كريتر نت – متابعات
ترى الكاتبة جولسون سيزاري في كتابها “ما هو الإسلام السياسي؟” أن الإسلام السياسي بوصفه قومية دينية “تجسدت بسبب الخصوصيات الثقافية والسياسية للدولة القومية التي بنيت على انهيار الإمبراطورية العثمانية”.
ووفقاً لسيزاري، فإن إدراج الشرق الأوسط في النظام الوستفالي في القرن التاسع عشر كان جديداً؛ لأنه “حتى ذلك الحين، لم تكن مفاهيم الإقليم والدولة تشكل جوهر تعريف السياسات الإسلامية، كما كانت الحال بالنسبة للدول الأوروبية” (16). لقد استُخدم الإسلام (ولا يزال يُستخدم) لبناء دول داخل دول تم اقتطاعها من أراضي الإمبراطورية العثمانية المنهارة.
وترى سيزاري أن مشروع بناء “الدولة-الأمة” لا ينبغي أن يُعزى إلى القوى الغربية وحدها؛ لأن ذلك يقوض إسهام الساكنة المحلية في العالم الإسلامي في خلق الثقافة السياسية، بحسب قراءة أورها المركز العربي لدراسات التطرف للكتاب.
ولتعقيد هذا الخطاب الذي يدور حول وكالة المستعمرين، تذكر سيزاري مساهمات الإصلاحيين المسلمين، مثل رفاعة الطهطاوي المصري أو محمد عبده، في النقاش الدائر حول العلاقة بين الدولة والدين. وبالنسبة إلى سيزاري، فإن الإسلام السياسي ليس هوية ثابتة بأي حال من الأحوال؛ فهو لا يزال يتكيف مع التحديات الاجتماعية والسياسية الجديدة.
تعتمد سيزاري على مفهوم فوكو للحكم لدراسة الإسلام السياسي كأسلوب للسلطة ينبني على حكم المواطنين وانضباطهم، وتشير إلى استخدام الدين لتعزيز الدولة ليس فقط أثناء عملية تشكيل الدولة القومية في فترة ما بعد الاستعمار، بل تم استخدامه أيضًا والتلاعب به بشكل كبير من قبل القوى الاستعمارية.
وتصف سيزاري عملية سيطرة الدولة على الدين من خلال التغييرات التي شهدتها مجالات القانون والتعليم في ظل الحكم الاستعماري وبعده في البلدان ذات الكثافة السكانية المسلمة الكبيرة. فعلى سبيل المثال، تصف ظهور “القانون الأنجلو محمدي” في ظل الحكم البريطاني في الهند والذي جمع بين جوهر القانون البريطاني والشريعة الإسلامية “المدونة والمجمدة” من أجل أن يكون قادرًا على حكم السلوك العام والخاص لرعاياه.
وفي ما يتصل بالإسلام السياسي العابر للحدود الوطنية والعالمي، تقدم سيزاري أمثلة الشبكات الإرهابية. وقد يظن المرء أن الصعود المعاصر لشبكات الإرهاب مثل القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية لا يمكن فهمه من خلال عدسة الإسلام المسيس والوطني، نظراً لنطاقها الدولي.
ومع ذلك، تقول سيزاري إن هذه الشبكات لا تزال لديها رؤية إقليمية للإسلام، ويجب النظر إلى شعبيتها باعتبارها “عولمة للأشكال الوطنية للإسلام”. وبدلاً من تعزيز الخيال المقيد بحدود الدولة، تعمل هذه الشبكات على إضفاء طابع مثالي على مجتمع عالمي متجانس من المسلمين ــ الأمة.
من بين المساهمات الدائمة لهذا الإصدار هو منظوره الاجتماعي في فهم العلاقات بين الإسلام والدولة؛ إذ يضع الإسلام السياسي باعتباره نتيجة متطورة للتغيرات الاجتماعية والسياسية التي شهدها القرنان التاسع عشر والعشرين في المناطق التي كانت مستعمرة في السابق.