ترجمة: محمد الدخاخني
منذ خمسة أعوام وأنا ألاحظ أنّ ثمّة شيئاً مشتركاً بين مرتكبي بعض أسوأ الهجمات الإرهابيّة، تشاركَتْ نسبةٌ كبيرةٌ من هؤلاء تاريخاً من الاعتداء على الزّوجات والصّديقات والقريبات، وأحياناً تضمّن الأمر سلسلة كاملة من الضّحايا، قبل وقت طويل من مهاجمتهم للغرباء.
في صيف عام 2016، على سبيل المثال، عندما خلّف هجومان إرهابيّان في فلوريدا وجنوب فرنسا 135 قتيلاً ومئات الجرحى، ادّعى الجانيان أنّهما إسلامويّان، لكن أدهشني حقيقة أنّ كلّ واحد منهما لديه سجلّ مروّع من العنف المنزليّ.
بعد مرور عام، وقعت أربع هجمات مميتة في المملكة المتّحدة، واتّضح أنّ الجناة السّتّة كافّة إمّا اعتدوا على نساء أو، في إحدى الحالات، شاهدوا الوالد يسيء معاملة الوالدة والأخت.
هناك أوجه تشابه مذهلة بين تاريخ دارين أوزبورن، اليمينيّ المتطرّف الذي قاد شاحنةً ودهس مصلّين أثناء مغادرتهم مسجداً في شمال لندن، وتاريخ خالد مسعود، الإسلامويّ الذي شنّ هجوماً على جسر وستمنستر، لدى كلا الرّجلين سوابق جنائيّة لجرائم عُنفيّة، وكلاهما أساء إلى النّساء.
اعتقدت أنّ هذه الحالات تتحدّى الحكمة التّقليديّة حول الإرهاب، والتي ترى أنّ الأمر برمّته يتعلّق بالأيديولوجيا؛ فالعديد من الهجمات الإرهابيّة القاتلة يبدو، في الواقع، تصعيداً لعنفٍ كان مستمراً، أحياناً لأعوام، ضدّ أفراد عائلة الجاني، وتكوّنت لديّ قناعة بأنّ الشّرطة وجهاز “إم آي 5” في حاجة إلى تغيير طريقة تقييمهم للمخاطر التي يشكّلها المشتبه بهم، والتّعامل مع تاريخ العنف المنزليّ على أنّه إشارة خطر مهمّة.
لم يعد من الممكن التّنكّر لدور الجرائم المرتكبة ضدّ النّساء؛ فالعلاقة بين العنف الخاصّ والعامّ أصبحت الآن واضحة تماماً، وتكلفة الاستمرار في تجاهلها باهظة للغاية
لكن عندما طرحت هذا الأمر على السّلطات، واجهت شكوكاً وعدم تصديق؛ لذلك قرّرت أن أكتب كتاباً، باستخدام المصادر المنشورة لتجميع قائمة بائسة من الرّجال الذين أهانوا وضربوا واعتدوا جنسيّاً على النّساء قبل فترة طويلة من شهرتهم كإرهابيّين.
نُشِر الكتاب عام 2019، وهذه المرّة أصغت شخصيّات بارزة في مراقبة مكافحة الإرهاب ووزارة الدّاخليّة.
كلّفوا بإجراء بحث رائد باستخدام بيانات حول ما يزيد قليلاً عن 3,000 إحالة إلى برنامج “امنع” في إنجلترا وويلز، عام 2019، بالغون وأطفال تسبّبوا في قلق المعلّمين والأخصائيّين الاجتماعيّين وأفراد الأسرة بسبب احتمال تعرّضهم للرّدكلة، لم تُنشر نتائج ما أصبح يُطلق عليه اسم “مشروع ضوء النّجوم” بعد، لكن سُمِح لي بالوصول إليها، وهي مذهلة.
اقرأ أيضاً: المرأة والحداثة: سقوط وهم الأمومة المثالية
ما يقرب من 40% من إحالات البالغين لها تاريخ من العنف المنزليّ؛ إمّا كجناة، أو شهود، أو ضحايا، أو مزيج من الثّلاثة معاً، ومن المحتمل أن تكون هذه النّسبة أقلّ من الواقع، بالنّظر إلى أنّ العنف المنزليّ هو أحد أكثر الجرائم الّتي يُبلغ عنها بشكل أقلّ من الّلازم، لكنّها تقدّم للمرّة الأولى فكرة عن مدى انتشار الأمر، النّسبة المقارنة للأطفال هي 30%، ومن الراجح أن تكون أيضاً أقلّ من الواقع؛ لأنّ الأطفال دون سنّ الـ 16 لم يُسألوا بشكل روتينيّ عن العنف المنزليّ.
كان هناك رجال أكثر بكثير من النّساء في العيّنة، وأظهر البحث اختلافاً مهمّاً آخر بين الجنسين: الاحتمال الأكبر في إحالات الذّكور أن يكونوا مرتكبي العنف المنزليّ، بينما النّساء أكثر عرضة للوقوع ضحايا، لكنّ المثير للصّدمة حقّاً هو مدى خطورة العنف الّذي كُشِف عنه في تواريخ الأسر؛ إذ “تراوحت الحوادث المسجّلة بين أطفال شاهدوا العنف المنزليّ وأشخاص تمت إدانتهم بمحاولة قتل شريكاتهم”.
كما توقّعت، الرّابط واضح عبر الأيديولوجيّات، من الإسلامويّين والمتطرّفين اليمينيّين إلى خُمس العيّنة، حيث لم تُحدّد أيديولوجيا معروفة، وهذا يؤكّد نظريّتي القائلة إنّ الإرهاب يتعلّق بالعنف الذّكوريّ، على الأقلّ، بقدر ما يتعلّق بالأيديولوجيا، ممّا يشير إلى أنّ الشّباب الغاضبون ينجذبون إلى الأفكار المتطرّفة التي يبدو أنّها “تبرّر” مظالمهم.
اقرأ أيضاً: تقلّد المناصب: هل تنظر الأديان بعين التمييز بين الرجل والمرأة؟
الطّريق من الضّحيّة إلى الجاني ليس حتميّاً، لكنّه معروف جيّداً، ويكشف البحث أنّ ما يقرب من 16% من البالغين عرضة للرّدكلة من ضحايا العنف المنزليّ، أي ما يقرب من ثلاثة أضعاف الرّقم الوطنيّ المقدّر.
خُذ مثلاً الحالة المأساويّة للإخوة دغايس من برايتون؛ بعد أعوام من العنف على يد والدهم، فرّ عامر دغايس، البالغ من العمر 18 عاماً، إلى سوريا، حيث انضمّ إلى منظّمة إرهابيّة هي جبهة النّصرة، عام 2013، وتبعه شقيقان أصغر سنّاً قُتلا في غضون أشهر من وصولهما، بينما أُدين شقيق آخر، بقي في برايتون، بجرائم مخدّرات وطعن حتّى الموت، عام 2019، إنّ تكلفة العنف المنزليّ مرتفعة بشكل غير مقبول.
السّبب الآخر الذي يجعل المنظّمات المتطرّفة تستهوي الرّجال المتضرّرين هو، لخشيتي، كرههم للنساء، عندما فتّش باحثو “مشروع ضوء النّجوم” عن رابط بين إحالات الأشخاص العرضة للرّدكلة وجرائم الكراهية، لم يعثروا عليه، لكنّهم وجدوا رابطاً مع كراهية المرأة.
في الواقع؛ نفّذ من يسمّون “الإنسلز”، أي الشّبّان الّذين تأكلهم المرارة ويلومون النّساء على عدم قدرتهم على ممارسة الجنس، هجمات قاتلة في الولايات المتّحدة وكندا.
تشير إحدى الحالات المروّعة الأخيرة إلى أنّ مسؤولي مكافحة الإرهاب في حاجة إلى أن يكونوا يقظين لاحتمال أنّ كراهية النّساء المفرطة هي في حدّ ذاتها شكل من أشكال التّطرّف.
تشير إحدى الحالات المروّعة إلى أنّ مسؤولي مكافحة الإرهاب في حاجة إلى أن يكونوا يقظين لاحتمال أنّ كراهية النّساء المفرطة هي شكل من أشكال التّطرّف
في الشّهر الماضي، أُدين رجل يبلغ من العمر 19 عاماً بقتل شقيقتين، بيباء هنري ونيكول سمالمان، شمال لندن، وفي محاكمته، تبيّن أنّ دانيال حسين قد أحيل إلى برنامج “امنع”، عام 2017، بعد استخدام أجهزة الكمبيوتر المدرسيّة للوصول إلى مواد يمينيّة متطرّفة.
ظهر أمام “لجنة قناة”، الهيئة القانونيّة التي تُقيّم المخاطر التي يشكّلها الأفراد، لكن سُرِّح بعد بضعة أشهر لعدم وجود مخاوف مستمرّة فيما يتعلّق بالتّطرّف أو الإرهاب، ومع ذلك، أبرم حسين لاحقاً “عقداً” مع “شيطان” وعد فيه بقتل ستّ نساء، نساء فقط، في غضون ستّة أشهر مقابل الفوز باليانصيب، رفض إعطاء المحقّقين كلمات المرور الخاصّة به؛ لذلك من المستحيل تأكيد شكّ أنّه ربما تصفّح مواقع “الإنسيل” على الويب، لكن في ملاحظة تعكس هوس “الإنسلز” بعدم جاذبيّتهم الكافية للنساء، تعهّد “بتقديم بعض الدّم” مقابل جعل فتاة تقع في حبّه.
اقرأ أيضاً: أمثال تمتهن النساء: ما سر تواطؤ الإرث الشفوي ضد المرأة؟
كلّ هذا يتطلّب ثورة في طريقة تفكيرنا في الإرهاب والعنف المنزليّ وكراهية النّساء.
يتضمن تقرير “مشروع ضوء النّجوم” مجموعة من التّوصيات، التي تدعو إلى وعي أوسع بكثير بالصّلة بين التّطرّف العنيف وتاريخ العنف المنزليّ، يقول التّقرير: “يجب على جميع ضبّاط قضايا مكافحة الإرهاب النّظر في التّحقّق من وجود صلات محتملة بحادث متعلّق بالعنف المنزليّ”، لكنّ هذا قد لا يكون واضحاً عندما تؤدّي حوادث قليلة إلى إدانات.
كشف تقريرٌ حديثٌ أنّ ثلاثة أرباع حالات العنف المنزليّ التي أُبلغت بها الشّرطة في إنجلترا أُغلِقَت دون توجيه اتّهام إلى الجاني. توصّلت بعض المنظّمات إلى ابتكارات مرحّب بها، على سبيل المثال؛ لدى “كرويدون” في جنوب لندن أخصائيّ اجتماعيّ متخصّص في “لجان القناة”، ممّا يؤدّي إلى الكشف عن العنف المنزليّ الذي لم يكن متوقّعاً في السّابق في تاريخ إحالات الأشخاص العرضة للردكلة.
لم يعد من الممكن التّنكّر لدور الجرائم المرتكبة ضدّ النّساء؛ فالعلاقة بين العنف الخاصّ والعامّ أصبحت الآن واضحة تماماً، وتكلفة الاستمرار في تجاهلها باهظة للغاية.
محمد الدخاخني
كاتب ومترجم مصري
مصدر الترجمة عن الإنجليزية:
جوان سميث، الغارديان