عمر الرداد
كاتب أردني
رغم أنّ مسارات الحرب بين إسرائيل وحماس تتواصل، وبتركيز واضح على عناوين الأزمة الإنسانية العميقة لسكان غزة، إلا أنّ هذه العناوين غير معزولة عن مسار آخر؛ وهو ما يعرف بـ”مسار اليوم التالي للحرب”، بما فيه من عناوين تجيب على تساؤلات حول من يحكم قطاع غزة، ويدير الشؤون الأمنية والمدنية لمواطنيه.
فقد اصبح واضحاَ أنّ مخططات إسرائيلية تجاه قطاع غزة، سابقة للسابع من أكتوبر تم وضعها موضع التنفيذ، وفي مقدمتها تهجير سكان القطاع إلى سيناء المصرية، وهو ما يمكن معه تفسير ثلاثية” القصف العنيف للمدارس والمستشفيات، ومنع وصول مواد الإغاثة، وتنفيذ تجويع ممنهج لسكان القطاع، وانتشار الأوبئة والأمراض المعدية”.
ومع دخول الحرب شهرها السادس، فإن الإحصائيات التي تصدرها حركة حماس، بالإضافة لمنظمات دولية وعلى راسها “وكالة الأونروا” تقدم أرقاماً مفزعة حول عدد الضحايا، والذي تجاوز 100 ألف بين شهيد وجريح، غالبيتهم من الأطفال والنساء، وتدمير أكثر من 80% من المباني السكنية في مدن القطاع، ما بين تدمير كامل وجزئي، وتحييد القطاعين: الصحي والتعليمي عن العمل، بالتركيز على ضرب المستشفيات، ومدارس وكالة الغوث بحجة استخدامها من قبل حركة حماس، بما في ذلك حفر أنفاق تحتها وفي ساحاتها. ورغم ذلك فإن “الإغاثة” لمواجهة المجاعات أصبحت تداعياتها مؤكدة، لا سيما في النصف الشمالي من القطاع: “مدينة غزة، جباليا، بيت لاهيا وبيت حانون….” وهي تشكل عنواناً للإغاثة المطلوبة.
كثافة الصور المروعة القادمة من قطاع غزة تحولت لعنوان استثمار سياسي من قبل الجهات الفاعلة في الحرب؛ فمن جانبها بنت حركة حماس استراتيجيتها على أساس تضامن عالمي تستفيد منه بفعل تأثير تلك الصور، وهو ما أنتج حالة تضامن عبرت عنها تلك المظاهرات والاعتصامات في العالمين العربي والإسلامي، وفي العواصم العالمية، غير أن هذا التضامن جاء بمستويين: الأول تضامن مع أهالي قطاع غزة ما زالت تشهده عواصم عالمية، والثاني تضامن مع المقاومة وحماس، قادته تيارات قريبة من الممانعة بقيادة جماعة الإخوان المسلمين في بعض الدول العربية والإسلامية.
وبالمقابل تبنت إسرائيل استراتيجية التشكيك بأرقام الضحايا، ومزاعم بالالتزام بقوانين الحرب، وتوجيه اتهامات لحماس باستخدام المدنيين دروعاً بشرية، و”سرقة مساعدات الإغاثة”، في الوقت الذي أكد فيه قياديون من حماس” موسى أبو مرزوق” أن حماية المدنيين ليست مسؤولية حماس، بل هي مسؤولية الأمم المتحدة، أما الولايات المتحدة فقد شكلت الإغاثة وحماية المدنيين عنواناً محرجاً تحاول الخروج منه، بالموازنة بين مطالب بالحفاظ على المدنيين في غزة وتقليل أعداد الضحايا، مع الالتزام بتقديم الدعم السياسي والعسكري لإسرائيل، بما في ذلك القضاء على حركة حماس عسكرياً وسياسياً تنفيذًا لاستراتيجيتها المتضمنة إدارة أزمة الخلافات مع حكومة إسرائيلية يمينية، وتقديم كل الدعم لإسرائيل “الدولة والشعب”.
وترتبط جهود الإغاثة الإنسانية لقطاع غزة، في ظل إحكام السيطرة الإسرائيلية على القطاع، وتحولها إلى ورقة مساومة بيد الإسرائيليين، من خلال التحكم بمراكز العبور البرية في رفح المصرية ومعبر كرم أبو سالم، وعمليات الإنزال للمواد الإغاثية التي بدأها الأردن، وانضمت إليه دول أخرى بما فيها أمريكا، وصولاً إلى انطلاق جهود الإغاثة البحرية، عبر نقل الطعام لسكان غزة من لارنكا القبرصية إلى ميناء عائم قبالة مدينة غزة، بجهود مشتركة لعدد من الدول على رأسها الولايات المتحدة وبريطانيا بالإضافة للإمارات، وتردد مؤخراً أن دولة قطر ستشارك بهذه الجهود.
إن خطورة جهود الإغاثة سواء من البر أو البحر أو عبر الإنزالات الجوية، وتحويلها إلى عنوان رئيس وهدف استراتيجي في هذه المرحلة، وعلى أهميتها في إنقاذ أهالي غزة، أعادت إنتاج مفاهيم خطيرة، تطرح تساؤلات حول الإنجازات الحقيقية لحماس من هذه الحرب، فقد تحولت القضية الفلسطينية من قضية تحرير الأقصى والاستقلال الفلسطيني وإنهاء الاحتلال واقامة الدولة الفلسطينية إلى” وقف العدوان وانسحاب إسرائيل من غزة وعودة النازحين من رفح إلى مدنهم وبيوتهم المدمرة” وهي صورة مكررة لما جرى منذ عام 1948، تستثمرها إسرائيل، بما في ذلك مزاعم أنها لا تمارس تهجيراً قسرياً ضد الفلسطينيين.
وربما لا ترى حماس، في كل ذلك تدميراً للشعب الفلسطيني، لا بل تطرح شروطاً لإنهاء العدوان الإسرائيلي، بمعايير مرتبطة بها فقط، جوهرها النجاح باستمرار سلطتها في غزة، واعتبار سلامتها ونفاذ قيادة جناحها العسكري من الاستهداف الإسرائيلي، عنواناً كافياً لإعلان الانتصار، وهي شروط تحكم استراتيجيات حماس في التوصل إلى هدنة او صفقة، لا يبدو أنها تلوح في الأفق قريباً.
ومن المؤكد أنّ آلية توزيع المساعدات الإغاثية، وما يحيط بها من مواقف وأسرار، تشير إلى أنّ استمرار إمساك حماس بكل السلطة في قطاع غزة أصبح موضع شكوك واسعة وجدية، وهو ما تدركه حماس التي تطمح أن تكون “شريكة” في الحكم، مقابل رفض إسرائيلي يتجاوز الحكومة اليمينية الحالية. ويبدو أن فاعلين جدداً ستكون لهم أدوار في قطاع غزة ، بديلاً لأدوار حركة حماس، وتحديداً من شخصيات وتكتلات تنتمي لحركة فتح، تتفاوت في مواقفها من السلطة الفلسطينية، ربما يساندها حالة “الغضب” لدى قطاعات فاعلة ومؤثرة من الغزيين، من حركة حماس، وإنجازاتها في 6 حروب، منذ استيلائها على السلطة في غزة عام 2007.
نقلاً عن حفريات