كتب / محمد الحميدي
يعرف انعدام الأمن العام في أي مجتمع, بأنه قلق نفساني بشأن العديد من القضايا العامة , في جميع مجالات الحياة المختلفة بما في ذلك على سبيل المثال لا الحصر، غياب الاستقرار الداخلي وانتشار الحروب والاضطرابات السياسية والفتن الدينية والمذهبية , وغياب القانون ومؤسساته وفقدان الخدمات ومصادر الدخل ,وانتشار الفساد والجريمة, وانهيار الاقتصاد وغيرها من الأمثلة.
وقد وصف عالم النفس الشهير “أبراهام ماسلو” الفرد المصاب بانعدام الأمن بأنه “شخص يرى العالم كغابة مليئة بالتهديدات، معظم البشر فيها أنانيون وخطيرون، فيشعر أنه مرفوض ومقصي ومعزول ، مما يجعله قلقًا وعدائيًا ، ويمتاز بالتوتر والضيق والعصبية ، مع الميل للتقوقع على ذاته والابتعاد عن محيطة الاجتماعي, والشعور بعقدة النقص مهما كانت مكانته المجتمعية.
وتكمن خطورة عقدة النقص , عند المصابين بانعدام الامن , في لجوء البعض منهم الى تطوير عقدة التفوق ,من خلال التنمر على الاخرين في محيطة الوظيفي او البيئي, وانتهاك حقوقهم او التعدي عليهم, خاصة اذا كان ذو سلطة او نفوذ ,لإظهار تفوقه وتجاوز شعور النقص والدونية التي استوطنه عقله.
ان حالة الصراع والتوتر التي مر بها شعبنا منذ قيام الوحدة عام 1990م وحتى اليوم , قد ادة في مجملها, إلى خلق قلق عصابي وشعور بانعدامٍ لأمان النفسي بين أفراد جيلٍ كامل , تحول مع الوقت شيئًا فشيئًا إلى أسلوب حياة يتعايشون معه بكل علاته دون ادراك مخاطرة .
وقد عملت الأحداث المتتابعة , وسياسات القمع والقهر الاجتماعي الناتجة عنها ,جنبًا إلى جنب مع القوالب والقواعد الاجتماعية والسياسية والدينية غير السوية ,على خلق أجيال كاملة تترنح بين انعدام الأمان وغياب الراحة النفسية حيال الأوضاع الحاليّة والمستقبلية، نظرًا لأن الخيارات التي تقدمها السلطة والمجتمع ، خيارات محدودة ليس فيها ما هو جيد أو مستقر او مطمئن لهم, وإنما مجرد وهم وحلول ترقيعيه ترحلهم من واقع معلوم الى واقع مجهول.
وتميزت هذه المرحلة اجمالاً بإيلام وعسف واضطهاد للكثير من ابناء شعبنا, نتيجة لتعرضهم للأذى والخوف المستمر من بني جلدتهم , حيث فقد الكثير منهم على اثرها اقاربهم واصدقائهم, والبعض نهبت ممتلكاتهم وصودرت وظائفهم ومصادر دخلهم, فاصبحوا مشردينً ولاجئين ومقصين ومنفيين في داخل الوطن وخارجة .
ومع مرور الزمن حولت ازماتنا الوطنية وصراعتنا المستمرة ,هذا الوضع تدريجياً إلى أسلوب حياة للكثير منا, دون وعي او ادراك , بسبب ما تعرضوا له من صدمات نفسية , وما عانوه ويعانوه من قلق عصابي ناتج عن انعدام الأمان النفسي وفقدان الثقة في الحاضر والمستقبل.
لذا .. نستخلص مما سبق أن اضطرابات القلق وانعدام الأمان العاطفي والنفسي الناتج عن انعدام الامن العام, ليست مجرد مشاكل طبية او نفسية بحتة، وإنما هي اضرار, ناتجة عن اخطاء سياسية وجرائم جنائية , اثرة في مجملها, على نفسية الفرد والجماعة, فخلقت أجيالًا غير مستقرة تعاني التخبط وعدم الثقة بأنفسها وذواتها أو بالآخرين وتخاف الواقع والمستقبل,
ولتخفيف حدة هذه الظاهرة ومعالجتها ,ندعو الجميع سلطة ومجتمع, الى انهاء الفوضى القائمة والعودة الى عمل المؤسسات , وجعل الدستور والقانون لا المزاجية مرجعية لنا , ومن العدالة والمساواة والحرية والتأخي والتراحم, قيماً ثابته في حياتنا , ورد الاعتبار لمن ظلموا ,والحقوق لمن نهبوا وحرموا , وازالت مصطلحات المحسوبية والتهميش والاقصاء والمناطقية, والمذهبية من قاموسنا , وتجريم كل اشكال الابرتايد الحديثة (العنصرية) التي انتشرت في مجتمعنا .
.