 7 أيام وتخللها تبادل الأسرى، قال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني: “قلت لأعضاء مجلس الحرب الإسرائيلي إن ما حدث خلال الهجوم على شمال غزة (من تهجير السكان) يجب ألا يتكرر في جنوب القطاع”، مؤكدًا أنه “يجب التفكير في مرحلة ما بعد الحرب”.
وفي مطلع ديسمبر/ كانون الأول، قالت صحيفة “معاريف” العبرية إن بلينكن سأل رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، هرتسي هاليفي، عن “المدة التي من المتوقع أن تستمر فيها العملية في غزة في النطاق الحالي الذي توجد فيه قوات برية كبيرة جدًّا داخل القطاع”.
وأبلغ هاليفي بلينكن بأن الحرب في غزة ستستغرق أكثر من بضعة أسابيع أخرى، وردَّ الأخير بأن إدارته “تشعر بالقلق من أن استمرار عملية الجيش الإسرائيلي في غزة، خاصة بالحجم والكثافة التي تجري بهما حاليًّا، سيزيد بشكل كبير من الضغوط الدولية على إسرائيل والولايات المتحدة”.
الانتخابات الأمريكية
ويزداد هذا القلق من إطالة زمن الحرب وعدم وجود خطة لليوم التالي لها بسبب أمرَين، أولهما تأثيرها على حظوظ بايدن في الانتخابات الأمريكية عام 2024، وثانيهما الانشغال المتزايد بـ”التهديد الصيني”.
وأظهر استطلاع للرأي أجرته شركة إبسوس للأبحاث بالشراكة مع “رويترز”، ونشرت نتائجه مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني، تراجع شعبية جو بايدن إلى أدنى مستوياتها منذ أبريل/نيسان الماضي، وذلك في أحدث بيانات تثير شكوكًا حول محاولة الرئيس الديمقراطي الفوز في سباق إعادة انتخابه العام المقبل.
وتراجعت نسبة الأمريكيين الذين يستحسنون أداء بايدن في مهامه الرئاسية من 42% في سبتمبر/ أيلول الماضي إلى 39% في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، واستقر معدل التأييد الشعبي لبايدن عند أقل من 50% منذ أغسطس/ آب 2021، واقترب معدل نوفمبر/ تشرين الثاني من أدنى مستوى في رئاسته، إذ كان قد بلغ 36% في منتصف عام 2022.
ويرجّح أن يتنافس بايدن مرة أخرى في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل مع الرئيس السابق دونالد ترامب، الذي يعدّ المرشح الأوفر حظًّا في الفوز بترشيح الحزب الجمهوري.
وارتفعت نسبة المشاركين في الاستطلاع الذين قالوا إن “الحرب والصراعات الخارجية” هي المشكلة الأولى من 4% في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي إلى 8% خلال نوفمبر/ تشرين الثاني، وهي علامة على عدم الارتياح بشأن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.
الهاجس الصيني
وهناك هاجس آخر يخلفه استمرار العدوان على قطاع غزة، يتمثل بالانشغال عمّا حددته إدارة بايدن سابقًا بالتهديد رقم 1 بالنسبة إلى واشنطن، متمثّلًا بالصين.
وعن هذه القضية، تقول الباحثة في الشؤون الصينية رزان شوامرة لـ”نون بوست”: “لدى الصين قاعدة تقول: “دع الهمج يتقاتلون ويستنزفون بعضهم ونحن نراكم قوتنا””، وتلتزم واشنطن بتزويد “إسرائيل” بمبلغ 3.3 مليارات دولار من التمويل العسكري الأجنبي سنويًّا، كما صادق الكونغرس خلال العدوان على تمويلها بـ 14 مليارًا أخرى.
وتقول شوامرة: “واشنطن هنا تستنزف نفسها في وقت تراكم الصين قوة عسكرية واقتصادية، وهذا لا يريح كثيرين في الولايات المتحدة”.
ونوهت هنا إلى أن الصين أجرت منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول عشرات التدريبات العسكرية مع دول العالم، ومنها على سبيل المثال مع 5 دول من جنوب شرق آسيا (كمبوديا ولاوس وماليزيا وتايلاند وفيتنام) من منتصف إلى أواخر نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، بحسب وزارة الدفاع الصينية.
وتابعت الباحثة: “في ذلك الوقت كانت أمريكا تستنزف نفسها ماليًّا في تحريك حاملات الطائرات إلى الشرق الأوسط من أجل إسرائيل”.
وكان مفاجئًا في خضمّ العدوان الإسرائيلي على غزة، أن حذّر الجنرال تشارلز كيو براون جونيور، وهو أعلى ضابط في الجيش الأمريكي، في مقابلة أُجريت معه في 3 ديسمبر/ كانون الأول، من أنه يجب على الجميع “القلق” بشأن الحرب مع الصين.
وبراون، رئيس هيئة الأركان المشتركة، استشهد باستطلاعات رأي أجراها مؤخرًا معهد ريغان، ووجدت أن 51% من الأمريكيين ينظرون إلى الصين على أنها أكبر تهديد أجنبي للبلاد، و74% يشعرون بالقلق إزاء اندلاع مثل هذا الصراع في غضون 5 سنوات.
ورأت شوامرة أن النشاط الأمريكي متوقف لأن كل الأجهزة الأمريكية منشغلة بـ”إسرائيل”، في مقابل التقدم الصيني المتسارع في كل المجالات، مبيّنة أن “بكين استغلت انشغال واشنطن في حرب إسرائيل، وهي معنية باستمرار مثل هذا الأزمة لأنها تبعد عين أمريكا عنها”.
وأوضحت أن “مكانة أمريكا لا يهددها انهيار إسرائيل، لكن يهددها صعود الصين، ولذلك هناك أصوات في الولايات المتحدة متمسّكة بفكرة العودة إلى الخط الأول والتركيز على بكين، وإعادة تصويب أهداف السياسة الخارجية”.