كريتر نت – متابعات
سلط باحث إستراتيجي إسرائيلي الضوء على التحدي الكبير الذي باتت تواجهه قوات الاحتلال في الضفة الغربية، مشيرا إلى بروز عوامل جديدة قد يؤدي تراكمها إلى اندلاع انتفاضة ثالثة في الضفة الغربية.
وقال الدكتور ميخائيل ميلشتاين، رئيس منتدى الدراسات الفلسطينية في مركز ديان بجامعة تل أبيب، في مقال بصحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية، إن الضفة الغربية “تغلي بعد 10 أشهر من الاستقرار النسبي”. وأرجع ذلك إلى أسباب، أبرزها: محاولة المقاومين فيها تقليد أساليب غزة، والسلاح القادم من إيران، وانهيار فتح، وحالة المقاومة في جنين، ووجود قائد جديد لحماس في الضفة الغربية مصمم على إثبات نفسه.
بالمقابل، تجاهل الكاتب الإشارة إلى أن ردة فعل الفلسطينيين في الضفة يقف وراءها تفاعل الفلسطينيين مع المجازر التي يرتكبها الاحتلال في قطاع غزة، واستمرار الممارسات القمعية لقوات الاحتلال واقتحاماتها المستمرة للضفة الغربية، وتدشين وزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير لتسليح المستوطنين بغرض تنفيذ اعتداءات يومية على الفلسطينيين وتدمير ممتلكاتهم.
وبينما أشار إلى تزايد عمليات المقاومة خلال الأسبوعين الماضيين، فقد رأى ميلشتاين “أن دور السلطة الفلسطينية وجهود الجيش الإسرائيلي حالت حتى الآن دون سيناريوهات مرعبة مثل انتفاضة ثالثة ستؤدي قريبا إلى تحدّ إستراتيجي شديد لإسرائيل”.
زاهر جبارين
وركز الباحث الإسرائيلي على ما قال إنها 3 عوامل متشابكة تؤدي إلى تصعيد العمليات في الضفة الغربية التي بدأت قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول وتسارعت نتيجة لذلك.
وقال “العامل الأول هو الجهود المتنامية التي تبذلها حركة حماس لإشعال المنطقة وتعزيز مكانة المنظمة في الضفة الغربية. ويروج لأغلب هذه الجهود زاهر جبارين، رئيس حماس في الضفة الغربية، الذي عُيّن في هذا المنصب بعد اغتيال صالح العاروري في يناير/كانون الثاني”.
وتحدث عن سيرة جبارين فقال “مثل السنوار والعاروري، سجن جبارين مدة طويلة (حكم عليه بالسجن عدة مؤبدات في عام 1993 وأطلق سراحه في صفقة شاليط)، ويتحدث العبرية بطلاقة، وعلى دراية جيدة بأسرار المجتمع الإسرائيلي. وهو يعمل حاليا من تركيا”.
وزعم ميلشتاين أن جبارين هو “المموّل الأول لحماس، ويسيطر على شبكة من الشركات والشركات العقارية وجمع الأموال”.
وقال الباحث الإسرائيلي “يريد جبارين أن يثبت أنه ليس أقل من سلفه، وفي الوقت نفسه يظهر مساهمة الضفة الغربية في النضال الوطني، ردا على الانتقادات الداخلية بأن انتفاضة ثالثة لم تندلع للتخفيف على قطاع غزة المنهك”.
ورأى أن “الضفة الغربية هي نقطة الضعف في إسرائيل”، مؤكدا أنه “منذ حوالي شهر، والمقاومة هناك قادرة على اختراع أدوات جديدة للقتال، بينما تظهر جميع استطلاعات الرأي أن الفلسطينيين في الضفة الغربية يفضلون الكفاح المسلح، وهو ما ظهر بالفعل عندما قادوا الانتفاضتين الأولى والثانية”.
وفي محاولة تحريض لا تخلو من التشويه، زعم ميلشتاين أن “قصة حياة جبارين هي الرغبة في تخليص نفسه من صورة قاتمة وإثبات أنه قائد قدير”، ونقل عن العميد المتقاعد ورئيس المخابرات السابق في مصلحة السجون الدكتور يوفال بيتون “لم يكن جبارين أبدا قائدا بارزا بين السجناء. وينظر إليه على أنه قائد تكتيكي يأتي من الأطراف (بلدة سلفيت)، ومن المرجح أن اختياره نائبا للعاروري جاء لأنه لم يعدّه تهديدا. إنه يستمد مكانته من كونه من أوائل الذين انضموا إلى الجناح العسكري في الضفة الغربية ومن حقيقة أنه كان الرجل الذي جنّد يحيى عياش. وبعد أن وجد نفسه في طليعة المسرح، عقب اغتيال العاروري، يريد أن يثبت أنه قائد جدير”.
اتهام إيران
ثم انتقل إلى الحديث عن السبب الثاني للتصعيد في الضفة الغربية، متهما إيران بمحاولة تسليح الضفة الغربية، فقال إنها “كانت تعمل قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول على إشعال المنطقة من خلال تمويل وتشجيع البنية التحتية المحلية وإغراق الضفة الغربية بالأسلحة”.
وأضاف “يروّج فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني لجهود مكثفة لتهريب الأسلحة من سوريا عبر الأراضي الأردنية إلى الضفة الغربية، ومن ذلك القنابل القوية والألغام وقاذفات آر بي جي”.
وأضاف “قبل 3 أشهر من 7 أكتوبر/تشرين الأول، أعلن الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية زياد النخالة اتخاذ إجراءات وصياغة خطط لتسليح الضفة الغربية من أجل التوصل إلى تحول إستراتيجي، ومن ذلك عن طريق تهريب الأسلحة وشرائها من عناصر في إسرائيل. الهدف هو الانتقال من الهدوء إلى المقاومة”.
ومضى بالقول إن “جهود حماس وإيران تغير الواقع الأمني في الضفة الغربية. تواجه قوات جيش الدفاع الإسرائيلي العاملة في شمال الضفة شبكات تقوم بالقتال في المناطق المبنية وتفجير عبوات ناسفة بكثافة غير مسبوقة في المنطقة. ومع اشتداد التهديد، يصعّد الجيش الإسرائيلي أيضا، مثل التشغيل الواسع النطاق للطائرات من دون طيار، وهي أداة امتنعت إسرائيل عن استخدامها في الضفة الغربية 17 عاما”.
وأشار إلى أنه “منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، تم القضاء على نحو 570 فلسطينيا في الضفة الغربية، 70% منهم في شمال الضفة و100 من هؤلاء في غارات جوية”.
ورأى ميلشتاين أن البنية التحتية لحماس “تتميز بالجرأة والتنظيم والتطور أكثر مما كانت عليه في الماضي، وتركز على الهجمات ضد الأهداف العسكرية والمدنية في الضفة الغربية وضد المجتمعات على طول خط التماس، وتتوسع باتجاه طولكرم وأريحا، وتحاول إعادة العمليات إلى قلب إسرائيل، ولكنها في الوقت نفسه تطور تقليدا لأساليب غزة، مثل تصنيع الصواريخ والتخطيط لغارات على المستوطنات الإسرائيلية”.
ثم انتقل إلى الحديث عن العوامل المحفزة للفلسطينيين للمقاومة في الضفة، وخاصة في نابلس ومخيمات اللاجئين في الضفة الغربية التي عدّها مصدرا محوريا للتهديدات الأمنية لإسرائيل.
ونقل عن أريك باربينغ، الذي شغل منصب رئيس منطقة الضفة الغربية والقدس في الشاباك حتى عام 2019، القول “إنها مناطق سابقة تخشى السلطة الفلسطينية العمل فيها، وهناك جميع مكونات الحريق: الضائقة الاقتصادية، استمرار استحضار الفلسطينيين لذكرى النكبة (التي أدت إلى تهجير فلسطينيي 48 إلى هذه المخيمات) التي تنتقل من جيل إلى جيل، البطالة والفراغ الحكومي”.
ضعف السلطة الفلسطينية
أما السبب الثالث للتصعيد، حسب ميلشتاين، فهو ضعف السلطة الفلسطينية الذي قال إنه يعود لسببين هما: “الصورة السلبية في الداخل كجسم فاسد ومهتز بعكس سلطة حماس في غزة، والتضييق الذي تفرضه إسرائيل (موازنة عائدات الضرائب وتقييد حركة العمال إلى إسرائيل) إذ تجعل من الصعب العمل باستمرار، وذلك يسهم في خلق أزمة اقتصادية تؤدي إلى فقدان تدريجي للسيطرة على الأرض وخاصة في نابلس”.
واستشهد على ذلك “بمحاولة السلطة الفلسطينية الفاشلة قبل 3 أسابيع اعتقال أبو شجاع (محمد جابر)، قائد كتيبة طولكرم التابعة للجهاد الإسلامي، الذي نقل إلى المستشفى في المدينة بعد إصابته في محاولة اغتيال إسرائيلية، حيث قوبلت قوات الشرطة الفلسطينية التي دخلت المبنى بحشد غاضب طردهم من المبنى وأنقذوا الرجل المطلوب وحملوه على أيديهم في موكب.
ورأى الباحث أن حركة فتح تشهد تفككا متسارعا الآن، و”تنعكس هذه العملية في نمو المليشيات المحلية التي لها ظاهريا علاقات مع المنظمة الأم، ولكنها في الواقع تعمل كمنظمات ذات طابع إسلامي متطرف”.
وينعكس ذلك في شريط فيديو من قبل أسبوعين لمنظمة تسمى “الرد السريع” من مخيم طولكرم للاجئين، يعلن فيها أحد قادتها: “سنسير على طريق الشهداء حتى تتحرر فلسطين من نجاسة اليهود، هذا جهاد هدفه النصر أو الشهادة”.
وقال إنه في مناطق عدة، لا سيما جنين وطولكرم، تتعاون عناصر من فتح مع عناصر حماس والجهاد الإسلامي في فلسطين لتشكيل خلايا مقاومة.
ولمواجهة حالة التصعيد هذه، دعا الكاتب إلى النظر بحذر ثاقب إلى الضفة الغربية، والتركيز على الاستقرار الاقتصادي، وتقوية السلطة الفلسطينية، وتعزيز ردع الشعب الفلسطيني.
وختم بالقول إن “جهود الجيش الإسرائيلي التي حالت حتى الآن دون سيناريوهات مرعبة مثل انتفاضة ثالثة يتم تقويضها بمعدل متزايد وستؤدي قريبا إلى تحدّ إستراتيجي خطير”، داعيا إسرائيل إلى “إنهاء حملات الاستنزاف في الشمال والجنوب والتركيز على التهديد الإيراني”.