ترجمة: محمد الدخاخني
قبل أسابيع قليلة، تناولتُ العشاء مع بعض الأصدقاء. أخرج أحدهم هاتفه وسألني إذا كنت أعتقد أنّني كتبت أكثر من مائتي قطعة أو نحو ذلك في هذه المرحلة من مسيرتي المهنيّة. قلت: «على الأرجح. لماذا؟».
«كما تعلمين، بالطّريقة التي تسير بها الأمور، سيكون الذّكاء الاصطناعيّ قادراً على كتابة المقالات والكتب فقط من خلال تحليل أسلوبك في الكتابة».
كنت في البداية متشكّكة، وربما غير مكترثة بعض الشّيء.
ثمّ ذهب صديقي إلى برنامج على هاتفه وطلب منه كتابة قصّة لعيد الميلاد من ألف كلمة بأسلوب تشارلز ديكنز.
لدهشتي، بدأ البرنامج في إنتاج فقرات في غضون ثوانٍ – وليس مجرّد خليط من الكلمات العشوائيّة.
كانت الفقرات متنوّعة الجمل واللون، وتنطوي على تطوّر في الحبكة.
طرح صديقي سؤالاً آخر: فكّر في عنوان كتاب عطلة للأطفال يستهدف جمهوراً من أصحاب البشرة السّوداء.
في غضون ثوانٍ، ظهرت قائمة عامرة بالاقتراحات – وكان العنوان الفائز على غرار «مفاجأة زهرة الكبيرة خلال العطلة ».
صُدمت.
الذكاء الاصطناعيّ يبدو كمنشّط فكريّ.
يمكن للكتّاب قضاء أعوام في قراءة كتّاب آخرين، ودمج أساليب هؤلاء في أعمالهم.
لكن «الروبوت» يمكنه فعل ذلك في أقلّ من دقيقة
ابتسم صديقي.
وقال: «المستقبل هنا بالفعل. يمكنك، أيضاً، أن تتقدّمي عليه ككاتبة».
كتابة مقالات كاملة
فكّرتُ في هذه المحادثة مع ورود أخبار هذا الأسبوع بأنّ موقع الإلكترونيّات الشّهير «سي إن إي تي» يستخدم الذّكاء الاصطناعيّ في كتابة مقالات كاملة.
يوثّق فرانك لاندمور في «بايت» كيف اكتشف المسوّق ذو عيون النّسر جايل بريتون أنّ «سي إن إي تي» نشر بهدوء أكثر من 70 مقالة باستخدام الذّكاء الاصطناعيّ منذ تشرين الثّاني (نوفمبر)، تحت اسم «الطّاقم الماليّ لـ سي إن إي تي ».
النّقر على «ملاحظة المؤلّف» يكشف الحقيقة: «كُتبت هذه المقالة بعون محرّك قائم على الذّكاء الاصطناعيّ وقام فريق التّحرير بمراجعتها، والتّحقّق منها، وتحريرها».
يبدو أنّ المقالات التي كُتبت بواسطة الذّكاء الاصطناعيّ استفادت من حركة المرور على «غوغل»، على الرّغم من حقيقة أنّ «غوغل» قال إنّه سيعطي الأولويّة للمحتوى الذي يكتبه بشر يبدو أنّ المقالات التي كُتبت بواسطة الذّكاء الاصطناعيّ استفادت من حركة المرور على «غوغل»، على الرّغم من حقيقة أنّ «غوغل» قال إنّه سيعطي الأولويّة للمحتوى الذي يكتبه بشر
علاوةً على ذلك، يبدو أنّ هذه المقالات التي كُتبت بواسطة الذّكاء الاصطناعيّ استفادت من حركة المرور على «غوغل»، على الرّغم من حقيقة أنّ «غوغل» قال إنّه سيعطي الأولويّة للمحتوى الذي يكتبه بشر. كتب لاندمور أنّ متحدّثاً باسم «غوغل» أوضح: «يركّز فريق التّصنيف لدينا على فائدة المحتوى، وليس كيفيّة إنتاجه».
في الواقع، المستقبل هنا. إذاً، ما الذي يعنيه هذا بالنّسبة إلى الكتّاب والمحرّرين الذين يتواصلون مع جمهورٍ رقميّ؟ هل يجب أن نخاف من فقدان وظائفنا؟ أم أنّ الذّكاء الاصطناعيّ أداة توفّر الوقت للكتّاب حتّى لا يضطروا إلى إضاعة قدراتهم عقليّة في تغذية مطحنة محتوى الإنترنت؟ (كما كتب ديكنز ذات مرّة: «أيّ شخص يخفّف أعباء شخص آخر ليس عديم الفائدة»).
ليست «سي إن إي تي» أوّل مؤسّسة أخبار ومعلومات تنشر مقالات باستخدام هذه التّكنولوجيا.
تستخدم وكالة «أسوشيتد برس» الذّكاء الاصطناعيّ منذ عام 2014 لكتابة مقالاتها حول أرباح الشّركات، تحت ذريعة أنّها تحرّر المراسلين للقيام بـ«صحافة ذات تأثير أعلى».
ليست «سي إن إي تي» أوّل مؤسّسة أخبار ومعلومات تنشر مقالات باستخدام هذه التّكنولوجيا. تستخدم وكالة «أسوشيتد برس» الذّكاء الاصطناعيّ منذ عام 2014 لكتابة مقالاتها حول أرباح الشّركات
أخبرتُ أصدقائي أنّ الذكاء الاصطناعيّ يبدو وكأنّه منشّط فكريّ.
يمكن للكتّاب قضاء أعوام في قراءة أعمال كتّاب آخرين، وبمرور الوقت، دمج أساليب هؤلاء الكتّاب في أعمالهم. لكن «الروبوت» يمكنه فعل ذلك في أقلّ من دقيقة.
ماذا يعني هذا لمؤلّفي الكتب؟ هل سيُنظر إلى استخدام الذكاء الاصطناعيّ على أنّه «غشّ»؟ هل سيبدأ الكتّاب في إعلان أنّهم كتّاب «طبيعيّون» لا يستخدمون الذّكاء الاصطناعيّ في أعمالهم، على غرار لاعبي كمال الأجسام الذين يختارون عدم استخدام عقاقير تحسين الأداء؟
هندسة موسيقى “البوب”
لستُ معروفة أو مقروئة على نطاق واسع مثل ديكنز، لكن هل هذا يعني أنّه في مرحلة ما يمكن لشخص ما برمجة «روبوت» ليكتب مثلي تماماً؟ كما هو الحال مع الموسيقى، تتبع الكتابة باللغة الإنجليزيّة قواعد معينة لجعلها ممتعة وجديرة بالذّكر.
إذا كان بإمكان النّاس هندسة موسيقى «البوب» لجعلها جذّابة قدر الإمكان للعالم الواسع، فلماذا لا ينسحب الأمر نفسه على الكتابة؟
تكثر القصص حول تعلّم «روبوتات» الذّكاء الاصطناعيّ أكثر سلوكيّاتنا عنصريّة وتمييزاً جنسيّاً وإدامتها في نتائجها تكثر القصص حول تعلّم «روبوتات» الذّكاء الاصطناعيّ أكثر سلوكيّاتنا عنصريّة وتمييزاً جنسيّاً وإدامتها في نتائجها
أعلم أنّه أمر من المخيف أن أفكّر فيه، خاصّة وأنّ الزّملاء في مجالي يواجهون عمليّات تسريح وإجراءات لشدّ الأحزمة.
لكن صديقي محقّ: يحتاج الصّحفيّون والمنظّمون إلى تبنّي وجهة النّظر المسيطرة والتفكير بجدّية في الكيفيّة التي يمكن للذّكاء الاصطناعيّ أن يُساعدنا… أو يؤذينا بها.
لطالما كان هناك حديث عن الطّرق التي تُعزّز بها التّكنولوجيا عدم المساواة والانقسامات العرقيّة. وتكثر القصص حول تعلّم «روبوتات» الذّكاء الاصطناعيّ أكثر سلوكيّاتنا عنصريّة وتمييزاً جنسيّاً، وإدامتها في نتائجها.
محمد الدخاخني
كاتب ومترجم مصري
المصدر:
كارين عطية، الواشنطن بوست، 13 كانون الثاني (يناير) 2023