كريتر نت – متابعات
قائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان يسعى لتوظيف موقع السودان على البحر الأحمر لجذب قوى دولية وإقليمية باتت قلقة بشدة من التصعيد الحوثي في الممرات المائية العالمية وهو ما قد يخدمه في حربه الداخلية في مواجهة قوات الدعم السريع التي تحقق مكاسب ميدانية متسارعة.
ويضع قائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان عينيه على ما يجري من تطورات في البحر الأحمر عقب تصاعد حدة التهديدات التي يمثلها الحوثيون في اليمن لعشرات السفن التي تمر يوميا من خلاله كممر دولي تصل منه التجارة إلى أنحاء العالم عبر قناة السويس، وأن الاستهداف قد لا يقتصر على السفن الإسرائيلية كنوع من الانتقام لممارسات قوات الاحتلال في قطاع غزة.
ويعلم البرهان أن المساحة الطويلة والممتدة على ساحل البحر الأحمر وفي الجزر الواقعة به محط أنظار قوى إقليمية ودولية عديدة يستطيع كسب ودها من خلال المتاجرة بهذه الورقة الحيوية أمنيا وسياسيا.
وتكاد تكون المساحة المطلة على البحر الأحمر هي الوحيدة التي يملك الجيش السوداني نفوذا واضحا فيها حتى الآن، بعد أن فقد سيطرته على الكثير من المناطق في الخرطوم ودارفور وكردفان في مواجهات ضارية يخوضها ضد قوات الدعم السريع.
البرهان يسعى لتوظيف تصعيد الحوثيين في البحر الأحمر للحصول على تأييد قوى دولية أو التخلص من ضغوط أخرى
وبدأت تظهر مؤشرات توحي بأن البرهان يسعى لتوظيف التصعيد العسكري الذي يقوم به الحوثيون في البحر الأحمر للحصول على تأييد قوى دولية أو التخلص من ضغوط أخرى، فمع تزايد المخاوف من اتساع نطاق التوتر في هذا الممر ربما تتجه الأنظار إليه، لأن موقع السودان في منتصف الجزء القاري من البحر الأحمر من جهة الشرق يمكنه أن يصبح مصدرا مهما في أيّ تطورات أو تحالفات.
وعندما نقل قائد الجيش مقره ومسؤولي الحكومة من الخرطوم إلى بورتسودان لم تكن تهديدات الحوثيين ظهرت معالمها، أو العدوان الإسرائيلي على غزة قد بدأ، ووقتها قيل إن البرهان ورفاقه ينشدون الأمن والاستقرار في شرق السودان بعد أن تقدمت قوات الدعم السريع مسافات كبيرة في الخرطوم.
وعقب تسليط الضوء على ما يمكن أن يقوم به الحوثيون من تهديدات أمنية، وهم مدعومون من إيران التي لها مصالح حيوية في المنطقة، التقط البرهان الخيط معتقدا أنه يمكنه إيجاد دور في أي ترتيبات تتعلق بالأمن الإقليمي، مستفيدا من تمركزه في بورتسودان، والاهتمامات التي أبدتها قوى كثيرة بهذا الميناء.
وأرسل البرهان رسالة غير مباشرة عن طريق تركيا أخيرا، مهمتها التذكير بأن السودان يملك مقومات تجعله عنصرا مهما، سلبا أو إيجابا، في منظومة التفاعلات الإقليمية في البحر الأحمر، ويعد السودان جزءا أساسيا فيها، واتجهت قوى إقليمية ودولية عدة لتثبيت أقدامها على سواحله وفي أعماق جزره في البحر الأحمر منذ فترة.
وحملت الزيارة التي قام بها السفير التركي في السودان إسماعيل تشوبان أوغلو، السبت، إلى جزيرة سواكن التاريخية في البحر الأحمر، برفقة مسؤولين سودانيين، إشارات تؤكد أن تركيا لم تغب حساباتها عن هذه المنطقة.
ووقعت أنقرة مع الخرطوم في ديسمبر 2017 اتفاقية “سواكن” في عهد الرئيس السابق عمر البشير، وتعهد وقتها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بإعادة بناء الجزيرة، وقيل إن هناك أهدافا عسكرية انطوى عليها التفاهم بغية تطويرها، لكن مع سقوط نظام البشير بعد نحو عامين جرى تجميد الاتفاقية والتفاهمات الأمنية المبطنة.
كما أن روسيا وقعت اتفاقا عسكريا مع السودان في عهد البشير، وتم تعطيله بعد سقوط نظامه، لأن قوى إقليمية ودولية رأت أن وجود روسيا في هذه المنطقة يمثل خطرا على مصالحها، وحاول البرهان المناورة بهذه الورقة قبل الحرب للحصول على مكاسب من موسكو وواشنطن معا، فتارة يميل إلى هذه وأخرى إلى تلك.
التحرك الحوثي ورقة البرهان الرابحة
ولم يستفد البرهان من المراوحة، لأن أوضاع السودان القلقة لم تمكنه من ذلك، كما أن حساسية التوازنات حجمت ميوله البراغماتية، وفي ظل الأجواء القاتمة التي تحيط بها داخليا، أعاد التلويح من طرف خفي بأهمية شرق السودان في الأمن الإقليمي.
وما يجري في البحر الأحمر الآن، يثير مخاوف قوى عدة، ويمكن أن يجعل الجهة الداخلية التي تتحكم في مفاتيح سواحل السودان، وهي الجيش حاليا، رقما في أيّ توازنات قد يتم نسجها قريبا على وقع تهديدات الحوثيين المتزايدة، وتجد فيها الولايات المتحدة خطرا كبيرا إذا تطورت وباتت عملية السيطرة عليها صعبة.
أضف إلى ذلك أن البرهان الذي راهن على مساندة عسكرية كبيرة من مصر وتركيا وإيران ولم يحصل منها على ما ينبغي، يجد في سواحل السودان أداة مهمة للفت أنظار هذه الدول وغيرها من القوى الإقليمية والدولية، فقد يكون مفيدا لمن يقدم له العون في صراعه ضد الدعم السريع قبل أن يطال التوتر الأمني شرق السودان.
وفي هذه الحالة لن تستطيع القوى الراغبة في كبح الحوثيين ملاحقتهم لأن الفوضى سوف تتناثر في مناطق عدة في البحر الأحمر الذي يمثل أهمية كبرى في التجارة الدولية، خاصة مصر التي يمكن أن تخسر العوائد المالية لقناة السويس.
ومع توارد المعلومات بشأن هذه المنطقة التي تمثل أهمية جيوسياسية، بدأ البرهان ينتبه إلى أهمية الاستفادة من التطورات المتلاحقة التي لن تجعل تأثير البحر الأحمر منحصرا في جنوبه فقط، حيث قالت صحيفة “واشنطن بوست” الأحد إن الولايات المتحدة تسعى لتوسيع القوة متعددة الجنسيات لحماية السفن من تهديدات الحوثيين.
عقب تسليط الضوء على ما يمكن أن يقوم به الحوثيون من تهديدات أمنية التقط البرهان الخيط معتقدا أنه يمكنه إيجاد دور في أي ترتيبات تتعلق بالأمن الإقليمي
ونقلت الصحيفة الأميركية عن مسؤول عسكري كبير إشارته إلى وجود العديد من الدول التي لها مصلحة في منع تعطيل الشحن التجاري عبر البحر الأحمر وهذا الجزء من العالم، وأن هناك مناقشات بشأن توسيع القوة وهي تجري بنشاط.
وكشفت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) قبل أيام قليلة أن واشنطن تسعى لانخراط 40 دولة في القوة الدولية لحماية الملاحة في البحر الأحمر، وأن هذه القوة تشمل مساحة 3 ملايين ميل من المياه الدولية.
وأعلنت جماعة الحوثي أنها ستمنع السفن المتجهة لإسرائيل (من أيّ جنسية) من المرور إذا لم يدخل قطاع غزة ما يحتاجه من المساعدات الغذائية والدوائية، وأن هذه السفن “ستصبح هدفا مشروعا” لها، إذا لم يتحقق هذا الشرط.
وكشفت البحرية الأميركية في منتصف أبريل 2022 عن تشكيل قوة بحرية باسم قوة المهام المشتركة (CTF-153)، تتبع القوات البحرية المشتركة (CMF)، ومهمتها التركيز على الأمن البحري الدولي وجهود بناء القدرات في البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن.
وأوضح وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أن الهجمات الصاروخية على السفن التجارية من قبل الحوثيين “تشكل تهديدا كبيرا ليس فقط لإسرائيل والولايات المتحدة بل للعشرات من الدول التي تعتمد على هذا الممر المائي الدولي لنقل البضائع”.
وهاجم الحوثيون عددا من السفن في البحر الأحمر، وأطلقوا طائرات مُسيرة وصواريخ باليستية على إيلات في إسرائيل لدعم الفلسطينيين في غزة، وتم اعتراض غالبيتها في البحر من قبل سفن حربية أميركية وبريطانية وفرنسية.