طارق أبو السعد
كاتب مصري
يعدّ نشر الإشاعات نهجاً متأصلاً لدى الإخوان المسلمين خاصة في مراحلهم الحرجة، فوسائل الجماعة متعددة ومختلفة والكثير منها ليس قيمياً، بل تحكمه المصلحة، وتحت زعم مصلحة الإسلام والدعوة ارتكبت العديد من التجاوزات وبرّرتها.
إنّ سياسة الإشاعات موروثة من أيام حسن البنا، وهي إحدى تكتيكات الإخوان المفضلة؛ نظراً إلى ما يمتلكونه من قدرة على التوغل في أوساط التجمعات، سواء الشبابية أو العمالية أو الطلابية أو النسائية، خاصة عبر المساجد ومنابرهم المختلفة التي فرضوا أنفسهم عليها، لتوفر لهم ثورة المعلوماتية اليوم منصات لم يكن يحلمون بها.
والإشاعة سلاح مدمر؛ فكما يقولون: من السهل اتهامك بإشاعة، لكن من الصعب أن تبرئ نفسك حتى لو كان معك ألف دليل، وهذا الأسلوب عند الإخوان ليس مجرد حكاية أو اتهام، بل منهج استخدمه التنظيم على مرّ تاريخه ومايزال، دعوني أرصد لكم ثلاث حكايات، ربما تكشف حقيقة هذا الأمر وأهميته عند الإخوان:
الحكاية الأولى
في يوم 29 حزيران (يونيو) 1947، وكانت الأحوال السياسية والاجتماعية في مصر ملتهبة، وكثير من المظاهرات وقعت بها اشتباكات استخدمت فيها الأسلحة على تنوعها، وتعرض كثيرون منهم إلى إصابات، فقامت وزارة الداخلية بمنع مثل هذه المظاهرات، لكنّ الإخوان (وهذا ديدنهم) كان لهم رأي آخر، وحتى يثبتوا أنّهم أقوى من أيّة حكومة، ومن أيّ قرار، قاموا باستعراض فريق من فرق الجوالة في مسيرة غير مرخصة، وتعمدوا المرور أمام قسم شرطة الخليفة، كشكل من أشكال التحدي وإثبات الوجود والقدرة على عصيان أوامر الدولة.
*سياسة الإشاعات موروثة من أيام حسن البنا وهي إحدى تكتيكات الإخوان المفضلة*
وأمام هذه الحالة التي تنذر بالشر، طلب المأمور، ومعه بعض المعاونين من الضباط والجنود، من الإخوان التفرق وعدم الاستمرار، فقام الإخوان بالاعتداء على المأمور والضباط والمعاونين، وبحسب قول حسن البنا، في ردّه على مذكرة حكمدار العاصمة بخصوص هذه الواقعة؛ فإنّ سبب هذا الاعتداء أنّ إشاعة انتشرت تزعم أنّ المأمور قد مزق المصحف الذي بيد أحد الإخوان في المقدمة!! ولنا أن نتوقع من الذي أطلق الإشاعة؟ وبأي غرض؟ فالداخلية تعترض طريق الإخوان، ودوّت فجأة إشاعة ضدّ الداخلية، الأمر لا يحتاج إلى ذكاء خارق لنعلم أنّ الإخوان هم من أطلقوا تلك الإشاعة على المأمور، ولا يمكن ان تكون وليدة اللحظة، فالإخوان لمن لا يعرفهم، لا يتحركون بشكل فردي أو عشوائي؛ إذا كان طابور العرض غير المرخص مقصوداً، والمرور أمام قسم الشرطة والاحتكاك بهم، وإطلاق الإشاعة أيضاً مقصوداً، فقد كانت هذه الإشاعة تمثل تجربة المواجهة مع النظام، وقياس قدرة الإخوان على هزيمة الطرف الآخر، نفسياً وإعلامياً.
الحكاية الثانية
في يوم وفاة محمد حامد أبو النصر، المرشد الرابع للإخوان المسلمين، صدرت التعليمات للإخوان بالسفر لتشييع الجنازة، وعلمنا فيما بعد؛ أنّ الحشد كان المقصود منه بيعة الأستاذ مصطفى مشهور، تلك البيعة التي سميت “بيعة المقابر”، وفي السفر يستخدم الإخوان أسلوباً للتربية مع الجنود، بأن يكون بينهم مربٍّ يسامرهم، ويستغل وقت السفر بغرس أفكار الجماعة في المجموعة التي يصاحبها، كان ذلك في منتصف التسعينيات، وكان الإخوان آنذاك منشغلين بعمل حملة لمقاطعة أحد مساحيق الغسيل باعتباره منتجاً يهودياً!
أتذكر أنّني كنت أنتقد طريقة تعامل الإخوان مع المنتج، وأراها عبثية، وقد صرحت بهذا للمسؤول المربي المصاحب لنا، ومما قلته له: لا يكفي أن نقول إنّه منتج يهودي، أو منتج إسرائيلي؛ بل علينا أن نقدم للناس البديل الصالح كي يستجيبوا لمطالبنا بمقاطعته؛ لأنّه وببساطة، هذا المنتج فعّال فعلاً، ويلقى استحساناً كثيراً من البيوت المصرية، ولهذا الناس لا تستجيب لمطالبتنا لهم بمقاطعته، وقلت إنّ تصنيع مثل هذا المنتج ليس صعباً؛ لأنّ هناك رجال أعمال من الإخوان يمكنهم عمل مصنع لمسحوق مصري فعال ورخيص، فما كان من الأخ الفاضل الكبير إلا أنّ قال: إلى أن نصنع هذا المنتج علينا أن ننفّر الناس من المسحوق بنشر إشاعة أنّ فيه مادة كيميائية تسبّب السرطان، وهي التي تجعل الغسيل أكثر بياضاً من غيره، وأول أعراضها أنّها تسبب الحساسية في الجلد.
فقلت له: لكن هذا لا يجوز نحن بهذا نكذب على الناس؟! لكنّه أسكتني بطريقة فنية وبالضربة القاضية، فقال: “الضرورات تبيح المحظورات” وهذه ضرورة؛ فهذا المنتج يتم التبرع بجزء من أرباحه لشراء الأسلحة ضدّ إخواننا في فلسطين، الحقيقة لم أوافق على رأيه، ولم أكمل اعتراضي؛ فقد كانت كلمة فلسطين وإسرائيل في جملة واحدة، كافية لأن أوقف التفكير في الأمر برمّته.
القصة الثالثة
أتذكر الآن، وأعود بوجداني إلى حادث اهتزت له مدينتي، العام 2009، أثناء حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك؛ إذ فجأة تمّ القبض على أكثر من خلية في توقيت واحد، وكانت ضربات أمنية موجعة لتنظيم الإخوان المسلمين، وكنا نشعر بالغضب والحنق على القيادات الأمنية التي “لا تراعي الله، وتحاربه وتحارب دعوته” ( أو هكذا غسل أدمغتنا الإخوان).
*كيف لم أنتبه إلى أنّ سلاح الإشاعات يراه الإخوان وسيلة تقربهم إلى الله تعالى!*
ثم قام الإخوان بعقد اجتماع كبير فيه قيادات طلابية وشبابية في منزل أحدهم، وقد اتُّخذت كافة التدابير لتأمين الاجتماع وإخفائه عن أعين الأمن، لكن فجأة تمّت مداهمته، فما كان من أحدهم إلا أن حاول الهرب أو الاختباء، في غرفة من غرف المنزل، بين سور البلكون وجهاز التكييف الكبير المثبت تحت السور تماماً، وعندما قفز اختل توازنه وسقط في الساحة المجاورة للمنزل، وكانت كلها أخشاب (وهذا من رحمة الله) فلم يمت الأخ، لكنّه أصيب إصابات شديدة.
انتشرت الإشاعة كالنار في الهشيم؛ أنّ أمن الدولة قام بإلقاء أحد الإخوان من شرفة منزل في الدور الرابع، انتشرت الإشاعة وتوالت الدعوات على الضابط وأولاده وأهله بالهلاك، وأن ينتقم الله تعالى منهم، إلى أن استمعت إلى بعض شهود الواقعة، أو من كان قريباً منهم، وذلك بعد سقوط نظام مبارك، وأثناء دولة الإخوان ومجدهم، وأكّدوا براءة الضابط، وأنّ الإخوان استخدموا هذه الوسيلة (الإشاعة) لردع الداخلية.
أتذكّر كلّ هذا الآن، وأقول لنفسي: كيف لم أنتبه إلى أنّ سلاح الإشاعات يراه الإخوان وسيلة تقربهم إلى الله تعالى!
نقلاً عن حفريات