كريتر نت – متابعات
أشّرت رغبة رئيس الوزراء السنغالي عثمان سونكو في إغلاق القواعد العسكرية الفرنسية في بلاده، والتي عبّر عنها الخميس، على أن منطقة الساحل الأفريقي تريد فعلا اقتلاع الوجود الفرنسي، وذلك بعد القطيعة مع مالي والنيجر وبوركينا فاسو، في مشهد يذكّر بمصير الفرنسيين في الهند الصينية، حيث تم اقتلاعهم تماما من فيتنام ولاوس وكمبوديا (1946 – 1954).
وتعكس نية السنغال القطْع مع الوجود الفرنسي اقتناعا متزايدا بأن فرنسا غير المبالية بأوضاع أفريقيا كانت تفكر طيلة عقود في مصالحها الخاصة ولم تهتم بتطوير واقع المنطقة. والغضب على الغرب لم يقف عند الوجود الفرنسي بل تعداه إلى الدور الأميركي بعد المطالبة بانسحاب القوات الأميركية من النيجر وتشاد.
ويشبه محللون ما يجري في دول منطقة الساحل بما حدث قبل عقود في حرب الهند الصينية التي خاضتها كل من فيتنام ولاوس وكمبوديا ضد الاستعمار على مرحلتين، تتمثل أولاهما في “حرب الهند الصينية الأولى” (1946 – 1954) ضد الاستعمار الفرنسي، وتسمى كذلك الحرب الفيتنامية – الفرنسية، لأن جل أحداثها تمت في الثلث الشمالي من فيتنام، وتسمى ثانيتهما “حرب الهند الصينية الثانية” (1960 – 1973) ضد الولايات المتحدة، خاصة في فيتنام.
ورغم حصول الدول الأفريقية على الاستقلال منذ عقود إلا أن هيمنة فرنسا على تلك الدول باتت مصدر قلق وانزعاج أفريقيّيْن معلنيْن. وقال سونكو “بعد مرور أكثر من 60 عاما على استقلالنا… يجب أن نتساءل عن الأسباب التي تجعل الجيش الفرنسي على سبيل المثال لا يزال يستفيد من عدة قواعد عسكرية في بلادنا، ومدى تأثير هذا الوجود على سيادتنا الوطنية واستقلالنا الإستراتيجي”.
وأضاف “أكرر هنا رغبة السنغال في أن تكون لها سيطرتها الخاصة، وهو ما يتعارض مع الوجود الدائم لقواعد عسكرية أجنبية في السنغال… لقد وعدت العديد من الدول باتفاقيات دفاعية، لكن هذا لا يبرر حقيقة أن ثلث منطقة داكار محتل الآن بحاميات أجنبية”.
وسونكو هو ثاني مسؤول سنغالي يطلق تصريحات شديدة اللهجة ضد الوجود الفرنسي بعد تصريحات الرئيس الجديد باسيرو ديوماي فاي قبل الفوز بالانتخابات وبعدها.
وفي حملته الانتخابية قال الرئيس السنغالي الحالي إنه ينوي إعادة النظر في العقود التي أبرمتها السنغال مع دول أخرى في مجال المناجم والتعدين والمحروقات إضافة إلى اتفاقيات الدفاع، في إشارة واضحة إلى فرنسا.
وأضاف أنه سيعمل على إنهاء التعامل بعملة الفرنك الأفريقي الموروثة من الاستعمار وإصدار عملة وطنية جديدة. كما يسعى أيضا في مجال التربية إلى تعميم تدريس اللغة الإنجليزية في بلد مازالت اللغة الفرنسية فيه لغة رسمية، وهو ما يعني الالتفاف على مصالح فرنسا ونفوذها اقتصاديّا وثقافيّا.
ولفرنسا نحو 350 جنديا في السنغال، وقد تشجع مغادرتهم دولا أخرى في المنطقة على الحذو حذو السنغال.
وقامت مالي وبوركينا فاسو والنيجر بطرد القوات الفرنسية. وكان الفرنسيون يعتقدون أن المنطقة ستظل في حاجة إليهم وأن انسحابهم سيتركها في مواجهة مع المتشددين، لكن روسيا نجحت إلى حد الآن في ملء الفراغ الذي تركه الفرنسيون.
وأعلنت الدول الثلاث عن تشكيل “تحالف الساحل” كقوة عسكرية مشتركة لمحاربة التنظيمات الإرهابية، والتي من المرجح أن تشرف موسكو على تسليحها وتدريبها، خاصة بعد إعلان روسيا عن تشكيل الفيلق الأفريقي خلال 2024.
ويقول كيستر كين كلوميغا الباحث في الشؤون الأفريقية، ضِمْن تقرير نشره موقع “مودرن بوليسي”، “نظرا إلى عدم الاستقرار المزمن في معظم أنحاء أفريقيا والاهتمام الشديد بالحصول على المعدات العسكرية لمعالجة المشاكل الأمنية المتزايدة، خُلقت ظروف سوق قوية لروسيا تسمح لها بتنويع صادرات الأسلحة نحو أفريقيا”.
350 جنديا فرنسيا في السنغال، وقد تشجع مغادرتهم دولا أخرى في المنطقة على الحذو حذو داكار
وتزايد العداء لفرنسا بين سكان دول الساحل، وساعدت مواقع التواصل الاجتماعي على إذكاء الغضب الشعبي من وجود القوات الفرنسية، خاصة بسبب فشل عملية برخان في مواجهة الجهاديين.
وفي سياق الخطاب المعادي للغرب، حذّر رئيس الوزراء السنغالي من أن الإصرار على الترويج لحقوق المثليين في العلاقات الدبلوماسية وأيضا من خلال المنظمات متعددة الجنسيات قد يؤدي إلى “مشاعر معادية للغرب”.
وتعد المثلية الجنسية وصمة عار في الدولة الواقعة في غرب أفريقيا، حيث يعاقب القانون بالسجن لمدة تصل إلى خمس سنوات على “الأفعال المنافية للطبيعة مع شخص من نفس الجنس”.
وفي كلمة أمام طلاب في داكار حض سونكو الغرب على احترام الثقافة السنغالية، مدعيا أنه “لم يكن هناك أي اضطهاد على الإطلاق” للأشخاص المثليين في بلاده.
وانتقد سونكو “المحاولات الخارجية لفرض (…) أنماط حياة وطرق تفكير تتعارض مع قيمنا”.
وقال لئن أصبح الدفاع عن الأقليات الجنسية “نقاشا هاما” في الغرب فإنه يثير “توترات هائلة” في دول مثل السنغال، والتركيز عليه قد يؤدي إلى إذكاء “مشاعر معادية للغرب في أجزاء كثيرة من العالم”.
وأضاف سونكو، الحليف الوثيق للرئيس باسيرو ديوماي فاي، أن “المسألة الجندرية تظهر بانتظام على جداول أعمال غالبية المؤسسات الدولية وفي التقارير الثنائية، وحتى أحيانا كشرط لشراكات مالية مختلفة”.