طارق أبو السعد
على وقع مناكفات بين أنصار جماعة الإخوان وإعلامي مصري منشق عنها، تعمقت جراح التنظيم المتصدع، وتكشفت حقائق جديدة عن صراعها الداخلي.
وبالنسبة لجماعة تعتمد على مبدأ السمع والطاعة فإن الخلاف حول قمة هرم السلطة يقوض البناء الهرمي للتنظيم.
وكشفت المناوشات بين الإعلامي المنشق حسام الغمري وكوادر الإخوان على شبكات التواصل الاجتماعي على خلفية احتفائه بمسلسل “الحشاشين” الذي يعرض حاليا جانبا من أدوات الصراع العميق داخل صفوفها وأجيالها.
فالجيل الذي يسيطر على الجماعة في الوقت الحالي هم جيل الخمسينيات والستينيات من تلاميذ سيد قطب المتهمين في قضية تنظيم 1965، ويصارعهم على قيادة الجماعة جيل السبعينيات من تلاميذ عمر التلمساني، الذي نجح في تجنيدهم وضمهم للتنظيم في منتصف السبعينيات بعد خروج الإخوان من السجون، فيما يتمزق بين الجبهتين جيل الثمانينيات والتسعينيات الذي تربى في الجماعة وهي مستقرة تنظيميًا وشارك في العمل النقابي والسياسي والإعلامي.
صراع بلا قيم
كما كشفت أن الصراع الدائر بين أجيال الإخوان بلا قيم وبدون أخلاق، فحسب ما جاء في الوثيقة المسربة تعليمات بضرورة تشويه القيادة الإخوانية القديمة وتحميلها فاتورة الفشل الذي لحق بالتنظيم في أكثر ميادين عملها، مستخدمين الإعلام واللجان الإلكترونية التابعة لهم ومجموعات الواتساب والمجموعات على التليغرام.
وكانت الوثيقة وهي تعليمات صادرة للصف الإعلامي بضرورة “الحرق الإعلامي للفريق القديم والإلحاح على وصمه بالفشل، والمطالبة بدعم الصف للنائب (في إشارة للقيادي الإخواني حلمي الجزار) واللجنة المعاونة ومبايعة النائب كوسيلة ضغط على الوجوه القديمة ومحاصرتها وإرساء قواعد جديدة لإدارة العمل تعتمد على الإعلام كوسيلة ضغط على أي قيادة حالية أو مستقبلية”.
وحول الوجه الحقيقي للإخوان داخليًا والذي كشفه الغمري، يرى عمرو عبد المنعم الكاتب والباحث في الجماعات الإسلاموية أن ما نشره الإعلامي المنشق يكشف التعليمات الداخلية التي رافقت محاولات ترتيب الأوضاع داخل جبهة لندن قبل تولي صلاح عبد الحق قيادة الجماعة، ولا تحمل أي مفاجأة في مضمونها، وقيمة التعليمات أنها تؤكد المؤكد من انعدام القيم لدى الصف الإخواني.
وفي تصريح لـ”العين الإخبارية” رأى أن “ما نشره الإعلامي المقرب من الجماعة ليس جديدًا، فقد سبق أن نشره فصيل داخلي ضمن جبهة إبراهيم منير، أما مضمونه فليس جديدًا أيضا، فالتآمر بين أفراد الجماعة جينات متوارث نتيجة تشبعهم بروح المؤامرة وينخرط الفرد الإخواني من مفرق رأسه إلي أخمص قدمه دون أن يشعر بتأنيب ضمير”.
وأوضح عبدالمنعم أن “الخلافات بين أجيال الجماعة لم تعد خافية على أحد، وأن خطة دفع حلمي الجزار لصدارة المشهد كانت تعتمد على محاصرة المجموعة القديمة (التاريخية) وتحميلها فاتورة الفشل كاملة، بخطة إعلامية قوامها شيطنة القطبين مقابل الترويج لحلمي الجزار على أنه المجدد وجامع شعث الجماعة والقادر على إتمام المصالحة بين الجبهات وبين الإخوان والدولة المصرية”.
وأشار الكاتب المصري إلى أنه “منذ تلك اللحظة وهناك صراع وانشقاقات داخل جبهة منير ساعد على إشعالها عناصر قريبة من جبهة محمود حسين من خلف الكواليس لإفساد تولي الجزار مهمة قيادة الجبهة ليظل الخلاف مشتعلًا، فالمجموعة التي تدير جبهة منير هي مجموعة حلمي الجزار والمقربون منه، وهي التي تفرض سياساتها ورؤيتها لخروج الجماعة من أزمتها الحالية”.
ماكينة شائعات
من جانبه، رأى طارق البشبيشي، الكاتب والباحث في الإسلام السياسي، أن الوثيقة تفتح ثلاثة ملفات تكشف طبيعة الجماعة الإرهابية، الأولى أن أدوات الصراع قائمة على الإعلام، والثاني انحطاط القيم الأخلاقية عند عناصر الإخوان في لحظات الصراع، أما الثالث فهو حدود الأجيال داخل الجماعة.
وفي تصريح لـ”العين الإخبارية، أكد أن “أعضاء الجماعة لا يتورعون عن استخدام أي وسيلة متاحة لتحطيم المنافس، وأنهم يستخدمون الإعلام كأداة للصراع وليس لنشر الوعي، فمن الوثيقة يرسمون خطة لنشر الشائعات ضد منافسيهم مستخدمين منصاتهم الإعلامية، وهذه هي حقيقة الإعلام الإخواني.. مجرد ماكينة نشر شائعات، الثاني أن صراعات الإخوان لا تحمل أي قيمة أخلاقية ضد بعضهم البعض وضد قادتهم الذين قاموا بتربيتهم من قبل فهل يتوقع أحد أن يكونوا أكثر أخلاقا مع غيرهم من مخالفيهم”.
وأضاف البشبيشي “أما الملف الثالث فهو صراع الأجيال داخل الإخوان، وهو ما ظل قادة الإخوان ينكرونه وينفونه تماما، وجاءت تلك التعليمات المسربة لتكشف أن الصراع متجذر وقائم ووصل إلى أقصى درجاته”.
متآمرون
ومن جانبه، يقول إبراهيم ربيع القيادي الإخواني السابق إن الجماعة تعاني عدة أشكال من الصراعات نتيجة التربية المغلقة والسرية، التي يتم فيها صياغة الفرد الإخواني ليتحول إلى متآمر بطبعه.
وأوضح في تصريح لـ”العين الإخبارية” أن الجماعة تعاني من أكثر من نوع من الصراعات، فهناك صراع الاستراتيجيات، الذي قسم الجماعة إلى جبهتين الأولى جبهة إسطنبول ويرأسها محمود حسين وتعتمد على استراتيجية الكمون والثبات على هيكلية الجماعة التقليدية إلى أن يتم التفاهم مع السلطات في مصر، أو يتم تغييرها أو الضغط عليها للسماح للجماعة بالعودة للعمل مرة أخرى، أما الثانية فهي جبهة لندن ويديرها حاليًا صلاح عبد الحق خلفًا لمنير إبراهيم نائب المرشد والقائم بالأعمال، والتي تعتمد على استراتيجية التحول لتيار سائل دون تنظيم، ينتشر بين الناس ويجدد الأفكار الإخوانية، ويقلل من مخاوف الناس من الجماعة، إلى أن يشتد عودها فتعيد الهيكلة والتنظيم مرة ثانية”.
وأضاف ربيع: “كما تعاني الجماعة نوعا آخر من الصراعات وهي الصراعات الجهوية، فالتنظيم المصري يتصارع مع أعضاء التنظيم الدولي، والتنظيم المصري يتصارع مع أتباعه في تركيا وأتباعه في الداخل المصري”.
وتابع: “أما الصراع بين القيادات القديمة والجديدة فهو صراع مستمر ويظهر كل فترة، كل هذه الصراعات كانت موجودة ولم يكن يسمع عنها أحد نظرا لاستخدام الجماعة سياسة السرية في تعليماتها للأفراد، وسياسة الإنكار في مواجهة الخلافات والصراعات إلى أن تتفاقم وتنفجر”.
وأحداث مسلسل “الحشاشين” الذي يقوم ببطولته الممثل المصري كريم عبد العزيز، تكشف نهج الجماعات الإرهابية والتكفيرية منذ أيام “الحشاشين”، وتختزل تشابه الأفكار بين حسن الصباح مؤسس هذه الفرقة، وحسن البنا مؤسس جماعة الإخوان.
كما تكشف مبدأ السمع والطاعة الذي يسير على نهجه أنصار الجماعتين الأخطر في العالم، وكيف نجح مؤسس “الحشاشين” في إقناع أتباعه بأفكار خاطئة لتبرير جرائمهم، تماما مثلما فعل البنا مع أتباعه.
المصدر : “العين” الإخبارية