كريتر نت : متابعات
نشأت، خلال السنوات الأخيرة، علاقات عميقة بين دول آسيا الوسطى ودول الخليج تضمنت أبعادا اقتصادية واجتماعية ومصالح مشتركة للطرفين، حيث تنطلق العلاقات بين دول الخليج وآسيا الوسطى من قاعدة اقتصادية يمكن التأسيس عليها لشراكة إستراتيجية شاملة.
وازدادت أهمية الشراكة الإستراتيجية بين دول آسيا الوسطى ودول مجلس التعاون الخليجي فـي ظل التطـورات الجيوسياسية والاقتصادية، نظرا لحجم المصالح والمنافع التي يمكن أن تستفيد منها دول الخليج في الوقت الحاضر وفي المستقبل في مجالات الطاقة والتجارة والاستثمارات ومكافحة الإرهاب وتحجيم خطر القوى المتطرفة العابرة للحدود.
وتعتبر منطقة آسيا الوسطى من المناطق التي تتداخل فيها المصالح الدولية وتتقاطع فيها الاهتمامات الإقليمية نظرا لامتلاكها الموارد الطبيعية وموارد الطاقة، فضلا عن موقعها الإستراتيجي بما يخدم حركة الاقتصاد لاسيما حركة الشركاء الإستراتيجيين.
ويرى الباحث لوك كوفي، وهو زميل أقدم في معهد هدسون، في تقرير نشره موقع أوراسيا ريفيو، أن دول الخليج الست وكازاخستان وقيرغيزستان وأوزبكستان وطاجيكستان وتركمانستان تتقاسم العديد من التحديات والفرص نفسها على الساحة العالمية.
وتصدرت التجارة والنقل والطاقة جدول الأعمال عندما التقى وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي وجمهوريات آسيا الوسطى في طشقند، أوزبكستان، الأسبوع الماضي في “الحوار الإستراتيجي” الثاني، بعد الحدث الافتتاحي في جدة في يوليو الماضي.
وبحسب التقديرات الرسمية، وصل حجم التبادل التجاري بين دول مجلس التعاون الخليجي ودول آسيا الوسطى إلى 3.1 مليار دولار في عام 2021، وجرى خلال الفترة الأخيرة توقيع العديد من الاتفاقيات والاستثمارات بين الدول الخليجية ودول آسيا الوسطى، منها الاستثمارات التي تلقتها كازاخستان من صندوق الاستثمارات العامة في السعودية، وحصلت أوزبكستان على اتفاقيات استثمار بقيمة 14 مليار دولار من السعودية، بالإضافة إلى استثمارات من الإمارات في قطاع الطاقة بقيمة تجاوزت 3 مليارات دولار.
وتعد كلتا المنطقتين مفترق طرق جغرافيا وثقافيا وعبورا مهما على الكتلة الأرضية الأوراسية. وكان كلاهما محور المنافسة بين القوى الإمبراطورية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، ولا يزال كل منهما يتعامل مع عواقب ذلك حتى اليوم.
وفي القرن الحادي والعشرين، تسعى المنطقتان جاهدتين إلى ملاحقة سياسات خارجية مستقلة مع موازنة العلاقات مع القوى الأكبر مثل الولايات المتحدة وروسيا والهند والصين والاتحاد الأوروبي.
ويشير الإعلان المشترك الذي نُشر بعد اجتماع الأسبوع الماضي إلى العزم على تحسين العلاقات، خاصة في مجالات السياسة الأكثر أهمية لكل من دول الخليج وآسيا الوسطى.
وعلى سبيل المثال، أكد الإعلان بقوة على تعميق التعاون في قضايا الطاقة. وكلتا المنطقتين غنيتان بالموارد الطبيعية وهما منتجان كبيران للنفط والغاز.
وبالنظر إلى تقلب أسواق الطاقة العالمية في السنوات الأخيرة، وخاصة في أعقاب جائحة كوفيد – 19 والغزو الروسي لأوكرانيا، فمن المنطقي أن ترغب هاتان المنطقتان في التعاون في قضايا الطاقة.
كما تم إيلاء أهمية لتحسين طرق النقل والعبور بين المنطقتين. وفي حين أن هناك إمكانية لزيادة الاتصال العابر بين الخليج وآسيا الوسطى، فإن القيام بذلك في الممارسة العملية سيكون أسهل من القيام به لأسباب أمنية وجيوسياسية.
وبالنظر إلى الخارطة، فمن الواضح أن الطريق الأكثر مباشرة بين الخليج وآسيا الوسطى هو برا عبر إيران. لكن الحقائق الجيوسياسية في المنطقة تعني أن هذا الطريق لا يمكنه تعظيم إمكاناته الكاملة. ولذلك، يتعين على صناع السياسات أن يلاحقوا خيارات أخرى لربط المناطق.
ويقول كوفي إنه سيكون من مصلحة آسيا الوسطى ودول الخليج العمل مع اللاعبين الإقليميين للمساعدة في تسهيل روابط النقل والاتصال الحقيقية عبر الكتلة الأرضية الأوراسية بأكملها.
ومؤخرا، قال المفوض التجاري الأوروبي فالديس دومبروفسكيس إن الاتحاد الأوروبي سيخصص 10 مليارات يورو لدعم الاستثمارات لتحسين ربط النقل في الممر الأوسط.
وتبحث الولايات المتحدة ومنظمة الدول التركية أيضا في فرص الاستثمار في مجال النقل على طول طريق الممر الأوسط كونها تقع في وسط الممر الأوسط.
وتلعب أذربيجان أيضا دورا مهما كمركز عبور، وهذا ما يفسر دعوتها كـ”ضيف شرف” إلى اجتماع طشقند.
ومع ذلك، فإن إحدى القضايا الرئيسية التي يمكن أن تقف في طريق تطوير الطاقة والنقل هي الأمن.
وهناك مخاوف بشأن تنامي الجماعات الإرهابية العابرة للحدود الوطنية العاملة في أفغانستان والتي يمكن أن تمتد إلى منطقة آسيا الوسطى الأوسع.
ويشكل تنظيم القاعدة وداعش مصدر قلق للخليج أيضا.
ومع استمرار تدهور الوضع الإنساني والوضع الإداري في أفغانستان، فإن العواقب الأمنية يمكن أن تؤثر على المنطقة وتؤثر على مشاريع العبور.
وتوضح الدكتورة هيلة المكيمي، عضو الهيئة الاستشارية للمجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، أنّ الأمن الخليجي يقوم على 3 مستويات رئيسة، هي “الجوار المباشر”، و”الإطار الإقليمي الموسّع”، و”المستوى الدولي”.
وأشارت إلى أنّ “الجوار المباشر يتمثل في الدول التي تجمعها بدول الخليج صلة جغرافية مباشرة، وتؤثر عليها أمنيا بشكل مباشر، وهذه الدول تضم إيران والعراق واليمن”.
وأضافت “هذا الجوار المباشر يدعمه مستوى آخر هو الإطار الإقليمي الموسّع، الذي يتمثل في جميع الدوائر الإقليمية المحيطة بالخليج، سواء منظومة البحر الأحمر، أو منظومة البحر المتوسط، أو شبه القارة الهندية، بالإضافة إلى دائرة القوقاز، ودائرة آسيا الوسطى التي لا تقتصر فقط على هذه الدول الخمس، وإنما تشمل أيضا أفغانستان التي تعد جزءا أصيلا من آسيا الوسطى بالمفهوم الجغرافي، فهذه المنطقة إذا تقع في جوارنا الإقليمي الموسع”.
وتابعت “أما المستوى الثالث فهو المستوى الدولي الذي يضم جميع شراكات الخليج الدولية، بما في ذلك روسيا والصين وحلف شمال الأطلسي (الناتو) وغيرها”.
وفي الأشهر المقبلة، سيتم عقد منتديين للاستثمار بين دول مجلس التعاون الخليجي وآسيا الوسطى في المملكة العربية السعودية وقيرغيزستان. ويمكن أن يؤدي ذلك إلى توليد اهتمام القطاع الخاص بالمشاريع الإقليمية ومشاريع نقل الطاقة.
وفي العام المقبل، سيعقد رؤساء دول مجلس التعاون الخليجي وآسيا الوسطى حوارا إستراتيجيا في مدينة سمرقند الواقعة على طريق الحرير ذات الأهمية التاريخية، وسيعقد الاجتماع الوزاري الثالث في الكويت.
وكل هذه الاجتماعات مهمة، خاصة وأن دول الخليج وجمهوريات آسيا الوسطى بدأت في تعميق وتنمية علاقاتها المزدهرة. ولكن الاجتماعات ومؤتمرات القمة لا تذهب إلى أبعد من ذلك، ولا بد من متابعة الحلول العملية للمشاكل التي تواجه بلدان المنطقتين في الأشهر المقبلة.
وتدفع الديناميكيات الراهنة إلى المزيد من توثيق العلاقة بين دول الخليج ودول آسيا الوسطى، حيث ستزداد أهمية آسيا الوسطى مستقبلا، لذا تشير معادلات القوى السياسية والإستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط إلى أن التقارب بين دول الخليج العربية ودول آسيا الوسطى يخلق واقعا أكثر توازنا.
ومن هنا، فإن إقامة حوار إستراتيجي بين المنطقتين، الخليج العربي وآسيا الوسطى، بهدف تعزيز التعاون المشترك بينهما، ستزيد بكل تأكيد من أهميتهما، وتعزز من دورهما الإقليمي والعالمي، وتخدم جهود دولهما المشتركة لتحقيق السلام والتنمية المستدامة.