كريتر نت – الموقع بوست
تفاوتت ردود الفعل من الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا على تصاعد التوتر الحربي في البحرين الأحمر والعربي، بعد ارتفاع وتيرة الهجمات البحرية التي تشنها جماعة الحوثي على السفن الأمريكية والبريطانية، ورد الدولتين بقصف اليمن، بمبرر استهداف البنية التحتية العسكرية لجماعة الحوثي في المناطق التي تسيطر عليها.
ويأتي الموقف الرسمي المعلن للحكومة اليمنية المدعومة من السعودية والمقيمة فيها على النقيض من موقف جماعة الحوثي، رغم إن الجانبين كان على مقربة من إنجاز اتفاق سياسي يمهد لتسوية شاملة، برعاية أممية، ووساطة قادتها سلطنة عمان، ووافقت عليها السعودية، وكانت ملامحها قد بدت في التشكل.
تأثير السابع من أكتوبر
غير أن أحداث السابع من أكتوبر في فلسطين، والحرب التي شنتها إسرائيل ولاتزال على قطاع غزة، فرضت معطيات جديدة، على المنطقة برمتها، وعلى اليمن بشكل خاص، ومن هنا بدأت ملامح الافتراق والتقاطع تتسع مجددا بين الحوثيين والحكومة اليمنية، فالطرف الأول سارع لتأييد ومباركة عملية طوفان الأقصى، فيما كانت ردة فعل الطرف الثاني المعلنة متأخرة، ثم أعلنت الحكومة عن طريق وزارة الخارجية إدانة ما يجري من اعتداءات إسرائيلية على الفلسطينيين، بعد تصاعد موجة الغضب على مستوى الرأي العام عربيا ودوليا.
وجاءت هجمات الحوثيين الأولى على إسرائيل، وما تلاها من هجمات على السفن التجارية في باب المندب، لتضاعف وتعزز من حالة التباين في موقف الجانبين، فالحوثيين قدموا مبررات أفعالهم بأنها نصرة لمدينة غزة، وما تتعرض له من هجمات وحشية، فيما لاذت الحكومة اليمنية بالصمت لفترة، ثم أدانت ما تفعله جماعة الحوثي، واعتبرتها أعمال تصعيدية تسيء لليمن، وللملاحة الدولية، وللقضية الفلسطينية نفسها.
الموقف الحكومي ازداد جرأة مع دخول أمريكا وبريطانيا على خط المواجهة مع جماعة الحوثي، واتخاذ الدولتين – معاً أو على حدة – خطوات ضد الحوثيين، كتصنيفهم منظمة إرهابية، أو فرض عقوبات على قيادات عسكرية، أو شن غارات مشتركة على أهداف للجماعة داخل اليمن، وصلت حتى كتابة هذه المادة إلى عشر هجمات، في أوقات متفرقة، منذ الثاني عشر من يناير الجاري.
تعتبر الحكومة اليمنية أفعال جماعة الحوثي وموقفها من فلسطين، وهجماتها على السفن بأنها جزء من محور المقاومة التابع لإيران في المنطقة، وهو موقف ينسجم مع الرؤية السعودية السابقة للحوثيين، والتي لم تعد حاليا قائمة في اللغة الدبلوماسية والإعلامية للرياض، بعد التقارب بين الدولتين مؤخرا، وعودة العلاقات الدبلوماسية بينهما، فيما ظلت نظرة الحكومة قائمة.
وفي المقابل تبدو جماعة الحوثي أكثر ترفعا هذه المرة في الرد والتعليق على موقف الحكومة اليمنية من هجماتها ومناصرتها لغزة، وتمضي في السياق الذي وضعت نفسها فيه، ولم تندد بالموقف الحكومي، كما كانت تفعل في السابق، بل وتردد قياداتها بأن التصعيد الذي تقوده الجماعة في البحرين الأحمر والعربي لا يمكنه أن يؤثر على السلام، ولا على العلاقة مع السعودية، التي كانت قد تحسنت قبيل أحداث السابع من أكتوبر، ووصلت حد لقاء قيادات الجماعة بوزير الدفاع السعودي خالد بن سلمان في الرياض.
ويبدو الاتفاق بين الجانبين متطابقا في النظر لما تفعله إسرائيل بأنه اعتداء على الشعب الفلسطيني، والمطالبة بدولة مستقلة للفلسطينيين، وهو الموقف اليمني الرسمي المعلن منذ عقود، لكن أوجه الاختلاف في تشعباتها كثيرة، وتداخلت لاحقا مع الاحتقان الدولي، والتطورات البحرية.
غير أن ما يمكن استنتاجه هنا أن الأحداث الأخيرة في فلسطين قد عززت الانقسام بين الطرفين الرئيسين في اليمن – الحوثيين والحكومة اليمنية، وأذابت وربما جمدت فرص السلام والتوافق، وأبانت عن ارتهان الطرفين تبعا للمحرك الخارجي، ففي حين يأتي موقف الحوثيين منسجما مع التوجهات الإيرانية، ومتزامنا مع تصعيد للفصائل الشيعية في العراق ولبنان ضد المصالح الأمريكية الإسرائيلية، يأتي أيضا موقف الحكومة اليمنية متسقا مع الموقف السعودي، ولعل أبرز المؤشرات في هذا الجانب أن تحركات رئيس وأعضاء مجلس القيادة الرئاسي تتم في الرياض، حيث يقيم رئيس المجلس رشاد العليمي، وقيادات في الحكومة.
لكن المتابع للمشهد اليمني يدرك بوضوح ملامح التعامل الذي تبديه الحكومة اليمنية مع الهجمات في البحر الأحمر، والتي تتصاعد يوما بعد آخر، لتفرض نفسها كتحد دولي، مدفوع بحرب عسكرية، واحتشاد للقوى الدولية، وجدت نفسها غارقة في مياه اليمن، وقرب سواحلها.
الجانب العسكري
لم يصدر أي تحرك عسكري رسمي للحكومة اليمنية إزاء تصعيد جماعة الحوثي في البحر الأحمر، وإصرارها على موقفها من أحداث غزة، ولم يصدر عنها أي مؤشرات توحي بالتصدي للحوثيين، وكان المجلس الانتقالي كأحد مكونات الحكومة اليمنية الوحيد الذي سعى لانتهاز الفرصة، وعرض خدماته على المجتمع الدولي، مطالبا بالدعم العسكري لحماية الملاحة البحرية في مضيق باب المندب، ولكن في إطار أجندته الانفصالية، وليس ضمن منظومة الحكومة اليمنية.
غير أن طول أمد الصراع البحري في سواحل اليمن بين الولايات المتحدة وحلفائها وجماعة الحوثي دفع بالطرف الأول للتحرك في عدة اتجاهات، وكان الانفتاح على الحكومة اليمنية أحد أبرز انعكاسات ذلك الصراع، وكان الجانب العسكري واحدا من مجالات الاهتمامات العديدة، التي بدأ الاهتمام بها مؤخرا.
تجلى ذلك في لقاءات سفراء أجانب على علاقة بالتحالف البحري الذي تقوده واشنطن ضد جماعة الحوثي في اليمن، إما بقيادات في الحكومة اليمنية، أو بقيادة وزارة الدفاع، وهي محور الحديث هنا.
ففي السابع والعشرين من نوفمبر الماضي التقى وزير الدفاع الفريق الركن محسن الداعري كلا على حدة سفراء الدولتين الأبرز في التحالف الدولي بالبحر الأحمر، وهما أمريكا وبريطانيا، ومن الواضح أن اللقاء كان ذا طبيعية عسكرية بحتة، إذ أنه لم ينحصر فقط على السفراء بالدولتين، بل على الملحقين العسكريين، إذ التقى الداعري سفير الولايات المتحدة لدى اليمن ستيفن فاجن، والملحق العسكري ستيورس بيبلز، والسفيرة البريطانية لدى اليمن عبدة شريف والملحق العسكري جوناثان فريم.
اللقاءات وفقا لوكالة سبأ الحكومية تطرق لتطورات الأوضاع في اليمن، وتهديد جماعة الحوثي لطرق الملاحة البحرية، وخطوط امداد الطاقة العالمي من خلال – ما وصفتها الوكالة الرسمية – أعمال القرصنة واستهداف السفن.
تكرر الأمر في لقاء وزير الدفاع بالسفيرة الهولندية لدى اليمن جين جورجيت سيبن، التي التقاها في عدن وناقش معها وفقا لوكالة سبا الحكومية التهديدات الارهابية الحوثية على طرق الملاحة في البحر الاحمر وباب المندب ومحاولة استغلال العواطف تجاه القضية الفلسطينية العادلة لتنفيذ اجندة ايران في هذا المكان الاستراتيجي من العالم.
خلال هذا اللقاء توجه الداعري باللوم لمن وصفهم بالأشقاء والأصدقاء على عدم الاكتراث بتحذير الحكومة اليمنية من خطورة جماعة الحوثي على الملاحة، وطالب بضرورة دعم الشرعية اليمنية وقواتها المسلحة لهزيمة الحوثيين، وفرض الأمن والاستقرار في اليمن، وهو ما سينعكس على أمن المنطقة والعالم، وفق تعبيره.
اللقاءات الدبلوماسية مع قيادة وزارة الدفاع أعقبها اجتماع موسع لرؤساء الهيئات وقادة المناطق العسكرية ومدراء دوائر وزارة الدفاع في الثالث عشر من نوفمبر الماضي بمدينة عدن، ودعا فيه وزير الدفاع لرفع الجاهزية والاستعداد لأي طارئ في ظل تصعيد الحوثيين، فيما أكد رئيس هيئة الأركان العامة قائد العمليات المشتركة الفريق الركن صغير بن عزيز الذي شارك اللقاء باتصال مرئي على ضرورة دعم القوات المسلحة لاستكمال التحرير وإعادة الاستقرار.
لقاءات دبلوماسية
اللقاءات الدبلوماسية نشطت هي الأخرى مؤخرا بشكل مكثف، عقب التوتر في البحر الأحمر، وزادت عملية الانفتاح للسفراء، خاصة الدول المنخرطة في التحالف البحري مع الحكومة اليمنية، ونشطت بوتيرة أعلى بعد قرار الإدارة الأمريكية تصنيف جماعة الحوثي كمنظمة إرهابية.
اللقاءات شملت لقاء رئيس مجلس القيادة رشاد العليمي على حدة سفراء أمريكا وبريطانيا استراليا ونيوزلندا، وهي الدول المنخرطة في التحالف العسكري المهاجم في اليمن، بالإضافة للقائه السفير المصري لدى اليمن، كما ناقش طارق صالح، الذي يقيم في الساحل الغربي القريب من خط المواجهة مع السفير الأمريكي باتصال مرئي الوضع في باب المندب، وتكررت اللقاءات مع وزير الخارجية أحمد عوض بن مبارك، الذي أوضح موقف اليمن مما يجري في باب المندب خلال مشاركته في قمة الجنوب الثالثة لمجموعة السبعة والسبعين والصين المنعقدة في العاصمة الاوغندية كامبالا، بالإضافة للقاء رئيس الحكومة للسفيرة البريطانية التي نشطت مؤخرا في لقاءاتها مع الجانب الحكومي.
تعكس هذه اللقاءات كيف أن الدول الخارجية بدأت تعيد الاهتمام بالحكومة اليمنية، وتحاول بعث الحياة في جسدها من جديد، وتهيئتها ربما لأحداث قادمة، ورفعها لتصبح في موقع الند لجماعة الحوثي، وهي عملية إذا واصلتها تلك الدول فمن شأنها أن تمثل لها ذراعا محليا في مواجهة الحوثيين، بدلا من الحضور والانخراط المباشر معهم.
وتتلاقى هنا أهداف الطرفين، فبالنسبة لتلك الدول فسيكون هذا الأمر أقل كلفة مادية وبشرية عليها، ويبعدها عن المواجهة المباشرة، خاصة أمام شعوبها، وسيبدو الأمر كشأن يمني أكثر، وبالنسبة للحكومة اليمنية فترى بالأمر فرصة لدفع المجتمع الدولي لتعزيز حضورها ومساعدتها في التخلص من خصم عنيد ومتصلب وأساسي كجماعة الحوثي، خصوصا بعد التواطؤ الذي ظهر به المجتمع الدولي طوال السنوات الماضية في تعامله الرخو مع الحوثيين.
الموقف الحكومي الرسمي
التعامل الحكومي مع التوتر في البحر الأحمر يبرز أيضا في موقف الحكومة اليمنية من تلك الأحداث منذ بدايتها، وصفت الحكومة ما تفعله جماعة الحوثي بـ مغامرة إيرانية، واتهمت الحوثيين بتهديد الملاحة الدولية وجر البلاد لصراع عسكري، ومضاعفة الأعباء على الحكومة، وفقا لما جاء في بيان للحكومة اليمنية، فيما اعتبر عضو المجلس عيدروس الزبيدي ما يجري في البحر الأحمر مهمة دولية، وخرج مجلس القيادة الرئاسي في أحد اجتماعاته للتأكيد على حماية الملاحة الدولية، وتحميل الحوثي المسؤولية، وهي إشارة ضمنية لموافقة المجلس على التصعيد العسكري لواشنطن ضد جماعة الحوثي.
الرؤية الحكومية لعمليات الحوثيين تنطلق من اعتبارها المسؤولة في تعزيز أمن وسلامة البحر الأحمر، وتنظر لدور الحوثيين بأنه ارتهان للنظام الإيراني، ومواجهة عسكرية لأغراض دعائية، ولا علاقة لها بما يجري في فلسطين.
ووصل الاهتمام الحكومي بتصعيد الحوثيين ذروته على مستوى مجلس القيادة الرئاسي الذي عقد لقاء بكافة أعضاءه، وندد بما وصفه مواصلة جماعة الحوثي استثمار القضية الفلسطينية العادلة، وسردياتها المضللة، معتبرا أن هجماتها ساهمت في المتغيرات المتعلقة بتقلبات أسعار الصرف، والاجراءات الكفيلة بتحقيق الاستقرار النسبي لسعر العملة، والسلع الاساسية وزيادة المعاناة الإنسانية.
وكما أسلفنا أعلاه فقد انتهزت الحكومة الفرصة للفت أنظار المجتمع الدولي لدعمها، وتعزيز مكانتها لاستعادة ما تصفه بمؤسسات الشرعية الدولية، وحملته المسؤولية في المساهمة ببقاء وتعزيز سيطرة الحوثيين وتشجيعهم لارتكاب المزيد من الأعمال العدائية، وفقا لبيان صادر عن الحكومة اليمنية، ونشرته الوكالة الحكومية “سبأ”.
وهذا الرؤية الحكومية في تحميل المجتمع الدولي المسؤولية في التساهل مع الحوثيين تكرر من أكثر مناسبة، ومن أكثر من قيادات حكومية، وهي تطور ملفت في مكاشفة المجتمع الدولي، وتنفيس عن الخذلان الذي تعرضت له الحكومة في وقت سابق، وفضلت ابتلاعه بصمت.
تأييد الغارات
بالنسبة للموقف الحكومي في تأييد الغارات والهجمات الأمريكية البريطانية، فلم يصدر عن الحكومة أو مجلس القيادة ما يعكس تأييدهم الواضح لتلك الغارات، لكن اللقاءات مع سفراء الدول المنخرطة في العمليات العسكرية ضد الحوثيين، توحي بالموافقة الضمنية على الهجمات المتكررة التي تضرب أهدافا ومواقع عسكرية لجماعة الحوثي، في المناطق الخاضعة لسيطرتها.
غير أن الموقف العام من تلك الغارات يمكن استنتاجه من إشادة مجلس القيادة الرئاسي بما وصفه بوحدة المجتمع الدولي ازاء الملف اليمني، وموقفه الموحد ضد التهديدات الخطيرة لحرية التجارة العالمية.
وفي كل الأحوال فالصمت هي السمة السائدة والموقف الواضح من مجلس القيادة الرئاسي تجاه التدخل الخارجي، وكما هو معلوم فإن تلك الهجمات الخارجية لا يمكن أن تأتي دون موافقة المجلس، خاصة أنه يقدم نفسه الممثل الشرعي لليمن أمام المجتمع الدولي، ويرى فيها فرصة لإعادة تقديم نفسه من جديد.
أزمة طارئة
في اجتماع مجلس القيادة الرئاسي يوم الـ21 من يناير الجاري بالرياض نشرت وكالة “سبأ” الحكومية خبر اجتماع أعضاء المجلس، وورد في الخبر أن المجلس وجه باعتماد “الموجهات السياسية، والدبلوماسية والاعلامية لإدارة الازمة الطارئة”، ومواجهة تضليل المليشيات الارهابية، ومزاعمها الدعائية على كافة المستويات.
لم ينشر الإعلام الرسمي لاحقا أي تفاصيل عن إدارة الأزمة الطارئة، ولكن الفقرة كانت ملفتة، وتعكس توجها حكوميا في هذا الجانب، وموجهات في ثلاثة محاور هي السياسية والدبلوماسية والإعلامية.
لكن التأكيد على تلك الموجهات تكرر في اجتماع الحكومة الأسبوعي المنعقد في الـ27 من يناير الجاري بعدن، وقالت وكالة “سبأ” الحكومية إن المجلس تدارس الموجهات السياسية، والدبلوماسية والاعلامية لإدارة الازمة الطارئة”.
مفردات الخطاب الإعلامي الرسمي تشير إلى أن تلك الموجهات جاءت بناء على قرارات من رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي، وتوجيهاته، وأنها تركز على الجانب الإعلامي الدعائي، وربما تسويق وجهة نظر الحكومة تجاه الحوثيين، بالتزامن مع الانفتاح الدولي على اليمن.
ولم تتضح بعد ملامح تلك الموجهات، في الإعلام الرسمي، أو الموازي الداعم للحكومة، وظهرت بعض المواد في موقع وكالة “سبأ” الحكومي، على غير العادة، كتقارير صحفية لصحفيين من خارج الطاقم الوظيفي للوكالة، وعلى غير العادة في تغطيتها الصحفية الرسمية البحتة.
ومن الوارد في هذا السياق، وكترجمة لتلك الموجهات ظهور رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي في لقاء مع مراسلي وسائل الاعلام، ووكالات الانباء الدولية بالعاصمة السعودية الرياض، قدم لهم فيه شرحا عن التطورات في اليمن، ووجهة النظر الحكومية، حول هجمات الحوثيين، وتأثيراتها، ورؤيتها للسلام في اليمن، رابطا ذلك بإيران، مرددا ذات النصوص التي وردت في تغطية الإعلام الرسمية عن “الموجهات والأزمة” باعتبارها تهدف لتصويب السرديات المتعلقة بالمستجدات الراهنة.
لا يمكن نكران مستوى الأداء الإعلامي الرسمي للحكومة، طوال العقد الماضي، والذي يتسم بالجمود، وعدم الفاعلية، لمختلف وسائله الإلكترونية والمطبوعة والتلفزيونية، وعدم الارتقاء لمستوى التحديات واللحظة، وذلك بفعل أسباب عديدة لعل أبرزها عدم إيلاء الاهتمام المناسب والكافي للعاملين في هذا الحقل، وكذلك حالة الاستقطاب الحادة المبنية على معايير غير مهنية أو قانونية للطواقم الإعلامية، ثم الانقسام والتشظي الذي يهيمن على الأطراف المنضوية في إطار الحكومة ومجلس القيادة الرئاسي، وغياب السقف الجامع لها في خدمة مجلس القيادة وأجندته رغم كثرتها، وتركيزها على خدمة الطرف الذي يمتلكها، وتبعيتها المطلقة لتوجهاته، وتقاطعها المتعدد مع بعضها البعض.
“الموقع بوست” حاول التواصل مع جهات حكومية متعددة لمعرفة طبيعة تلك الموجهات، لكنها تحفظت عن الرد، فيما اكتفى بعضها بالتعليق بعدم معرفته بوجودها إلا من النصوص الخبرية المنشورة في الإعلام الحكومي.
أفق الوضع المستقبلي
من الواضح أن الحكومة اليمنية تنتهز التطورات الجارية في البحر الأحمر بين الحوثيين والولايات المتحدة وبريطانيا لإعادة ترتيب صفوفها، وأوراقها، واستدراك ما عجزت عنه خلال الفترة الماضية، وهي فرصة مواتية ستمكنها من النجاح في حال تغلبت على الانقسامات والتشظي المهيمنة على أطرافها، واستمر المجتمع الدولي في الخيار العسكري.
لكن النجاح لن يكتب لها فيما لو لجأ المجتمع الدولي للمفاوضات مع جماعة الحوثي، وتوصل معها لتفاهمات، تمكنها من تعزيز سيطرتها على اليمن، مقابل التوقف عن ضرب السفن في البحرين الأحمر والعربي، خاصة مع انفتاح باب الوساطات الدولية التي بدأت بالتحرك، وتتمثل بطلب أمريكا من الصين التحرك لدى إيران للضغط على الحوثيين، ووقف تصعيدهم العسكري، وكذلك دخول روسيا على الخط، ولقائها بقيادات الحوثيين، وبحثها التصعيد البحري معهم.
وتشكل التطورات في البحر الأحمر فرصة للحكومة في تعزيز حضورها، والحصول على دعم دولي لبسط سيطرتها في مواجهة الحوثيين، مثلما تشكل ذات التطورات للحوثيين فرصة لتقديم نفسهم للمجتمع الدولي كطرف أقوى في اليمن.
والأمر ذاته يمثل فرصة لإيران لفرض نفسها كطرف إقليمي مؤثر من خلال الحوثيين، ومثله وضع الصين وروسيا اللتان تسعيان للعب دور في الشرق الأوسط، يساهم في تهدئة الأوضاع، مقابل تحقيق استحقاقات من دول الغرب، في أوكرانيا بالنسبة لروسيا، وفي تايوان بالنسبة للصين.