فتحي أحمد
تصريحات جون بايدن الرئيس الأمريكي حول نيته الاعتراف بالدولة الفلسطينية في غضون الشهور المقبلة أثارت جدلا واسعا. قبل عدة شهور قال توماس فريدمان الصحافي الأميركي البارز في صحيفة نيويورك تايمز: لا يساورني شك في أن بايدن سيُحمِّل الرئيس الإسرائيلي رسالة مفادها أنه عندما تكبر الهوة بين مصالح وقيم حكومة أميركية وأخرى إسرائيلية، فإن إعادة تقييم العلاقة بين البلدين تصبح أمرا لا مفر منه.
وأكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، مات ميلر، أن الولايات المتحدة تواصل دعم إقامة دولة فلسطينية مستقلة قائلا “لم يكن هناك أي تغيير في السياسة” من قبل إدارة الرئيس جو بايدن فيما يتعلق بهذا الهدف.
وأضاف “لقد أوضحنا علناً أننا نؤيد إقامة دولة فلسطينية مستقلة. لقد كانت هذه هي سياسة الولايات المتحدة لبعض الوقت. لقد كانت سياسة هذه الإدارة. لقد رأيتم الوزير يتحدث عن ذلك علنًا”.
بصرف النظر عن مدى جدية بايدن وحقيقة الاعتراف بالدولة الفلسطينية، ثمة مقدمات ينبغي على الإدارة الأميركية اتخاذها، وهي أولا وقف الاستيطان بشكل كلي، والتأكيد على كبح جماح المستوطنين الذين يعيثون في الضفة الغربية خرابا ودمارا واعتداء ممنهجا على المزارعين والحقول الزراعية وقلع الأشجار ومصادرة الآلات الزراعية.
لقد سمعنا من الإدارات الأميركية السابقة كثيرا من الوعود، ولكن لم يتحقق شيء منها على الأرض. على سبيل المثال حل الدولتين، وخارطة الطريق، وآخرها ما قام به الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب عندما نقل السفارة الأميركية إلى القدس. وقد شهدت القضية الفلسطينية وقتها تقزيما لم يسبق له نظير، واليوم يتكلم الإعلام عن صفقة أميركية تحمل عنوان عقيدة بايدن ونظرته لحل القضية الفلسطينية وتحجيم إيران. والعالم برمته يترقب ماذا سيتمخض عن بايدن؟
أما عن إسرائيل فحدث ولا حرج.. بنيامين نتنياهو قبل ذلك صرح بأنه منع قيام دولة فلسطينية، وما زال مصرا على ذلك. يقولها علنا لا دولة فلسطينية ولا عودة لحدود 67. وهو يرى في وجود دولة فلسطينية فاصلة بين الأردن وإسرائيل انتهاء للمشروع الصهيوني، وتبخر حلم إسرائيل الكبرى. ولا زال اليمين الديني حتى اليوم يتمسك بتهجير الفلسطينيين وطردهم لتكون إسرائيل دولة يهودية خالصة “حدودكِ يا إسرائيل من الفرات إلى النيل”.
والسؤال الذي يطرح نفسه، هل يجرؤ أي رئيس وزراء إسرائيلي بالتنازل عن الضفة الغربية لصالح الدولة الفلسطينية؟
للإجابة على هذا السؤال، نذكّر بما حصل لرئيس وزراء إسرائيل السابق إسحاق رابين، الذي اغتاله يميني متطرف، لأنه وقّع على اتفاق أوسلو.
إذا، المعضلة ليست في رفض الفكرة من باب المد الصهيوني الذي يريد أن يحقق حلم إسرائيل الكبرى فحسب، بل حتى العلمانيون متشبعون بفكرة أرض الميعاد ومتمسكون برفض الدولة الفلسطينية، والجدار الحديدي لليهودي جابوتنسكي هو خير مثال ودليل على عدم قبول فكرة دولة أخرى إلى جانب إسرائيل. وفكر جابوتنسكي هو الحاضر دائما لدى حكام إسرائيل بمختلف مشاربهم.
إسرائيل ما زالت متمسكة بيهودية الدولة، وهذا بحد ذاته مشكلة أخرى تقف حاجزا منيعا أمام تحقيق حلم الدولة الفلسطينية. وما نشاهده في الداخل الفلسطيني من مضايقات وتعكير صفو الفلسطيني ما هو إلا مقدمات لترحيلهم وإحلال يهود مكانهم.
الولايات المتحدة أمام استحقاق انتخابي خلال الشهور العشرة القادمة، ومن هذه اللحظة بدأ العد العكسي للدعاية الانتخابية. بايدن يريد أن يصطاد عصفورين بحجر واحدة، كسب الناخب اليهودي من جهة، وقد جمّل صورته أمامهم عندما قدم لإسرائيل مهرولا بعد أحداث 7 أكتوبر مقدما دعمه غير المحدود لها. وفي نفس الوقت يريد كسب أصوات الناخبين العرب والمسلمين الذين هددوا بعدم انتخابه في الانتخابات القادمة. بالمختصر، بايدن اليوم يقف على عتبات انتخابات قادمة، فهو يراوغ الكل من أجل تحقيق مصلحته، لكن في المحصلة النهائية لا يوجد لديه عصا سحرية لكي يضغط باتجاه إقامة دولة فلسطينية والشواهد على ذلك كثيرة.
من الفصول المأساوية المظلمة في حرب غزة الراهنة، الانتهاكات والعنف الجنسي ضد النساء. على مدى أشهر الحرب، صدرت تقارير وشهادات وروايات عن حالات عنف واعتقال غير مبرر في الضفة الغربية. وهذا دليل على سكوت العالم وعدم اكتراثه بما يحدث في غزة والضفة الغربية، حيث عجزت الولايات المتحدة عن منع تغول إسرائيل في قتل الأبرياء.
وفي تقديري، سوف تعجز عن الاعتراف الشفهي أو المكتوب بالدولة الفلسطينية، وإذا تحقق ذلك يبقى الاعتراف مجرد حبر على ورق.
المصدر : “العرب” اللندنية