كريتر نت – متابعات
أثار قرار الرئيس الأميركي جو بايدن ببناء ميناء مؤقت على ساحل قطاع غزة التساؤلات بشأن الهدف منه، هل هو فعلا يهدف إلى إيصال المساعدات عن طريق البحر بسبب صعوبات مرورها عبر البرّ ومحدودية الفاعلية لدى إسقاطها من الجو، أم أن وراء هذه الخطوة أهدافا خفية منها إخراج المصريين من أهم دور لهم كبوابة برية للقطاع وسحب ورقة عبور المساعدات وسفر الجرحى من بين أيديهم، وتهجير سكان غزة.
ويكمن الهدف الظاهر من الخطوة في رفع الضغط السياسي عن بايدن بملف الوضع الإنساني في ظل انتقادات وضغوط مختلفة وخاصة من الحزب الديمقراطي لإقناع الحليفة المقربة إسرائيل ببذل المزيد من الجهد للسماح بدخول إمدادات الإغاثة.
وتصب المبادرة أيضا في صالح إسرائيل، حيث ستخفّف من الانتقادات الموجهة لحملتها العسكرية وتجاهلها واقع المجاعة الذي يعيشه المدنيون، وخاصة بعد ما بات يعرف بمجزرة “الإغاثة” بعد الهجوم على المئات من المتزاحمين للحصول على المعونات ما أدّى إلى مقتل وجرح العشرات.
وقد يجد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في الإشراف الأميركي على إدخال المساعدات فرصة مواتية للتشدد في المفاوضات مع حماس بشأن الهدنة مع تراجع الضغوط في حال نجحت المبادرة الأميركية في توزيع للمساعدات يشمل المناطق والمخيمات التي يتمركز فيها اللاجئون.
◙ حماس لن ترفض الميناء حتى لا تبدو ضد حصول الغزيين على المساعدات، لكنها ستثير حوله الكثير من التساؤلات والشكوك
وتقول إسرائيل إنها “تدعم تماما إقامة رصيف مؤقت” ووعدت “بتعاون كامل بين الطرفين”. وأعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية ليئور حياة عبر منصة إكس أن هذه المبادرة “ستمكن من زيادة المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، بعد إجراء عمليات تفتيش أمنية وفقا للمعايير الإسرائيلية”.
ومن دون شك، فإن مصر ستكون من ضمن المنزعجين من فكرة الميناء الأميركي المؤقت على سواحل غزة لأنها تعني سحب ملف المساعدات من القاهرة، وهو ملف حوّلها إلى وجهة يومية للزيارات الإقليمية والدولية، وأظهرها في صورة من يحرص على إنجاد سكان القطاع وحققت من وراء ذلك مكاسب سياسية منها تحسين صورة النظام وقطع الطريق على محاولات توظيف حرب غزة لتشويهه أو الضغط عليه بتحريك الشارع.
صحيح أن نقل المساعدات إلى الإشراف الأميركي سيخلّص القاهرة من اتهامات بالتقصير أو الرضوخ للضغوط الإسرائيلية، وهي اتهامات جاءت على ألسنة عدة منها الرئيس الأميركي نفسه الذي قال إن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي لم يكن متحمسا لفتح معبر رفح وإنه هو من أقنعه. لكن الأسوأ أنه يهمّش دورها في ملف غزة بشكل كلي.
ورغم أن حماس لم تصدر موقفا واضحا من المبادرة إلى حين وقت صدور الصحيفة، إلا أن إنشاء ميناء لحل الأزمة الإنسانية الخانقة، ولو جزئيا، لن يكون في صالحها. وراهنت الحركة خلال الأسابيع الماضية على أنه مع تقدم الوقت وارتفاع الفاتورة البشرية للحرب وانتشار المجاعة وتكدس اللاجئين في ظروف مأساوية، فإن العالم سيتحرك ضد إسرائيل ويضغط عليها لوقف الحرب.
ويتوقع أن تلجا حماس إلى المناورة في التعامل مع المبادرة الأميركية، فهي لن ترفضها بشكل معلن حتى لا تبدو ضد تسهيل حصول الغزيين على المساعدات ما قد يحرك ضدها موجة أوسع من الاحتجاجات، لكنها ستثير حول فكرة الميناء الكثير من التساؤلات والشكوك.
وضمن الشكوك التي ينتظر أن تركز عليها حماس وأنصارها في المنطقة ما جاء على لسان الخبير الأردني في الشؤون العسكرية والإستراتيجية هشام خريسات الذي قال للأناضول إن “الرصيف العائم على شواطئ غزة ظاهره مساعدات وباطنه هجره طوعية إلى أوروبا”. وأضاف خريسات أن “هذا الميناء التكتيكي العسكري سيلقى مباركة إسرائيلية؛ لأن نتنياهو يتطلع إلى فكرة طرحه منذ بداية الحرب، بهدف التهجير الطوعي للغزيين، والهروب إلى أوروبا”.
ولفت خريسات إلى أن “الشيء المهم هو أن جميع السفن التي ترسل المساعدات الإنسانية لا تذهب إلى الميناء الأميركي بغزة مباشرة، بل ستذهب إلى ميناء أسدود ليتم تدقيقها وفحصها ثم ترسل تحت سيطرة البحرية الإسرائيلية والمسيّرات إلى القطاع الفلسطيني”.
وفي أول تفاعل عملي مع المبادرة الأميركية، أعلن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الجمعة عن افتتاح مرتقب لممر بحري بين قبرص وغزة لنقل المساعدات الإنسانية إلى القطاع، وهو ما يعني أن المبادرة ستمر للتنفيذ ولن تترك لحماس ولا لإسرائيل هامشا للمناورة.
وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين بعد زيارة إلى ميناء مدينة لارنكا بجنوب قبرص “نحن قريبون جدا من فتح هذا الممر، ونأمل أن يحدث ذلك هذا الأحد”.
وجاء في بيان مشترك للجهات المساهمة في الخطة أن “الوضع الإنساني في غزة كارثي (…) ولهذا السبب تعلن المفوضية الأوروبية وألمانيا واليونان وإيطاليا وهولندا وقبرص والإمارات العربية المتحدة والمملكة المتحدة والولايات المتحدة اليوم عزمها على فتح ممر بحري لتوصيل مساعدات إنسانية إضافية تشتد الحاجة إليها”.
وكانت معظم المساعدات تأتي عن طريق البر عبر معبر رفح الحدودي مع مصر، ومنذ ديسمبر عبر معبر كرم أبوسالم مع إسرائيل، إلا أن وتيرة دخولها لا تزال شديدة البطء. واشتكت الأمم المتحدة من عدة عقبات تواجهها في إدخال الإمدادات وتوزيعها، منها إغلاق المعابر والقيود على الحركة والاتصالات وإجراءات الفحص الشاقة واضطرابات وطرق مدمرة وذخائر غير منفجرة.
وفي مسعى لسحب البساط من أمام حماس بشأن أيّ اتهامات حول تمركز عسكري أميركي على سواحل القطاع، وعد بايدن بألا تطأ أيّ قوات أميركية أرض غزة، ولم يتضح إذا ما كانت القوات الإسرائيلية أو قوات أخرى ستوفر الأمن للميناء المؤقت نفسه أو لنقل المساعدات في القطاع.