سامح إسماعيل
في 18 تشرين الأول/ أكتوبر الفائت، أعلنت “الجماعة الإسلامية” اللبنانية، الذراع السياسية لـ”الإخوان المسلمين”، قيام “قوات الفجر”، الجناح العسكري التابع للأولى، بتوجيه ضربات صاروخية، استهدفت مواقع إسرائيلية، وقالت إنها حققت فيها إصابات مباشرة. ولفت بيان الجماعة، الذي حمل توقيع الجناح العسكري، إلى أنها تعِد بالمزيد من الرّد على أيّ هجمات قد تطال الجنوب اللبناني.
وفي اليوم التالي، اعتبر رئيس المكتب السياسي لـ”الجماعة الإسلامية” في لبنان، علي أبو ياسين، أن إعلان “قوات الفجر” عن عمليتها في جنوب لبنان، “لا يعني بأن الجماعة في أي محور خارجي” وأضاف، “إن ما تمّ الإعلان عنه هو أمرٌ طبيعي، فقوات الفجر كانت ولا تزال، ولم يتوقف عملها الجهادي والإعدادي”. لافتا إلى أن “قوات الفجر ستبذل ما تستطيعه للقيام بواجبها تجاه أهلها وأرضها ووطنها وأهل غزة”.
الجماعة والظهور المباغت
استمر هذا الظهور المفاجئ لـ”قوات الفجر”، ففي 21 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، حيث قالت إنها وجّهت ضربات صاروخية جديدة ومركّزة، استهدفت مواقع إسرائيلية في الجنوب، وحققت فيها إصابات مباشرة، ردّا على إمعان إسرائيل في مواصلة الهجمات على الجنوب اللبناني، وقصف القرى ومحيطها، واستهداف المدنيين، فضلا عن الضربات المروّعة التي تشنّها على قطاع غزة.
النائب في البرلمان اللبناني عن “الجماعة الإسلامية”، عماد الحوت، قال إن “قوات الفجر” جاهزة للرّد والدفاع عن لبنان، وأنها لم تنتهِ فعليا في الجنوب مع “اتفاق الطائف”، وأنها شاركت في حرب تموز/ يوليو 2006، وأن ما يجري الآن دفع “الجماعة الإسلامية” إلى تنشيط عناصرها المرابطة، رغم وجود فارق كبير بينها وبين “حزب الله” اللبناني، ذلك أن طاقة الأخير العسكرية واسعة. بحسب تصريحاته.
وفي 29 تشرين الأول/ أكتوبر، قامت “قوات الفجر” بتوجيه رشقات صاروخية جديدة ومركّزة، استهدفت مواقع إسرائيلية في محيط كريات شمونة وداخلها في شمال إسرائيل. وقالت الجماعة حينها إن ضرباتها الصاروخية ستستمر وتزداد، “كلما أمعنت إسرائيل وتمادت في عدوانها على جنوب لبنان وقطاع غزة”. وأنها قادرة على توسيع دائرة الرّد.
مفارقات سياسية
يطرح هذا المتغير الجديد جملةً من التساؤلات على مائدة النقاش الدائر؛ حول الوضع السياسي في لبنان، بوصف “الجماعة الإسلامية”، هي الفصيل السُّني الوحيد الذي أعلن عن امتلاكه جناحا عسكريا، على الرغم من قيام الفصائل جميعها، باستثناء “حزب الله”، بتسليم سلاحها عقب “اتفاق الطائف”.
تأتي هذه المفارقة في سياق مفارقة أخرى، ففي بلد تحكم فيه الطائفية توزيع الأدوار، يأتي الإعلان عن إحياء “قوات الفجر” السُّنية، بالتزامن مع التقارب الشديد، الذي يصل حدّ التحالف الاستراتيجي، بينها وبين جماعة “حزب الله” الشيعية الموالية لإيران، بفضل نجاح الجناح الموالي لـ”حزب الله” داخل “الجماعة الإسلامية” في إزاحة خصومه، والسيطرة على القرار داخل التنظيم، في ظل سياسات الأمين العام الجديد، الشيخ محمد طقوش.
هذا المتغير ربما أربك خارطة التحالفات في المنطقة، حيث إن جماعة الإخوان في سوريا، تكن عداءً شديدا لـ”حزب الله”، بداعي تحالفه العسكري مع حكومة دمشق، ما يعني أنه لا وجود في اللحظة الراهنة لما يسمى “وحدة القرار الإخواني”، ونفس الأمر يمكن استشرافه بشكل موازٍ في العراق، في ضوء تحالفات “الحزب الإسلامي” العراقي، مع الأذرع الإيرانية، وخاصة “حزب الله العراقي”.
بالتالي فإن هذه الخارطة المعقّدة؛ تشي بتحولات هيكلية، في منطقة الهامش الاستراتيجي، عبر مستويات متعددة، تحلّلت من خلالها أنماط الارتباطات الأيديولوجية التقليدية، تجاه جملة من التشكيلات الجديدة؛ بفعل التحولات المركزية، التي فكّكت الأُطر التي هيمنت لعقودٍ على طبيعة التحركات السياسية والعسكرية، لتظهر استقطابات ثنائية ذات طبيعة حيوية، ربما تكون منفصلة عن البُنى الأيديولوجية النمطية، لكنها أكثر حرصا على تحقيق مصالحها الآنية.
كذلك، يمكن القول إن هذا الإطار النظري، هو الذي يفسّر طبيعة التحالف “المعقّد”، بين “الجماعة الإسلامية وجماعة حزب الله” في لبنان، وهو تحالف يحقق مصلحة المنخرطينَ فيه، فالجماعة الإسلامية تحاول ترسيخ أقدامها على الأرض، وقد ظفرت أخيرا بمقعد في البرلمان، عبر الارتكاز على قدرات “حزب الله” الهائلة، في ظل انحسار نفوذ الجماعة داخل الإطار السُّني، وبالمثل يحتاج “حزب الله” إلى “محلل سنّي” لتحركاته العسكرية في الجنوب، في ظل رغبته في عدم تطييف معركة الجنوب.
معضلة شائكة
مع انفجار المشهد السياسي والعسكري في الشرق الأوسط، إثر أحداث 7 تشرين الأول/ أكتوبر، كانت كلّ العيون تتجه نحو “حزب الله” اللبناني، ذلك أن أي عمل مماثل من الجنوب اللبناني، يعني ببساطة دخول المنطقة في حرب إقليمية، لا أحد يعلم مداها، وهو ما أعلنت الإدارة الأميركية عن مخاوفها من حدوثة، ومن ثم كانت جولة وزير الخارجية الأميركي، بلينكن إلى المنطقة، حيث التقى قادة كلٍّ من مصر والأردن والسعودية والإمارات والبحرين وقطر؛ بهدف توجيه رسائل جماعية إلى الدول الفاعلة في الإقليم، بأن واشنطن تحذّر من اتساع نطاق الصراع الدائر في قطاع غزة.
وبحسب مصدر سياسي مطّلع في لبنان لموقع “الحل نت”، تلقّى “حزب الله” رسالة أميركية صارمة؛ عبر وسطاء، تحمل هذا المعنى، وهي الرسالة نفسها التي تلقتها طهران عبر وسطاء في الدوحة، وأصبحت طهران، وبالتبعية “حزب الله” أمام معضلة حقيقية، فإيران بوصفها الحاضنة العسكرية التي جرى بداخلها الإعداد والتخطيط لأحداث 7 تشرين الأول/ أكتوبر، وكذا تُعد الحليف السياسي الأهم لحركة “حماس”، باتت مطالبة بضبط النفس أمام المجتمع الدولي، مثلما هي مطالبة عبر ذراعها الميليشياوي في لبنان، بتقديم الدعم لـ”المقاومة الفلسطينية”، وتخفيف الضغط على القطاع، عبر عملية عسكرية في الشمال.
تحركت طهران على مستويين؛ الأول هو استغلال الحرب الدائرة، وانشغال العالم بما يجري من أحداث دموية ساخنة، ومحاولة فرض أمر واقع جديد في جنوبي سوريا ولبنان؛ حيث استطاعت إيران في تحريك أذرعها العسكرية من العراق إلى الجبهة مع إسرائيل، كما استطاعت تحديث ترسانتها العسكرية في دير الزور وريف دمشق والقنيطرة، ونقل مئات من ميليشيا “لواء تحرير الجولان وعصائب أهل الحق” وغيرها إلى الجنوب اللبناني.
وعلى المستوى الثاني، دفعت “حزب الله” إلى ممارسة أنشطة عسكرية خجولة في مزارع شبعا، لذر الرماد في العيون، وإيهام أنصاره بأنه ما زال حريصا على دعم “المقاومة”، والثبات على مبدأ “وحدة الساحات”.
كانت المعضلة الرئيسية أمام “حزب الله”، هي الحفاظ على مقاتليه، وعدم كشف مواقعه أمام إسرائيل، بالتزامن مع التخلي عن الضبط الكلي للنفس، والرّد على الهجمات الإسرائيلية في جنوب لبنان.
لبننة “المقاومة”
مهمة “حزب الله” الرئيسية كانت تبرئة ساحة إيران من التورّط في أي دور عسكري، وممارسة نوع من الواقعية السياسية، يحاول من خلالها “لبننة المقاومة”، وهو المفهوم الذي سيُعلن عن نفسه لاحقا، عبر جملة من المعطيات التي تشي بوجود سيولة عسكرية في الجنوب، في سياق بنية نضالية تنخرط فيها كل الطوائف اللبنانية.
التفتَ “حزب الله” إلى حليفه الجديد، حيث وجد ضالته في “الجماعة الإسلامية” اللبنانية، كظهير سُنّي يمكن توظيف اسمه ضمن معسكر “المقاومة”، بالإضافة إلى تمرير عمليات عسكرية محدودة، وبحذر شديد، لحركتي “حماس والجهاد الإسلامي”، من لبنان.
وعليه، تجلّى الحل السحري في إعادة إحياء قسري لـ”قوات الفجر”، التي تؤكد مصادر مطلعة على الساحة اللبنانية لـ”الحل نت”، أنها غير موجودة على أرض الواقع، وإن كانت موجودة، فهي غير مدرّبة أو مهيأة لتوجيه ضربات صاروخية، أو العمل عسكريا في مناطق نفوذ “حزب الله”.
لم يكن القرار سهلا داخل “الجماعة الإسلامية”، ولاقى خلافا بين قياداتها السياسية، حيث تخوّف عماد الحوت، بحسب مصادر خاصة مطلعة لـ”الحل نت”، من ردة فعل إسرائيل بعد انتهاء القتال في قطاع غزة، لكن تطمينات إيرانية، حملها رئيس المكتب السياسي، علي أبو ياسين، رجّحت كفة الجناح المؤيد لاستخدام اسم “الجماعة الإسلامية”، وتحمّلها مسؤولية إطلاق بعض الصواريخ على مواقع إسرائيلية في جنوب لبنان وشمال إسرائيل.
ويمكن القول إن “الجماعة الإسلامية” باتت في مأزق شديد، حيث أصبحت مطالبة أمام “حزب الله” بتقديم المزيد من التنازلات، والانغماس أكثر فأكثر داخل محور “الممانعة”، والانضواء تحت الهيمنة الإيرانية، وفي المقابل أصبحت مُدانة أمام الطائفة السّنية بالتورط في تحالف غامض ومريب مع الذراع العسكرية الباطشة للشيعة في إيران، كما أصبحت الجماعة في موقف سياسي حرج على الساحة اللبنانية، وباتت مطالبة بالإجابة عن تساؤلات متعددة حول مصادر تمويل جناحها العسكري، ومآلات وجود هذا الجناح مستقبلا، في ظل واقع لبناني شديد التعقيد.
على الصعيد الإقليمي، تنظر مصر وحلفاؤها التقليديين في الإمارات والسعودية، بقلق شديد؛ تجاه ظهور جناح إخواني مسلح في المنطقة، ذلك أن الحدث لا يمكن أن يمرّ هكذا دون ضغوط سياسية، لبنان في غنى عنها، لتفكيك هذه الميليشيا، حتى لو كانت رمزية، بالإضافة إلى تبعات عدم تحقق ذلك، وما قد يجرّه على لبنان من متاعب.
المصدر : “الحل نت”