كريتر نت – متابعات
روسيا تبذل كل ما في وسعها لتمكين القوى المعادية وتقويض الاستقرار في الشرق الأوسط وأفريقيا، بدءاً من الشائعات المتعلقة بتحديث صواريخ الحوثيين، إلى عمليات تسليم الأسلحة بالطن إلى ليبيا.
ووفقا لتقرير نشرته صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية مؤخراً نقلاً عن مصادر استخباراتية أميركية، تستعد روسيا لتزويد ميليشيا الحوثيين المدعومة من إيران في اليمن بصواريخ متطورة مضادة للسفن. وإذا كان التقرير دقيقاً، فإن ذلك سيمثل تصعيداً روسياً آخر في التوترات مع الغرب.
ويتوافق تسليح الوكلاء أو تمكينهم مع قواعد اللعبة التي يمارسها الكرملين. فمنذ هجوم حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر، أصبح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين متحالفاً بشكل أوثق مع القوى المناهضة للولايات المتحدة والمزعزعة للاستقرار في الشرق الأوسط. وقد اختار نزاعاً منخفض الحدة مع الغرب لأن روسيا لديها موارد أقل.
وبالنسبة إلى موسكو، أثبت تشتيت انتباه الولايات المتحدة بتكلفة منخفضة وإجبارها على إنفاق مواردها في مواجهة الوكلاء المتمكنين أنه تكتيك فعال في معركتها الأكبر لإعادة تشكيل النظام الدولي.
وقالت آنا بورشيفسكايا وهي زميلة أقدم في برنامج مؤسسة دايين وغيلفورد غليزر في تقرير نشره معهد واشنطن إنه في الكثير من الأحيان، كانت ردود واشنطن على الاستفزازات الروسية منعزلة ضمن مسارح إقليمية محددة وغير مرتبطة بإستراتيجية شاملة. ونتيجة لذلك، لم تغير هذه الردود بشكل ملحوظ إستراتيجية بوتين لتقويض المصالح الأميركية من خلال الحرب بالوكالة.
ويعود اعتماد روسيا المتزايد على الوكلاء إلى الفترة 2014 – 2015، عندما ضمت بشكل غير قانوني شبه جزيرة القرم من أوكرانيا ثم تدخلت عسكرياً في سوريا. ومنذ ذلك الحين، تتبع روسيا ما وصفه رئيس الأركان الروسي آنذاك فاليري غيراسيموف، أثناء حديثه عن سوريا في مؤتمر الدفاع السنوي “للأكاديمية الروسية للعلوم” في أوائل عام 2019، بإستراتيجية “العمل المحدود”.
إجبار روسيا الولايات المتحدة على إنفاق مواردها في مواجهة الوكلاء المتمكنين أثبت أنه تكتيك فعال
وكانت الحرب المستقبلية موضوعاً رئيسياً لذلك المؤتمر، ووفقاً لروايات الخبراء أشار غيراسيموف على ما يبدو ضمناً إلى أن سوريا ستشكل مثالاً للعمليات الروسية المستقبلية.
وعلى مر السنين، قامت موسكو بتسليح الوكيل الأكبر لإيران، حزب الله، في ساحة المعركة السورية. وفي معرض هذه العملية، يبدو أن حزب الله تعلم الكثير من الجيش الروسي، بما في ذلك القدرة على شن حرب مناورة هجومية.
وبدعم من الغطاء الجوي والمدفعي الروسي، ساعد الحزب قوات النظام بعد ذلك في تدمير معاقل المتمردين الرئيسية وتحويل دفة الحرب لصالح بشار الأسد. واعتمد الكرملين على جهات فاعلة أخرى للاضطلاع بالمهام الشاقة، لاسيما إيران ووكلائها. وفي الواقع، بلغت العلاقات الروسية الإيرانية مستويات غير مسبوقة نتيجة تدخل موسكو في سوريا، حتى قبل غزو أوكرانيا.
وفي غياب نهج غربي متسق لمواجهة روسيا في سوريا، حقق بوتين هدفه قصير المدى المتمثل في إبقاء الأسد في السلطة وهدفه طويل المدى المتمثل في إنشاء موقع عسكري دائم في شرق البحر الأبيض المتوسط. ومنذ ذلك الحين، عززت موسكو مركزها في سوريا بطرق متعددة. ويشمل ذلك تمكين وكلاء آخرين في المنطقة، مما يعزز قدرتها على التصعيد بشكل دوري مع الولايات المتحدة.
وكانت ليبيا ساحة معركة بالوكالة لأكثر من عقد بين تركيا وفرنسا ومصر. وقد نجح بوتين في ترسيخ مكانة روسيا كوسيط مؤثر في هذه اللعبة الأكبر، ولم يسعَ الغرب إلى ردعه.
وعلى مر السنين، طورت موسكو علاقاتها مع حكومة فايز السراج المدعومة من الأمم المتحدة والجنرال خليفة حفتر الزعيم الذي يسيطر على المنطقة الشرقية الغنية بالنفط في البلاد. لكن على الرغم من التزامها الحذر، كانت روسيا تميل دائماً باتجاه حفتر.
وفي ربيع هذا العام، بعد أن قام نائب وزير الدفاع الروسي يونس بك يفكيروف بزيارة حفتر مراراً وتكراراً، قامت موسكو بتسليم آلاف الأطنان من المعدات العسكرية من منشآتها البحرية في طرطوس بسوريا إلى ميناء طبرق في شرق ليبيا.
وتستمر تقارير بالظهور مفادها أن موسكو تضغط على حفتر لمنحها حقوق ميناء المياه العميقة في طبرق لإيواء غواصات هجومية نووية.
وقد سمح الوجود الروسي في ليبيا للكرملين بالوصول إلى مطارات البلاد، التي ينقل منها الإمدادات ويهرّب الوقود والذهب والأدوية لجمع الإيرادات اللازمة لحربه على أوكرانيا وتوغله في أجزاء أخرى من أفريقيا.
ويؤطر هذا السياق مصالح روسيا الحالية في البحر الأحمر. ففي يناير اعترف الرئيس الأميركي جو بايدن بأن الضربات العسكرية فشلت في ردع الحوثيين عن شن المزيد من الهجمات، سواء ضد السفن التجارية في الممرات المائية الإقليمية أو ضد إسرائيل في خضم حرب غزة.
وفي غضون ذلك، أدت الجهود الأميركية المستمرة لإبقاء الممرات البحرية العالمية مفتوحة إلى نقص خطير في صواريخ الدفاع الجوي الأميركية والتي تُعد ضرورية لضمان الاستعداد لأيّ نزاع محتمل.
وبالإضافة إلى ذلك، بينما يلاحظ شركاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط عدم قدرة واشنطن على حل هذه الأزمة، يعزز ذلك رواية موسكو التي مفادها أن الولايات المتحدة هي ضامن غير موثوق للاستقرار، ويطرح أسباباً إضافية لهم لتحقيق التوازن في سياستهم الخارجية من خلال التعامل مع روسيا والصين.
وبالتالي سيكسب بوتين أكثر ممّا سيخسر إذا ساهم في تأجيج أزمة البحر الأحمر، سواء من خلال تسليح الحوثيين أو تمكينهم بوسائل أخرى. ومن وجهة نظره، لا يختلف ذلك عمّا تفعله الولايات المتحدة لدعم أوكرانيا.
وبينما قد تتحمّل موسكو بعض التكاليف من جراء تمكين الحوثيين، فإن الفوائد تفوق تلك التكاليف على الأرجح. فقد تعاملت موسكو مع وكلاء يصعب التعامل معهم من قبل، مثل حفتر. وعلى الرغم من محدودية الأسلحة التي يمكن لروسيا تصديرها بسبب الحرب الأوكرانية، إلّا أنه يمكنها إرسال صواريخ مضادة للسفن إلى الحوثيين دون التأثير على تلك الجبهة.