كريتر نت – متابعات
بينما يُنظر إلى دول مثل البرازيل والولايات المتحدة في الكثير من الأحيان على أنها تشكل ضغوطًا كبيرة على سياسات إنتاج النفط في أوبك، فإن رؤية المملكة العربية السعودية الطموحة 2030 قد تشكل تحديًا أكبر.
وتقول الباحثة جوليان جيجر في تقرير على موقع أويل برايس الأميركي إن هذه الإستراتيجية الاقتصادية التحويلية، التي يقودها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، تهدف إلى تحويل اعتماد المملكة بعيداً عن النفط، مما قد يؤدي إلى زعزعة استقرار التوازن الدقيق في أوبك.
تحولات باهظة الثمن
تتركز الخطة الكبرى لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لتنويع اقتصاد المملكة بعيدا عن النفط على تبني مشاريع فخمة. لكن عندما يرغب اقتصاد يعتمد على النفط مثل المملكة العربية السعودية في إنفاق تريليونات الدولارات على مشاريع غير مرتبطة بالنفط ويشعر بأنه مضطر لخفض إنتاج النفط – وهو شريان الحياة لاقتصاده – لمنع القاع من السقوط من أسواق النفط فلا بد من وجود شيء ما.
والسؤال ليس ما إذا كان هناك شيء قد تغير؛ بل هو ما إذا كان يجب الاستمرار في كبح جماح فورة الإنفاق أو ما إذا كانت هناك حاجة إلى خفض الإنتاج بشكل أكبر لرفع الأسعار حتى تؤتي خطط ولي العهد السعودي ثمارها.
ومنذ الإعلان عن رؤية 2030، واجهت السعودية تحديات مالية كبيرة. ومع أن أسعار النفط لم تعد عند أعلى مستوياتها في عام 2022، فإن اعتماد المملكة على دولارات النفط أصبح أكثر خطورة.
وتشير تقديرات صندوق النقد الدولي إلى أن سعر التعادل المالي للنفط في المملكة يقترب من 100 دولار للبرميل، لكن أسعار السوق الحالية أقل من ذلك، مما يعقّد تمويل مشاريع التنويع واسعة النطاق.
دور السعودية كعامل استقرار داخل أوبك يأتي بتكلفة، وقد تضطر إلى الالتزام بتخفيضات أطول وأعمق في الإنتاج
ويُنظر إلى السعودية منذ فترة طويلة على أنها صاحبة الوزن الثقيل في مجموعة أوبك. وحتى عندما أنشأت أوبك+ مع أعضاء إضافيين، مما أدى إلى جلب ثقل نفطي آخر في روسيا، كانت قدرة المملكة على حشد الأعضاء الآخرين والتوصل إلى توافق في الآراء بشأن مسائل إنتاج النفط غير واضحة.
وبناء على ذلك، فإن الدور الذي تلعبه السعودية كعامل استقرار داخل أوبك يأتي بتكلفة. وعندما يتهرب أعضاء آخرون من واجباتهم ويفرطون في الإنتاج، يتعين على أعضاء مثل السعودية أن يعوضوا النقص.
وفي حين يبدو أن المملكة العربية السعودية تسيطر على أوبك وأوبك+ عندما يتعلق الأمر بالتوصل إلى اتفاقيات خفض الإنتاج، وبينما لا يوجد شك في فهم القيادة السعودية الشديد لأسواق النفط وكيفية عملها، فقد استمر الأعضاء الأصغر في الإنتاج الزائد بما يتجاوز حصتهم.
وباعتبارها العضو الذي ينتج أكبر قدر من النفط، يبدو أن السعودية تعمل دائمًا على خفض الإنتاج الإضافي للتعويض عن المتخلفين، وبتكلفة كبيرة.
وفي أحسن الأحوال، قد تكون التكلفة هي اضطرار المملكة إلى تأخير خططها الطموحة التي تتطلب عائدات نفطية أكبر مما لديها. وفي أسوأ الأحوال، إلغاء الخطط، أو إجراء تعديلات على مستويات إنتاجها النفطي.
سعر التعادل المالي للنفط في المملكة يقترب من 100 دولار للبرميل، لكن أسعار السوق الحالية أقل من ذلك
ومنذ أن بدأت مجموعة أوبك+ خفض الإنتاج العام الماضي، فشلت عائدات التصدير في الارتفاع بشكل ملحوظ. ويعني انخفاض الإنتاج أنه بينما تحاول المملكة الحفاظ على أسعار النفط، فإنها تضحي أيضًا بالإيرادات المحتملة، مما يؤدي إلى تفاقم عجز الموازنة وفرض ضغط إضافي على المالية العامة.
واستجابة لانخفاض عائدات النفط، لجأت السعودية إلى الديون الدولية، لتصبح أكبر مصدر بين الأسواق الناشئة. ويؤكد هذا الاعتماد على الديون، إلى جانب انخفاض الاستثمار الأجنبي المباشر خارج قطاع النفط، على نقاط الضعف الاقتصادية في المملكة.
وتعد السعودية الآن أكبر مصدر للديون الدولية بين الأسواق الناشئة، وقد أصبحت جدارتها الائتمانية واستقرارها المالي تحت المجهر.
ولسوء الحظ بالنسبة إلى المملكة فقد تضافر هذا مع انخفاض مستويات الاستثمار الأجنبي المباشر خارج قطاع النفط والغاز، والذي كانت تأمل أن يكون حجر الزاوية في اقتصادها المتنوع الجديد.
لكن المستثمرين الأجانب يظلون حذرين بسبب ارتفاع أسعار النفط التي تحقق التعادل المالي، والتي تتجاوز أسعار السوق الحالية. وتستهدف المملكة استثماراً أجنبياً مباشراً بقيمة 100 مليار دولار سنوياً، لكن لا يزال أمامها الكثير لتفعله لجذب المستثمرين.
الآفاق المستقبلية
السعودية تعد الآن أكبر مصدر للديون الدولية بين الأسواق الناشئة، وقد أصبحت جدارتها الائتمانية واستقرارها المالي تحت المجهر
على الرغم من التحديات المالية، تبدو المملكة العربية السعودية ثابتة في التزامها برؤية 2030. ويهدف إنشاء إدارة الكفاءة داخل المديرية العامة للمواد الهيدروكربونية إلى تعزيز استخراج النفط ودمج تقنيات احتجاز الكربون، وهو أمر بالغ الأهمية للحفاظ على مستويات الإنتاج والأهداف البيئية.
وعلاوة على ذلك، تعمل الحكومة على تبسيط عمليات الموافقة وتقليل العقبات البيروقراطية، وهو ما من شأنه أن يساعد في تسريع الجداول الزمنية للمشروع وتحسين ثقة المستثمرين.
ويعتبر تحقيق التوازن بين السعودية وبين الحفاظ على استقرار أوبك، والحفاظ على عائدات النفط، والاستثمار في القطاعات غير النفطية مسعى معقدا.
وبينما تتحمل المملكة عبء تخفيضات إنتاج أوبك، فإن التحوّل الاقتصادي في المملكة بموجب رؤية 2030 يشكل تحديًا فريدًا، ومن المحتمل أن يعيد تشكيل ديناميكيات النفط العالمية ومستقبل منظمة أوبك.
وما لن تتمكن السعودية من فعله هو تحمل العبء الكامل لمتخلفي إنتاج أوبك إلى الأبد. وقد يعني هذا أن تضع السعودية أقدامها وتضغط على أعضاء أوبك لإبقاء إنتاجهم تحت السيطرة، مع الحرص على عدم الإخلال بالتناغم الدقيق للمجموعة، التي واجهت في السنوات الأخيرة بعض المخاوف مع الأعضاء غير الراضين بالفعل عن حصصهم.