كريتر نت – متابعات
قالت صحيفة “فايننشال تايمز” إن كبار المسؤولين الصينيين والأميركيين التقوا بهدوء لتثبيت العلاقات بين بلديهما في قمم سرية في أنحاء مختلفة من العالم، بعد حادثة تحليق المنطاد الصيني فوق الولايات المتحدة، التي أدت وقتئذ إلى تدنّي العلاقات بين البلدين إلى أضعف مستوى لها منذ تأسيسها عام 1979.
وبعد 3 أشهر من الحادثة شرع مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان في مهمته السرية الخاصة، وسافر إلى فيينا في مايو/أيار 2023 لحضور اجتماع بالغ الأهمية، مع وانغ يي، الدبلوماسي الصيني المخضرم الذي أصبح أكبر مسؤول عن السياسة الخارجية لبلاده، وسيصل إلى بكين غدا في أول زيارة له للصين بصفته مستشارا للأمن القومي الأميركي.
بعد المصافحات والتقاط صورة جماعية، بدأ الفريقان سلسلة من المحادثات امتدت أكثر من 8 ساعات على مدى يومين، فكان ذلك إيذانا ببدء لقاءات سرية عديدة في أماكن مختلفة، شملت مالطا وتايلند، وأصبح يطلق عليها الآن “القناة الإستراتيجية”.
تمتص الصدمات
لعبت هذه القناة -حسب الصحيفة- دورا حيويا في إدارة العلاقات بين القوى العظمى المتنافسة خلال فترة محفوفة بالتوترات، وأصبحت القناة بمنزلة الماصّ للصدمات، ويقول المسؤولون إنها ساعدت في الحد من خطر سوء التقدير من قبل الدولتين.
ومع أن القناة الخلفية لم تحل القضايا الأساسية بين القوى العظمى المتنافسة، فإنها ساعدت كلا منهما في فهم الآخر كما تقول روري دانييلز، من معهد سياسة جمعية آسيا، مضيفة “لقد كانت ناجحة جدا في تحقيق الاستقرار على المدى القصير، وتوصيل الخطوط الحمراء ومعاينة الإجراءات التي قد يُنظر إليها على أنها ضارة بالجانب الآخر”.
وأوضحت الصحيفة، بناء على مقابلات مع مسؤولين أميركيين وصينيين، أن حادثة البالون لم تكن إلا واحدة من العديد من الأحداث التي دفعت العلاقات بين واشنطن وبكين إلى الانهيار، إذ كانت الصين غاضبة من ضوابط التصدير الأميركية على أشباه الموصلات، في حين كانت واشنطن غاضبة من دعم الصين لحرب روسيا في أوكرانيا.
ومن وراء كل ذلك تايوان؛ الموضوع الأكثر حساسية في العلاقات الأميركية الصينية، إذ زادت الصين من نشاطها العسكري حول الجزيرة، وفي الوقت نفسه غضبت بكين من الجهود الأميركية لتسليح تايوان وتدريب جيشها.
زيارة بيلوسي وحادثة البالون
واندلع التوتر في أغسطس/آب 2022 إذ زارت نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب الأميركي تايوان، وردت الصين بتدريبات عسكرية ضخمة وأطلقت صواريخ باليستية فوق الجزيرة لأول مرة، وقد كان سوليفان على دراية بهذه الأحداث أثناء استعداده للاجتماع.
وقال أحد المسؤولين الأميركيين للصحيفة إن ما كان يدور في ذهن جيك سوليفان هو “أننا يجب أن نأخذ كل ما حدث من قبل في الاعتبار ونحدد مسارا يقودنا إلى مسار مستقر، دون أن نتراجع قيد أنملة عن الأشياء التي نرى أنها في مصلحتنا”.
حافظ الجانبان على سرية الاجتماع بالبقاء في الفندق، أثناء مهمة محاولة تثبيت استقرار أهم علاقة ثنائية في العالم، بعد أن كان الرئيسان الأميركي جو بايدن والصيني شي جين بينغ قد اتفقا قبل 6 أشهر في قمة مجموعة العشرين في بالي بإندونيسيا، على إنشاء قناة إستراتيجية من أجل وضع “أرضية” لمنع تدهور أكثر في العلاقات بينهما.
ومع أن فيينا كانت فرصة لمحاولة إعادة تشغيل العلاقات بعد حادثة البالون، فإن الأميركيين لم يكونوا متأكدين من موافقة الصين، بسبب تبادل غاضب حول أوكرانيا بين وانغ يي ووزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في ميونخ قبل أشهر.
قضايا إستراتيجية
ودخل كل جانب الاجتماعات بقائمة مخصصة من القضايا الإستراتيجية التي يريد مناقشتها بالتفصيل، إذ يقول أحد المسؤولين الصينيين إن وانغ استخدم اللقاءات في فيينا ومالطا وبانكوك لتأكيد 3 مواضيع، وهي كون تايوان “خطا أحمر” وأن استقلال تايوان هو الخطر الأكبر على السلام، وأن وقوف الولايات المتحدة مع تايوان يعدّ تدخلا في شؤون الصين الداخلية.
وقال المسؤول الصيني إن القناة الإستراتيجية سمحت لوانغ وسوليفان بمناقشة تايوان بطريقة “صريحة للغاية”، وقد أكد سوليفان أن واشنطن لم تكن تحاول إشعال حرب، وأن الصين تستجيب لإغراء المؤامرة بشأن نوايا الولايات المتحدة، وقال “نحن لا نحاول جرّ الصين إلى صراع حول تايوان”.
وذكّرت الصحيفة باللحظات التي أدت إلى تدهور العلاقات بين البلدين مثل تبادل التوبيخ عام 2021 في اجتماع بين البلدين، وزيارة بيلوسي لتايوان عام 2022، ثم حادثة البالون الصيني الذي أسقطه الجيش الأميركي عام 2023.
وقد تلا هذه الأحداث اجتماع سوليفان ووانغ في فيينا الأول والثاني، قبل أن يزور وانغ واشنطن ليمهد الطريق للقاء رئيسي الولايات المتحدة والصين، إذ التقى بايدن وشي في سان فرانسيسكو لعقد قمة يتفق الجانبان على أنها تمثل خطوة نحو تخفيف التوتر بين بلديهما.
منافسة وتعاون
ورفض وانغ تأطير الولايات المتحدة للعلاقة باعتبارها “منافسة”، وأكد أن الصين تعارض ضوابط التصدير الأميركية، ولكن سوليفان أفهم وانغ أن الدولتين كانتا في منافسة ولكن لا ينبغي أن يمنع ذلك التعاون بينهما.
وكانت اللقاءات -حسب الصحيفة- نوعا من الإعداد لما ينبغي أن يناقشه الجانبان، كالصفقات المحتملة لقمة سان فرانسيسكو، والتسوية التي تتضمن رفع الولايات المتحدة للعقوبات عن معهد الطب الشرعي التابع للحكومة الصينية مقابل اتخاذ الصين إجراءات صارمة ضد تصدير المواد الكيميائية المستخدمة في صنع الفنتانيل، إضافة إلى إحياء قنوات الاتصال بين الجيشين التي أغلقتها الصين بعد زيارة بيلوسي لتايوان، ثم إنشاء حوار حول الذكاء الاصطناعي.
وفي النهاية، سارت الفعالية دون أي عقبات، وعقد بايدن وشي 4 ساعات من المحادثات، وبدا أن كلا الجانبين خرج راضيا، إذ قال مسؤول أميركي “لقد غادرنا القمة بـ3 نتائج قوية جدا رغم الربيع الصعب”.
دور فعال
وبعد شهرين من سان فرانسيسكو، التقى وانغ وسوليفان مرة أخرى في بانكوك حيث ركز وانغ -حسب مسؤول أميركي- على قضيتين: تقاطع الاقتصاد والتكنولوجيا والأمن، ثم تايوان، وكان وانغ مصمما على أن واشنطن تحاول احتواء صعود الصين الاقتصادي من خلال إستراتيجية مراقبة الصادرات.
وفي بانكوك، أثار سوليفان مرة أخرى قضية الدعم الصيني لروسيا، ويقول مسؤول أميركي إن الصين اتخذت بعض التدابير البسيطة لمعالجة المخاوف الأميركية، لكن “الاتجاه العام ليس رائعا”.
وتقول دانييلز إن هذه القناة الدبلوماسية لا يمكنها أن تفعل كثيرا لحل الخلافات الكبيرة التي لا تزال قائمة بين الولايات المتحدة والصين، إذ “لم تنجح بعد في بناء الدعم في أي من البلدين لمتابعة علاقة أقل مواجهة بشكل أساسي”.
ومع ذلك، وعلى الرغم من العديد من الاختلافات، يقول الجانبان إن القناة قيمة، وقال مسؤول صيني إنها آلية “مهمة للغاية” لعبت دورا بنّاء ومكّنت من إجراء مناقشات مهمة حول تايوان، وقد ساعدت في خفض درجة الحرارة في تايوان بعد أن كانت الولايات المتحدة والصين على مسار نحو صراع محتمل.
وقال سوليفان للصحيفة إنه لم يكن لديه أي أوهام بأن القناة ستقنع الصين بتغيير سياساتها، لكنه أكد أنها لعبت دورا فعالا في المساعدة في تحويل الديناميكية في العلاقات الأميركية الصينية.