كريتر نت – متابعات
قال خبراء وباحثون عرب وغربيون إن الخلافات بين المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة المتصاعدة حول اليمن خلقت تعقيدات في طريق حل الأزمة اليمنية التي تشهدها البلاد منذ عشر سنوات.
ونقلت قناة ” TRT World” التركية عن الباحثين قولهم إن التوترات بين السعودية والإمارات، ليست حاليا في محور سياسة الشرق الأوسط، إلا أن أهداف الرياض وأبو ظبي المتباينة في اليمن تشكل قضية خطيرة.
وبحسب الباحثين فإنه من غير المرجح أن تنقطع العلاقات الإقليمية بين الدولتين، كما حدث مع قطر في عام 2017، فإن الرياض وأبو ظبي لديهما أولويات ومواقف ومصالح مختلفة خلقت تعقيدات.
ويروا أن مسألة تطبيع العلاقات مع إسرائيل إلى بعض الصراعات في أفريقيا؛ مثل الحرب الأهلية السودانية، لا تتوافق المصالح السعودية والإماراتية، لذلك من الطبيعي أن يكون هناك بعض الاحتكاك في الشؤون الثنائية.
وأشاروا إلى أن هناك أيضا منافسة اقتصادية خطيرة بشكل متزايد بين هاتين الدولتين من دول مجلس التعاون الخليجي، حيث تسعى كلتاهما إلى تحقيق خططهما الخاصة بالتنمية والتنويع الاقتصادي.
ويحتفظ خبراء الشرق الأوسط بسلسلة من الآراء حول طبيعة علاقة ولي عهد السعودية ورئيس الوزراء، محمد بن سلمان، برئيس الإمارات العربية المتحدة، محمد بن زايد.
ويؤكد بعض المعلقين أن الخلاف المزعوم بين هذين الزعيمين العربيين كبير لدرجة أن بلديهما سيتوقفان قريبا عن الاستمرار في تحالفهما، بينما يشير آخرون إلى اجتماع جرى بين الزعيمين، الشهر الماضي، في شرق المملكة العربية السعودية كعلامة على عدم وجود توترات خطيرة.
وقال جوزيف كيشيشيان (زميل بارز في مركز الملك فيصل في الرياض) في مقابلة مع TRT World: “بصفته الطرف الأكبر بين هذين الزعيمين، يتوقع “محمد بن زايد” أن يتم معاملته باحترام، وهذا هو سبب ظهور خلافات دورية”.
وأضاف “محمد بن زايد هو زعيم إقليمي يحب إرساء الاتجاهات، وتأكيد تأثيره على الساحة الدولية، الأسئلة حول كيفية تطور علاقته مع محمد بن سلمان الشاب الصاعد والزعيم السعودي الواثق من نفسه، واستعراض عضلاته كحاكم فعلي لأكبر نظام ملكي عربي خليجي، أثارت باستمرار مناقشات مثيرة للاهتمام، وإن كانت تخمينية إلى حد ما”.
وقال عزيز الغشيان، وهو زميل في مشروع النزاعات الطائفية والوكلاء وإزالة الطائفية في جامعة لانكستر، لTRT World: “في تقديري، أفضل طريقة لوصف العلاقة بين الدولتين، في الوقت الحالي، هي أنها مزيج من الود والتوتر والبراغماتية”.
لا تشكل التوترات بين محمد بن سلمان ومحمد بن زايد “خصومة مريرة”، وفقا لحسين إبيش، وهو باحث مقيم بارز في معهد دول الخليج العربية في واشنطن.
وبدلا من ذلك، وصفها بأنها جزء من “علاقة تنافسية تم احتواؤها، ويمكن التحكم بها”، وهي أفضل حالا من “سراب الهيمنة والتبعية” التي سعت لها المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في فترة ما بعد عام 2011، عندما كانت تداعيات اضطرابات الربيع العربي والصراعات المسلحة تغذي عدم الاستقرار في جميع أنحاء العالم العربي.
وأضاف إيبيش: “غير أنه تكمن تحت قشرة الوحدة -غير الواضحة- علاقة تنافسية لم يتم حلها تعكس واقع القوة الاقتصادية والسياسية، وحتى العسكرية في الخليج”.
بدأت السلطات في الرياض، في عام 2021، تطلب من الشركات الأجنبية، التي لها وجود في المملكة العربية السعودية، إنشاء مقار رئيسة لها في المملكة بحلول عام 2024.
وبالرغم من أن القيادة في المملكة العربية السعودية أشارت إلى أن هذا كان جزءا من إستراتيجية تهدف إلى تأمين التزام حقيقي طويل الأجل بتنمية البلاد، إلا أنه يشكل تحديا لموقف الإمارات العربية المتحدة كدولة في مجلس التعاون الخليجي، حيث أقامت معظم الشركات الأجنبية العاملة في الخليج مقرات لها هناك.
اليمن كمصدر للخلاف
من حيث الهيكل الأمني لشبه الجزيرة العربية، فإن اليمن هو أكبر مصدر للخلاف بين المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.
ابتداء من شهر مارس 2015، قادت الرياض وأبو ظبي معا تحالفا عسكريا عربيا يهدف إلى قلب مكاسب الحوثيين في عامي 2014/ 2015، غير أنه، بعد عدة سنوات من تلك العملية، أدركت القيادة الإماراتية مدى كارثيتها وغيّرت مسارها.
في عام 2019، سحبت الإمارات رسميا قواتها من اليمن، وبدأت في التركيز على التأثير على المشهد في جنوب اليمن من خلال جهات فاعلة غير حكومية بديلة، وقد استلزم ذلك دعم الإمارات لجماعات يمنية مختلفة، مثل المجلس الانتقالي الجنوبي، بينما تركت المملكة العربية السعودية لمحاربة الحوثيين في شمال اليمن.
وأضاف حسين إبيش: “الحقيقة هي أن الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ذهبتا إلى اليمن في المقام الأول بأجندات مختلفة، وتابعتا حروب مختلفة، ولكنها متداخلة وذات أطر أيديولوجية متباينة، وبمرور الوقت، أصبح ذلك أكثر وضوحا مما كان عليه في البداية، ولا يزال صحيحا الآن”.
لا أحد ينكر أن تضارب المصالح هذا بين المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة تجاه اليمن قد خلق ديناميات على الأرض تخدم مصالح الحوثيين، وبالتالي مصالح إيران.
كان عدم التوافق بين الرياض وأبو ظبي عاملا كبيرا ساهم في ضعف وعدم فعالية مجلس القيادة الرئاسي، وهو الهيئة التي تقود الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا، عندما يتعلق الأمر بالتعامل مع الحوثيين.
يعارض المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي ترعاه الإمارات، العناصر المدعومة من السعودية في اليمن، التي تؤمن بالوحدة بين الشمال والجنوب.
وكما أوضح جوزيف كيشيشيان، فإن دعم أبو ظبي للمجلس الانتقالي الجنوبي، الذي يدعو إلى إعادة تأسيس دولة جنوب اليمن المستقلة التي كانت موجودة سابقا من 1967-1990، أدى إلى “اختلافات خطيرة” بين السياسات الخارجية السعودية والإماراتية تجاه اليمن، مما أدى إلى “الجمود المستمر في هذا البلد المنحوس”.
ويوضح كيشيشيان أن الشريكين في مجلس التعاون الخليجي يدعمان مجموعات يمنية مختلفة تعمل على إدامة التشرذم الحالي لأهداف عملية.
إضافة إلى ذلك، لا يبدو أن الرياض وأبو ظبي مستعدتان لتنحية خلافاتهما ودعم قيادة واحدة يمكنها هزيمة الحوثيين، والحفاظ على وحدة اليمن، والاستثمار في إعادة إعماره.
وقالت فينا علي خان، الباحثة في شؤون اليمن والخليج الفارسي ل TRT World: “لا تزال هناك شائعات بأن [الإمارات] تدفع للسيطرة على ميناء عدن عبر موانئ دبي العالمية.
والأهم من ذلك، لا تزال الانقسامات الحادة موجودة داخل قوات الكتلة المناهضة للحوثيين، مع تزايد العداوات بين المجلس الانتقالي الجنوبي وقوات العمالقة، التي يفترض ظاهريا أن تكون في مضمار واحد. وبصراحة، لا تزال الأجندات السعودية – الإماراتية المتضاربة في اليمن تساهم في تفتيت المجلس الانتقالي الجنوبي”.
ومع ذلك، تمكنت الرياض وأبو ظبي حتى الآن من منع مصالحهما المتضاربة في اليمن من تأجيج أزمات شاملة في الشؤون الثنائية، حتى لو أمضى بعض المعلقين سنوات في الإشارة إلى أن التحالف السعودي – الإماراتي يتدهور.
وبدلا من ذلك، “أثبتوا براعتهم في تجزئة خصوماتهم، خاصة عندما وصل الوضع بين القوات المتحالفة معهما على الأرض إلى نقطة الغليان”، كما قالت الباحثة فينا علي خان.
مصالح السعودية في جنوب اليمن
ستعتبر القيادة السعودية العودة الفعلية أو القانونية إلى تقسيم اليمن كارثية.
هناك أسباب مختلفة، بما في ذلك حقيقة أن الرياض لا تعتقد أنه يمكن لها أن تحقق نفوذا كافيا في دولة مستقلة في جنوب اليمن قد تعود إلى الظهور في المستقبل. ومع ذلك، قد يترك صانعو السياسة في الرياض في وضع يتعيّن عليهم فيه الاستفادة القصوى من الانفصال في جنوب اليمن.
وقال إبيش: “أعتقد أن [المسؤولين السعوديين] سيتعين عليهم فقط قبول بأنه أمر واقع، لكنهم لن يعجبهم ذلك؛ هذا ليس في مصلحتهم، إذا كان بإمكانهم فعل أي شيء لضمان عدم حدوث ذلك فسيفعلون ذلك”.
ويتفق خبراء آخرون مع هذا الرأي.
وقال كشيشيان ل TRT World: “بالرغم من أن جنوب اليمن الناشئ افتراضي، إلا أنه سيشكل تحديات خطيرة للرياض، التي ربما لن ترحب بأي قوى انفصالية في شبه الجزيرة العربية، وهو أمر لا يرغب مجلس التعاون الخليجي، على الأرجح، في رؤيته أيضا”.
إلا أنه إذا حدث مثل هذا الانقسام في اليمن، سواء كان رسميا أو غير رسمي، فمن المرجح أن ترد الرياض بحذر من أجل تجنب تفاقم أو تعقيد التوترات التي يمكن أن تأتي بنتائج عكسية ضد المصالح الأمنية الجيوسياسية للمملكة العربية السعودية.
وقال عزيز الغاشيان: “أتوقع أن تقيم النخبة الحاكمة السعودية كيف يؤثر جنوب اليمن المستقل على الاستقرار على الحدود السعودية”.
وأضاف: “بالنسبة للمملكة العربية السعودية أصبح من الواضح أنها مستعدة لأن تكون براغماتية في من تتعامل معه، مع ذلك لا أرى السعوديين مستريحين ببساطة للسماح للمجلس الانتقالي الجنوبي بالحكم في الجنوب لوحدهم، لذلك إذا حصلت دولة في جنوب اليمن، فإن هذا سيعني أن كلا اليمنين سيدخلان في مجال المنافسة السعودية – الإماراتية لسنوات قادمة”.
الديناميات الإقليمية والصورة الأوسع
لطالما كانت المنافسة الشرسة ومستويات التوتر العالية بين دول مجلس التعاون الخليجي موجودة.
ومع ذلك، على مر التاريخ، بقت هذه التوترات تحت السطح في ظل أوقات الأزمات في المنطقة.
هذا هو الحال اليوم وسط حرب إسرائيل على غزة، التي توسعت إلى البحر الأحمر، وربما تؤدي إلى حرب شاملة في لبنان.
وفي هذا السياق، من المرجح أن يقوم محمد بن سلمان ومحمد بن زايد؛ باعتبارهما زعيمين براغماتيين، بتخفيف واحتواء التوترات بين بلديهما فيما يتعلق باليمن، وتهميش التوترات، مع عدم حلها.
فبعد السيطرة على وقف إطلاق النار في نهاية المطاف في غزة، والعنف في البحر الأحمر وجنوب لبنان وشمال إسرائيل، سيكون من المهم مراقبة كيفية حدوث التوترات بين الرياض وأبو ظبي حول مستقبل اليمن.