كريتر نت .. طقس العرب
يراقب مختصو مركز طقس العرب الإقليمي آخر ما تؤول إليه مخرجات النماذج الحاسوبية الخاصة برصد درجة حرارة المسطحات المائية، والتي لاحظ المختصون من خلالها أن منطقة الحوض الشرقي للبحر المتوسط تشهد ارتفاعًا في حرارة سطح المياه حيث تصل من 30 إلى 31 درجة مئوية في الجزء الأوسط منه، خاصة البحر الأيوني الذي يُعتبر جزءًا من البحر المتوسط، والذي انطلقت منه عاصفة دانيال العام الماضي. وبذلك تكون درجة حرارة سطح المياه قد تخطت معدلاتها المعتادة بنحو 5 درجات مئوية، ومن المرجح أن يشهد البحر المتوسط المزيد من الارتفاع في ظل هيمنة الكتل الهوائية الحارة (موجة حر بحرية) خلال ما تبقى من آب، وبخاصة مع تمدد الهواء الحار من القارة الإفريقية نحو القارة الأوروبية.
احترار البحر الأبيض المتوسط يعتبر بيئة خصبة لتكون العواصف المتوسطية
وأشار المختصون الجويون في طقس العرب إلى أن هذه الظروف الجوية الدافئة جدًا والرطبة في البحر الأبيض المتوسط قد تكون بيئة خصبة تساهم في تكون العواصف المتوسطية (Medicanes)، والتي تشبه العواصف والأعاصير المدارية من حيث الهيكل والظواهر الجوية المصاحبة، ولكنها تحدث في منطقة البحر المتوسط
وتتميز هذه العواصف بخصائص شبه استوائية تشبه العواصف التي تنشأ في المناطق القريبة من خط الاستواء. فعلى الرغم من أن قوتها أقل من العواصف التي تنشأ في المحيطات والبحار الواسعة، إلا أنها لا تقل خطرًا وتدميرًا. وتظهر العواصف المتوسطية على صور الأقمار الصناعية كدوامات سحب رعدية قوية حول مركز الضغط الجوي المنخفض، مصحوبة برياح شديدة وكميات ضخمة من الأمطار، ويكون مركز العاصفة دافئًا. تغذى هذه العواصف على حرارة ورطوبة سطح المياه، وتفقد جزءًا كبيرًا من قوتها عند دخول اليابسة
وتُصنَّف هذه العواصف بدءًا من منخفض جوي شبه استوائي، يليه عاصفة شبه استوائية، وقد تصل في بعض الأحيان إلى مستوى إعصار متوسطي شبه استوائي يُعرف بـ”الميديكين”. على سبيل المثال، الإعصار المتوسطي “يانوس” الذي ضرب اليونان في عام 2020.
مع اقتراب ذكراها … عاصفة دانيال نظام جوي استثنائي في البحر المُتوسط
وقال المختصون الجويون في مركز طقس العرب إن الجزء الأوسط من البحر الأبيض المتوسط، وتحديدًا منطقة البحر الأيوني بين إيطاليا والبلقان، والذي انطلقت منه شرارة عاصفة دانيال العام الماضي، يشهد احترارًا ملحوظًا حيث تصل درجة حرارة سطح المياه إلى ما يزيد عن 30 درجة مئوية وهي بيئة خصبة لتشكل العواصف المتوسطية.
وبالعودة إلى أرشيف العام الماضي، وتحديدًا شهر أيلول 2023، تعرضت ليبيا لعاصفة “دانيال” شبه الاستوائية والتي نتجت عن احترار البحر الأبيض المتوسط. وعلى الرغم من أنها لم تصل إلى تصنيف إعصار متوسطي، إلا أن تأثيراتها كانت كارثية لعدة أسباب، أبرزها حرارة المياه في وسط البحر الأبيض المتوسط والتي كانت الأعلى منذ عام 2009، حيث تراوحت بين 27 و30 درجة مئوية، مما خلق بيئة خصبة لنمو هذا النوع من العواصف.
كما تسببت الحركة البطيئة للعاصفة في بقائها لفترة طويلة فوق البحر، مما سمح لها بالتطور من منخفض متوسطي شبه استوائي إلى عاصفة شبه استوائية قوية قبل وصولها إلى ليبيا، وأدى تدفق الرياح الدافئة نحو مركز العاصفة إلى زيادة حدة عدم الاستقرارية الجوية، مما ساهم في تقوية العاصفة، وهطلت كميات أمطار ضخمة تجاوزت 400 ملم في يوم واحد، وهي كمية تقارب ما يهطل على بعض المدن الأردنية في عام كامل.
هل تتكرر عاصفة دانيال؟
وفي هذا السياق، يتبادر إلى أذهان العديد من الأشخاص السؤال عن احتمال تكرار عاصفة دانيال. وقال المختصون الجويون في مركز طقس العرب إن عاصفة دانيال كانت استثنائية واجتمعت فيها العوامل الجوية والطبوغرافية مع بعضها البعض مما منحها تأثيرات كارثية على أرض الواقع. ومع ذلك، لا يمكن الجزم بأن عاصفة دانيال قد تتكرر هذا العام لأن الأنماط الجوية تختلف من عام لآخر. ولكن مما لا شك فيه أن درجة حرارة سطح المياه في الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط مناسبة لتطور عواصف متوسطية في الخريف القادم، لكن ذلك يحتاج إلى ظروف جوية خاصة مثل انفصال المنخفض الجوي العلوي عن الدورة العامة للتيار النفاث واكتسابه لخصائص شبه استوائية بعد مكوثه مطولًا فوق سطح المياه.
تاريخ طويل من عواصف وأعاصير البحر الأبيض المتوسط
وتجدر الإشارة إلى أنه تاريخيًا قد تعرض البحر الأبيض المتوسط لأنماط جوية (عواصف متوسطية) أكثر شدة من عاصفة دانيال، بعضها بلغ قوة إعصار مداري من الدرجة الأولى. ولعلّ أوضح الأمثلة على أعاصير البحر المتوسط، هو ما حدث في منتصف شهر يناير/كانون الثاني من عام 1995، حينما تشكل إعصار في وسط البحر المتوسط، في المنطقة البحرية بين إيطاليا واليونان وليبيا. كما شهدت نفس هذه المناطق البحرية تقريبًا تشكُّلًا لإعصار متوسطي عام 2014، سُمي بعاصفة قندريسا، والتي أثرت بشكل رئيسي على جزأي صقلية ومالطة، بأمطار غزيرة وزخات برد وهبّات رياح قوية بلغت سرعتها 150 كم/ساعة
تُعتبر الكتل الهوائية الباردة القادمة من الشمال العامل الأساسي في تشكُّل مثل هذه الأنظمة الجوية، حيث يعمل تقابل هذا الهواء البارد مع الهواء الرطب والدافئ القادم من الجنوب على تشكُّل المنخفضات الجبهية، بالتزامن مع دفء مياه البحر إلى أكثر من 20 درجة مئوية، بالإضافة إلى وجود أحوال جوية شديدة الاضطراب.
وفي حال توافرت جميع الظروف الجوية أعلاه، فإن الشرط الوحيد المتبقي هو انفصال المنخفض الجوي المتشكل عن الكتلة الباردة بالشمال، واكتسابه لخصائص استوائية كافية. وهذا الأمر لا يحدث إلا بشكل نادر جدًا