كريتر نت – متابعات
في الوقت الذي لم تحسم فيه إسرائيل حملتها العسكرية على حركة حماس في قطاع غزة، لا يزال يتعين على تل أبيب أيضا مواجهة صراع سياسي طويل الأمد ضد حماس.
ويسعى المفاوضون إلى التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل، والذي من شأنه أن يسهل إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين والسجناء الفلسطينيين إلى جانب زيادة المساعدات الإنسانية، لكن التوصل إلى نهاية حقيقية للحرب يظل بعيد المنال. وتصر إسرائيل على مطالبها الأولية بعد السابع من أكتوبر بتفكيك حكم حماس وقدراتها العسكرية بشكل كامل إلى جانب إعادة الرهائن، في حين تدعو حماس إلى اتفاق من ثلاث مراحل (45 يوما لكل منها) تنسحب خلاله إسرائيل من قطاع غزة وتطلق سراح 1500 أسير فلسطيني.
وتقول الباحثة في الشؤون الإسرائيلية نيومي نيومان في تقرير نشره معهد واشنطن إنه لا يعرف الغرباء سوى معلومات منقوصة عن علاقات القوة داخل حماس وما قد تقبله مختلف الأطراف. ومع ذلك، هناك الكثير من الأدلة التي تشير إلى وجود توترات بين قيادتها في غزة، بقيادة يحيى السنوار، وقيادتها السياسية الخارجية، ممثلة بخالد مشعل في قطر. وتضيف نيومان أن إسماعيل هنية، الذي حل محل مشعل كرئيس للمكتب السياسي لحماس في عام 2017 وانتقل إلى الدوحة، لا يزال مخلصا للسنوار، ويعمل إلى حد ما بمثابة ختم مطاطي له.
وقبل أن تقدم حماس مطالبها الأخيرة، أشارت التقارير إلى أن السنوار يعارض وقف إطلاق النار الكامل في الوقت الحالي، مفضلا الهدنة المؤقتة، التي اعتبرها فرصا لإعادة تنظيم الجناح العسكري للحركة. وعلى النقيض من ذلك، أعلن المسؤولون المقيمون في قطر بالفعل استعدادهم لوقف إطلاق النار والانتقال إلى المحادثات السياسية. وقال حسام بدران، عضو المكتب السياسي لحركة حماس في الدوحة، لصحيفة وول ستريت جورنال “نحن لا نقاتل لمجرد أننا نريد القتال… بل نريد إنشاء دولة فلسطينية في غزة والضفة الغربية والقدس”.
◙ هناك أدلة تشير إلى وجود توترات بين القيادة العسكرية لحماس بقيادة السنوار والقيادة السياسية بقيادة مشعل
وبحسب السنوار، كان من المفترض أن يكون هجوم السابع من أكتوبر الذي قادته حماس بمثابة بداية “المعركة الكبرى” التي تهدف إلى القضاء على إسرائيل. وفي مؤتمر عُقد في غزة في سبتمبر 2021، حيث ناقش كبار أعضاء حماس ومسؤولون فلسطينيون آخرون الدولة الفلسطينية ما بعد “حرب التحرير”، أوضح السنوار وجهات نظره “إن التحرير الكامل لفلسطين من النهر إلى البحر هو جوهر رؤية حماس”.
ولم يكن السنوار ليتوقع حجم النجاحات الأولية التي حققتها حماس، بما في ذلك اختراق السياج الحدودي ومداهمة المستوطنات الإسرائيلية دون التعرض لرد عسكري إسرائيلي سريع، لكن النجاح لم يتحقق على كافة الجبهات. ويبدو أن السنوار كان يعتقد أن التسلل الذي تقوده حماس سيؤدي إلى هجوم متعدد الأبعاد (بحري، جوي، بري) ضد إسرائيل ينضم إليه فلسطينيو الضفة الغربية والقدس الشرقية والعرب الإسرائيليون، والجماعات المتحالفة مثل حزب الله على طول الحدود الشمالية لإسرائيل مع لبنان وهذا لم يحدث.
والفشل الثاني يستلزم استخفاف السنوار بالتضامن الإسرائيلي. ويبدو أنه كان يعتقد أن الأزمة المحيطة باقتراح الإصلاح القضائي من شأنها أن تترجم إلى شلل إسرائيلي أثناء الحرب، بما في ذلك عدم الرغبة في دعم توغل بري طويل الأمد في غزة.
ومع ذلك، يستطيع السنوار أن يدعي إنجازات كبيرة، بما في ذلك التصور في جميع أنحاء الشرق الأوسط وأماكن أخرى بأن حماس ألحقت أضرارا جسيمة بإسرائيل وحصلت على دعم واسع النطاق من الجمهور الإقليمي. وفي هذه العملية، أعاد القضية الفلسطينية إلى المسرح العالمي، بما في ذلك من خلال الإجراءات أمام محكمة العدل الدولية. وفي الوقت الحالي على الأقل، أخرت حماس أيضا التطبيع بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل.
ويخوض السنوار معركة من أجل بقائه الجسدي وكذلك السياسي وهو يدرك أنه إذا عاش على المدى القصير، فإن مستقبله سوف يشمل الاختباء في أنفاق غزة بينما يتجنب الضربات الإسرائيلية الحتمية. وفي الصورة الأوسع، يدرك السنوار بلا شك حجم الدمار في غزة ويعرف أنه معه أو بدونه، سوف تكافح حماس للحفاظ على الحكم بينما تسيطر إسرائيل على تدفقات المساعدات والأمن، والتي تعززها القدرة على ضرب الأهداف. ومع ذلك، في هذه المرحلة، لا يبدو أنه مستعد للوقف الكامل للأعمال العدائية أو للاعتقاد بأن الضمانات الدولية ستضمن بقاءه.
وعلاوة على ذلك، فمن المرجح أنه يشعر بأن الوقت في صالحه من خلال النفوذ الذي يوفره الرهائن المتبقون. وقد يعتقد أيضا أن أي تأخير سيسمح ببذل الجهود لإرهاق المجتمع الإسرائيلي بشكل أكبر: من خلال الهجمات التي تقودها حماس على الجنود الإسرائيليين، وإطلاق الصواريخ وما يرتبط بذلك من تأخير في عودة السكان إلى منطقة حدود غزة، وتعميق المناقشات الإسرائيلية الداخلية حول الرهائن وإلحاق أضرار بالاقتصاد الإسرائيلي.
◙ السنوار أظهر ميلا منخفضا للتسوية ويبدو مستعدا لقبول الموت بسبب المنفى في الخارج وهي النتيجة التي تتعارض مع مبادئ حماس ومبادئه
وأظهر السنوار ميلا منخفضا للتوصل إلى تسوية، ويبدو مستعدا لقبول الموت بسبب المنفى في الخارج، وهي النتيجة التي تتعارض مع مبادئ حماس ومبادئه. وعلى المدى القصير، ولأنه ينظر إلى الرهائن باعتبارهم بوليصة تأمين له، فإنه لن يبدي أي اهتمام بإطلاق سراحهم جميعا، على الأقل ليس بسرعة.
وفي حين يشترك السنوار ومشعل في هدف إقامة دولة فلسطينية إسلامية من نهر الأردن إلى البحر المتوسط، فإن وسائلهما المفضلة للقيام بذلك كانت مختلفة دائما. ومن الناحية الجيوسياسية، كان مشعل يميل إلى التودد إلى الدول العربية السنية، مبتعدا عن “محور المقاومة” الذي تقوده إيران الشيعية، في حين ينظر السنوار إلى المحور باعتباره عمودا فقريا إستراتيجيا وشريكا كاملا في الحرب ضد إسرائيل.
وعلاوة على ذلك، يختلف مشعل عن السنوار في اعتقاده بأن المقاومة يمكن أن تتخذ أشكالا عديدة، وليس العنف فقط. ومثل السنوار، لم يُظهر مشعل أي ميل لقبول حل الدولتين أو حق إسرائيل في الوجود، لكن المسؤول المقيم في الدوحة يعلم أنه يجب عليه الإشارة إلى استعداده للتفاوض في سياق الحرب الحالية، خاصة في ظل الدمار في غزة والهجمات المستمرة.
وهو يدرك أيضا أنه إذا لم تظهر حماس على الأقل مظهرا من المرونة، فقد تفقد الجماعة قدرتها على المساومة في “اليوم التالي”. وعلى الصعيد الداخلي، يعترف مشعل بأن دخول مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، والمشاركة في الانتخابات، قد يسمح لحماس بالبقاء في مرحلة ما بعد الحرب ويعزز موقفها في ما يتعلق بالهيمنة الوطنية على المدى الطويل. وعلى هذه الخلفية، يسعى مشعل، مثل غيره من قادة حماس الخارجيين، إلى إنهاء الحملة العسكرية مع توجيه الحركة إلى مسار سياسي من شأنه أن يسهل حكمها المستقبلي في غزة وفي الضفة الغربية لاحقا.
وربما تستكشف قيادة حماس الخارجية خيارات ما بعد الحرب للجماعة، بما في ذلك تشكيل حكومة وحدة وطنية مع فتح، أو الانتقال إلى قيادة “تكنوقراط” بمشاركة هادئة من حماس، أو حتى الانضمام إلى منظمة التحرير الفلسطينية تحت اسم مختلف مع الحفاظ على العمليات المستقلة لجناحها العسكري. ومن جانبه، قد ينظر السنوار إلى حزب الله كنموذج للحفاظ على القدرات العسكرية في غياب دور الحكم الذي اضطلعت به الجماعة فعليا في غزة منذ عام 2006.