وائل صالح
بناءً على طلب من البيت الأبيض قامت السلطات السويسرية في نوفمبر 2001، أي بعد شهرين من هجمات الحادي عشر من سبتمبر، بمداهمة فيلا فاخرة في كامبيون بسويسرا، يمتلكها يوسف ندا، مدير بنك التقوى في لوغانو ومفوض العلاقات الدولية لجماعة الإخوان المسلمين.
وعُثر خلال عملية المداهمة على وثائق عدة تابعة للجماعة، نشر منها وثيقتان مترجمتان باللغة الفرنسية في كتاب الصحفي السويسري سيلفان بيسون الذي صدر في أكتوبر 2005 في فرنسا تحت عنوان: “غزو الغرب: المشروع السري للإسلاميين”[1].
الوثيقة الأولى بعنوان: “نحو استراتيجية عالمية للسياسة الإسلامية: منطلقات، وعناصر، ومستلزمات إجرائية، ومهمات”.
والوثيقة الثانية بعنوان: “الاستراتيجية المالية لجماعة الإخوان المسلمين”.
وتهدف هذه الورقة إلى عرض مضمون هاتين الوثيقتين وتحليله لسبر أغوار أهداف جماعة الإخوان وتقديم أدلة وبراهين على مدى خطورتها على المجتمعات من خلال وثائق الجماعة نفسها.
وتنقسم هذه الورقة إلى جزأين رئيسيين نعرض من خلالهما مضمون الوثيقتين وتحليل لأهم ما ورد فيهما.
أولاً: الاستراتيجية العالمية للسياسة الإسلامية
حملت الوثيقة الأولي التي أُرِّخت بتاريخ 1ديسمبر 1982 عنوان: “نحو استراتيجية عالمية للسياسة الإسلامية: منطلقات، وعناصر، ومستلزمات إجرائية، ومهمات”، ويُحدد فيها التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين 12 منطلقاً تحدد ما يسمى الاستراتيجيات الدولية للجماعة؛ ونفصل في ما يلي هذه المنطلقات وسبل تحقيقيها كما وردت في الوثيقة.
المنطلق الأول:
معرفة أرض الواقع واعتماد المنهجية العلمية في التخطيط والتنفيذ، بمعنى فهم الواقع الذي يعيش فيه أفراد الجماعة والتعامل معه علميا وموضوعيا حتى يسهل اختراقه.
ولتحقيق هذا المنطلق تحث الوثيقة عناصر الإخوان على استخدام الوسائل العلمية والتكنولوجية اللازمة للتخطيط والتنظيم والتنفيذ والمراقبة، وإنشاء مراصد لجمع المعلومات وتخزينها لجميع الأغراض واستخدامها عند الضرورة.
وتدعو الوثيقة أيضا إلى إنشاء مراكز بحثية لإنتاج دراسات حول البعد السياسي للحركة الإسلامية، ورسم خريطة للعقائد في العالم للحصول على رؤى العالم الدولية من مائة عام إلى يومنا هذا، وتحليل الوضع القائم في ضوء تلك الخريطة مع مراعاة التغييرات التي حدثت والمتوقعة.
كما توصي هذه الوثيقة برسم خريطة لمذاهب العالم الإسلامي وللحركات الإسلامية وتياراتها، وإجراء سلسلة من الدراسات في مختلف المجالات الإسلامية مع التركيز بشكل خاص على الأحداث الجارية.
ويكشف هذا المنطلق الحرص الذي توليه الجماعة وعناصرها على محاولة اختراق مراكز البحث والتفكير أو على نشر المخرجات الفكرية التي ترغب في الترويج لها.
المنطلق الثاني:
الجدية في العمل إذ تحث الوثيقة على أن تكون الأهداف الرئيسية والمرحلية للجماعة واضحة لدى جميع منتسبيها بهدف تسخير الطاقات بالشكل الأفضل وتوجيهها، وتوحيد الجهود لتحقيقها، وبذل الوقت والمال في سبيل ذلك من خلال تسخير كل طاقات العاملين في خدمة دعوة الإخوان، كل على قدر مستواه (معيار الفعالية هو أن كل واحد يجب أن يكرس نفسه للمهمة المخصصة له).
كما تفصل الوثيقة في كيفية حشد أكبر عدد ممكن من الأتباع والقادة، وكيفية جمع الأموال بكفاءة والتحكم في الإنفاق والاستثمار في مصلحة الجماعة العامة؛ ومن أجل تحقيق هذه الأهداف تقترح الوثيقة المهام التالية:
القيام بإجراء مسح شامل للعاملين في خدمة دعوة الجماعة (لوضع الرجل المناسب في المكان المناسب).
وضع جداول زمنية لتنفيذ الأهداف.
وضع جداول للعاملين في خدمة الدعوة والمتخصصين واستخدم هذه الموارد بحكمة وفي الوقت المناسب (الجهد المناسب في الوقت المناسب) ؛ وإنشاء المؤسسات الاقتصادية الكافية لدعم القضية مالياً.
المنطلق الثالث:
الجمع بين الالتزام الدولي والمرونة على المستوى المحلي؛ والمعنى هنا تحديد الخطوط العامة التي يجب على جميع المنتسبين للجماعة اتباعها مع ترك هامش يتيح مرونة كافية على المستوى المحلي وذلك فقط في القضايا التي لا تتعارض مع الخطوط العريضة للسياسة الإخوانية العالمية.
وكمستلزمات إجرائية لتحقيق هذا الهدف تقترح الوثيقة تحديد المجالات والقضايا الإسلامية العامة التي تتطلب التزام الجميع وفق أولويات الجماعة المحددة سلفاً، وترك الإدارة المحلية في البلدان التي يتواجد فيها الإخوان لتحدد القضايا المحلية التي تدخل في نطاق صلاحيتها، والتأكيد على أن العمل بمبدأ المرونة يجب ألا يتعارض مع الأولويات المحددة مسبقاً للجماعة.
ومن أبرز الأمثلة على تطبيق هذا المنطلق، التأكيد على التزام التنظيم الدولي للإخوان بالتحرير الكامل لفلسطين وإقامة دولة إسلامية، والتزام الإدارات المحلية للجماعة بإقامة حوار على المستوى المحلي مع أولئك الذين يعملون من أجل تلك القضايا وفقاً للخط السياسي العالمي للحركة.
المنطلق الرابع:
الجمع بين الاشتغال بالسياسة وعدم الانعزال من جهة، والتربية المستمرة للأجيال والعمل المؤسسي من جهة أخرى؛ والمقصود هنا هو إتاحة الحرية لكل إدارة محلية للإخوان، حسب الوضع المحلي، للمشاركة في عملية صنع القرار في الدول المتواجدة فيها شريطة ألا يتعارض ذلك مع نصوص الشريعة الإسلامية.
وبالإضافة إلى هذا دعوة جميع الإدارات المحلية للجماعة للمشاركة في المجالس النيابية والبلدية والنقابية وغيرها من المؤسسات في بلدانهم لصالح المسلمين والإسلام، والاستمرار في تثقيف الأفراد والأجيال وضمان تدريب المتخصصين من الجماعة في مختلف المجالات وفق خطة مدروسة مسبقاً، وبناء المؤسسات الاجتماعية والاقتصادية والعلمية والصحية والدخول في مجال الخدمات الاجتماعية للتواصل مع الناس وخدمة الناس من خلال مؤسسات الجماعة.
وكمستلزمات إجرائية لتحقيق تلك الغايات تقترح الوثيقة دراسة البيئات السياسية المتنوعة واحتمالات النجاح في كل بلد، والتخطيط لتشكيل بعثات دراسية متخصصة تبحث في المجالات النادرة والمفيدة للجماعة مثل التواصل وتاريخ الإسلام وما إلى ذلك، وإجراء دراسات الجدوى لإنشاء مؤسسات للجماعة في كل المجالات وعلى مختلف المستويات وذلك وفق الأولويات الموضوعة في كل دولة.
واقترحت الوثيقة القيام بعدة مهام لتنفيذ هذه الأهداف وهي: دراسة التجارب السياسة الإسلامية والتعلم منها، وتقديم المشورة السياسية الإسلامية في القضايا العاجلة، ودعم القضايا المحلية المهمة في إطار إسلامي مثل قضايا العمال والنقابات وما إلى ذلك، وإنشاء عدد من المؤسسات الاقتصادية، والاجتماعية، والصحية، والتعليمية وفق الوسائل المتاحة لخدمة الناس في إطار إسلامي.
المنطلق الخامس:
السعي إلى إقامة الدولة الإسلامية، والعمل التدريجي في اتجاه السيطرة على مراكز القوى المحلية؛ ويعني هذا المنطلق تأطير الفكر والتعليم والعمل من أجل ترسيخ قوة الإخوان والتأثير على مراكز القوى المحلية والعالمية لخدمة الجماعة (التي هي الإسلام في وجهة نظرهم).
وكمستلزمات إجرائية تقترح الجماعة إعداد دراسة علمية حول إمكانية إقامة حكم الله في كل مكان في العالم وفق الأولويات المقررة، ودراسة مراكز القوى المحلية والعالمية وإمكانيات التأثير عليها، وعمل خريطة بكل المؤثرين في الدول للتأثير عليهم، وإجراء دراسة حديثة حول مفهوم دعم الدعوة الإسلامية.
وتقترح الوثيقة للوصول لتلك الغايات القيام بالمهام التالية: صياغة دستور إسلامي، وتدوين القوانين الإسلامية والمدنية وغيرها، واختيار مكان وجعله من أولويات الجماعة لتأسيس قوة إسلامية وتركيز جهودها فيه، وحث أعضاء الجماعة على العمل في مختلف المؤسسات المؤثرة واستخدامها في خدمة الجماعة، وتنسيق العمل بين المؤسسات المتخصصة الإسلامية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها.
المنطلق السادس:
العمل بإخلاص مع الجماعات والمؤسسات الإسلامية في محاور مختلفة، والاتفاق على قدر مشترك من المنطلقات مع الأخذ بقاعدة: نتعاون في ما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا البعض في ما اختلفنا فيه؛ ويعني هذا المنطلق تنسيق العمل الإسلامي في اتجاه واحد بما يُمكِن من وضع الأساس لإنشاء المجتمع الإسلامي وتنميته وتكريس المشروع الإسلامي على الأرض.
كما يعمل الجميع وفقاً لقدراتهم في المنطقة التي يختارونها وذلك في إطار القاعدة الرئيسية وهي: الولاء وتنسيق الجهود.
وكمستلزمات إجرائية تقترح الوثيقة دراسة واقع الحركات الإسلامية وتقييم تجربتها ووضع الخطط لبدء التعاون في ما بينها، وتجنب تأسيس حركات إسلامية جديدة في بلد يتواجد فيه أي حركات جادة وكاملة حتى لو كانت حركة واحدة فقط.
كما وضعت الوثيقة مجموعة من المهام في هذا الصدد وهي:
تنسيق عمل جميع العاملين من أجل الإسلام في كل دولة وإقامة علاقات جيدة معهم سواء كانوا أفراداً أو جماعات، وتقليل الخلافات الموجودة بين العاملين في الدعوة للإسلام والسعي لحل نزاعاتهم بموجب الشريعة الإسلامية.
المنطلق السابع:
قبول فكرة التعاون المرحلي بين الحركات الإسلامية وغيرها من الحركات الوطنية بحيث يكون فقط في قضايا عامة وفي بعض النقاط غير الخلافية كمحاربة الاستعمار والتبشير والدولة اليهودية وبصورة لا ترقى إلى مستوى التحالفات، بل على مستوى عناصر محدودة في القيادة أو الاتصال، ويبقي في نطاق دراسة كل حالة على حدة وشريطة أن يوافق الشرع ودون موالاة هذه الجماعات أو الاطمئنان إليها، مع ملاحظة أن تكون الحركة الإسلامية هي صاحبة المبادرة والتوجيه.
ورأت الوثيقة ضرورة توحيد كل الجهود ضد قوى الشر الكبرى، والعمل وفق مبدأ الأخذ بأهون الشرين (درء الشر الأكبر بالشر الأصغر. أو إذا اجتمع شران، أو محظوران، أو ضرران، ولم يمكن الخروج عنهما وجب ارتكاب أخفهما)، وقصر التعاون على الإدارة العليا أو على عدد محدود من الأفراد لتحقيق أقصى قدر من الربح وتقليل المشاكل المحتملة.
واقترحت الوثيقة مجموعة إجراءات لازمة في هذا الصدد من بينها: إجراء دراسة لتقييم المجالات التي كانت موضع تعاون متبادل بين الحركات الإسلامية والحركات الأخرى والتعلم منها، ودراسة المجالات التي يمكن تنسيقها مع الآخرين وتحديد الخطوط العريضة لها، ودراسة تفكير وخطط الحركات الأخرى. كما حثت الوثيقة الإدارات المحلية للإخوان في كل دولة على استكشاف إمكانية تعزيز التعاون الداخلي مع الآخرين في المستقبل.
المنطلق الثامن:
إتقان فن الممكن من الناحية المرحلية دون التفريط في المبادئ الأساسية مع العلم أن أحكام الله جميعاً ممكنة التطبيق، والدعوة إلى ممارسة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع إبداء الرأي الموثق بالبيانات والكتب دون اضطرار الدخول في مجابهة غير متكافئة مع الخصوم أو الأعداء.
وأكدت الوثيقة على أهمية تقييم تعليم منتسبيها وعدم المبالغة في اللجوء إلى التعليم الحديث النمطي الذي لا يتوافق مع الواقع، والذي يخلو من المرونة، والذي يمكن أن يكون له عواقب وخيمة مثل المواجهة بين الأفراد لوجود ملحوظة بسيطة أو خرق بسيط، وإبداء الرأي الموثق والعلمي في شكل خطابات أو بيانات صحفية أو كتب تتعلق بالأحداث المهمة التي تعيشها الأمة الإسلامية.
وكذلك تجنب الدخول في مواجهات كبرى من شأنها تشجيع الخصوم على توجيه ضربات قاصمة للجماعة، وإجراء دراسات لتقييم تجارب الحركات الإسلامية لتلافي الأخطاء الفادحة التي وقعت فيها، وتطوير أساليب تربية الأفراد ليكونوا نموذجيين وواقعيين حتى يكونوا مخلصين لمبادئ الجماعة مع إتاحة المرونة الكافية لمواجهة الواقع.
وقد وضعت الوثيقة خدمة لتحقيق هذه الأهداف والمخرجات مجموعة من المهام التي ينبغي القيام بها في هذا الصدد؛ من بينها: تطوير برامج للمنتسبين الجدد للجماعة، ورفع مستوى الوعي بناءً على التجارب السابقة، وإعداد المنتسبين باستخدام الأساليب التعليمية الحديثة.
المنطلق التاسع:
بناء قوة الدعوة الإسلامية بشكل مستدام ودعم الحركات المنخرطة في الجهاد في العالم الإسلامي، بدرجات متفاوتة وبقدر الإمكان؛ ويعني هذا المنطلق حماية دعوة الجماعة بالقوة اللازمة لضمان أمنها محلياً وعالمياً، والتواصل مع أي حركة جديدة تشارك في الجهاد في أي مكان على هذا الكوكب، ومع الأقليات المسلمة، وبناء الجسور، حسب الحاجة، لدعمها وإقامة تعاون معها، والحفاظ على الجهاد حياً في الأمة.
وكمستلزمات إجرائية لتحقيق هذه الغايات تستهدف الوثيقة بناء قوة أمنية مستقلة لحماية الدعوة وأتباعها محلياً وعالمياً، ودراسة الحركات المنخرطة في الجهاد في العالم الإسلامي والأقليات المسلمة لمعرفة المزيد عنها. وأشارت الوثيقة إلى عدة مهام في هذا الصدد من بينها، بناء الجسور بين الحركات المنخرطة في الجهاد في العالم الإسلامي ومع الأقليات المسلمة ودعمها قدر الإمكان بطريقة تعاونية.
المنطلق العاشر:
استخدام أنظمة مراقبة مخابراتية متنوعة في مواقع متعددة لجمع المعلومات والانخراط في اتصالات واعية وفعالة لخدمة التنظيم العالمي للإخوان.
وتعتبر الوثيقة أن المراقبة والقرارات السياسية والتواصل الفعال هي أفعال متكاملة، ومن ثم تستهدف إنشاء أجهزة وظيفتها جمع معلومات مهمة ودقيقة، ونشر السياسة الإسلامية وتغطيتها بشكل واسع وفعال من قبل وسائل الإعلام.
وكمستلزمات إجرائية تقترح الوثيقة إنشاء نظام مراقبة حديث باستخدام تقنية متطورة (تكمل ما هو موجود)، وإنشاء مركز وسائط إعلامية فعال وجاد. وحددت الوثيقة بعض المهام التي ينبغي القيام بها في هذا الصدد من بينها: تحذير المسلمين من الأخطار التي تهددهم ومن المؤامرات الدولية ضدهم وتقديم المشورة بشأن القضايا الحالية وقضايا المستقبل.
المنطلق الحادي عشر:
التبني الحصري للقضية الفلسطينية من خلال الجهاد، واعتبارها حجر الزاوية في الإحياء الإسلامي، حيث يرى الإخوان أن القضية الفلسطينية يمكنها أن تُمكِن الجماعة من قيادة الأمة لتحقيق مآرب الحركة الإسلامية.
وتقترح الوثيقة لتحقيق هذا استغلال أي فرصة تُتاح لإبداء الرأي في جميع الموضوعات والمشاكل المتعلقة بالقضية الفلسطينية وذلك من منطلق إسلامي، وإعداد مجتمع المؤمنين للجهاد لتحرير فلسطين، وخلق نواة الجهاد في فلسطين، مهما كانت متواضعة في البداية ورعايتها والحفاظ عليها. ووضعت الوثيقة بعض الإجراءات اللازمة في هذا الشأن، من بينها: جمع الأموال الكافية لإدامة الجهاد، وإجراء مسح شامل لأوضاع المسلمين والعدو في فلسطين المحتلة.
وأشارت الوثيقة إلى بعض المهام التي ينبغي القيام بها لتنفيذ هذه الإجراءات، منها: دراسة اليهود وأعداء المسلمين والظلم الذي يمارسه هؤلاء الأعداء على الفلسطينيين ونشر نتائجها من خلال الخطب والمطبوعات، ومحاربة شعور الاستسلام داخل الأمة، ورفض الحلول الانهزامية، وتبيان أن المصالحة مع اليهود ستضر الحركة الإسلامية وتاريخها، وإجراء دراسات مقارنة بين الحروب الصليبية وبين ما يحدث في فلسطين المحتلة، وإنشاء خلايا جهادية في فلسطين ودعمها لتغطي كل أنحائها، وخلق صلة بين المجاهدين في فلسطين ومن هم في بلاد الإسلام، وتغذية شعور الاستياء من اليهود ورفض التعايش معهم.
المنطلق الثاني عشر:
معرفة كيفية استخدام النقد الذاتي والتقييم الدائم للسياسة الإسلامية العالمية وأهدافها ومحتوياتها وإجراءاتها من أجل النقد والتحسين الذاتي الذي هو واجب وضرورة وفق أحكام الشريعة الإسلامية؛ ويعني هذا المنطلق القيام بالنقد الذاتي البناء لتجنب المزالق، وإجراء تقييم مستمر على أسس علمية تسمح ببناء السياسات، وتحسين السياسات الإسلامية من خلال البناء على التجارب السابقة.
وكمستلزمات إجرائية في هذا الصدد تقترح الوثيقة تقييم الممارسات الحالية والتعلم من التجارب السابقة، والطلب من مسؤولي الجماعة وأعضائها في مختلف البلدان إبداء رأيهم في التوجيهات والأساليب والنتائج.
وكمهام ينبغي القيام بها تقترح الوثيقة إنتاج وثيقة رسمية عن السياسة الإسلامية العالمية، وتوعية الدول والمسؤولين والأفراد بها والبدء في تطبيقها وتقييمها سنوياً وتحسينها عند الضرورة.
وتبرز قراءة هذه الوثيقة مجموعة من النقاط المهمة بشأن طريقة عمل الجماعة سواء على مستوى التنظيم الدولي أو على مستوى الفروع في مختلف دول العالم، وأبرز هذه النقاط ما يلي: –
لا يمكن أن تتواجد تنظيمات إخوانية محلية مستقلة عن التنظيم الدولي للجماعة كما يدعي بعضهم؛ فالوثيقة تلزم الجميع بأولويات الجماعة المحددة سلفاً، وتترك الإدارات المحلية في البلدان التي يتواجد فيها الإخوان لتُحدد فقط القضايا المحلية التي تدخل في نطاق صلاحيتها على ألا يتعارض ذلك مع الأولويات المحددة سلفا للجماعة.
لا يمكن أن تتواجد شراكة حقيقية بين الإخوان وأي فصيل غير إسلاموي؛ فالوثيقة تدعو صراحة إلى عدم موالاة مثل هذه الفصائل أو الاطمئنان إليها، وعلى أن تكون الجماعة هي صاحبة المبادرة والتوجيه، ولعل المثال الأبرز هو تولي الإخوان الحكم في مصر، وكيف أنهم ابتعدوا عن القوى السياسية الأخرى ونكثوا كل وعودهم لهذه القوى، ومن ثم كان السقوط مصير الجماعة المحتوم الذي توجته ثورة 30 يونيو ضد حكمهم.
تمتلك الجماعة جهاز مخابرات خاص بها يتكون من كل منتسبيها وليس أدل على خطورة ذلك من قصة اغتيال القاضي أحمد الخازندار في مارس عام 1948، حيث نُقل الخازندار من الإسكندرية إلى القاهرة حماية له من الإخوان. ولم يكن أحد يعرف عنوان الخازندار الجديد، لكن أحد عناصر الجماعة وهو أحمد عادل الذي كان ضمن النظام الخاص آنذاك، دل عليه، حيث كان يعمل في بنك القاهرة وفوجئ بأن الخازندار قد فتح حساب له في البنك، فأخذ معلومات عنه، ومنها عنوانه، وأبلغها لقيادته في النظام الخاص وكان يعلم بأن هناك تخطيطاً لقتله.
وبناء على هذه المعلومات تم قتل الخازندار[2].
تمتلك الجماعة تنظيم تابع لها مستعد للدفاع عنها بالقوة.
ويمكن الإشارة هنا إلى النظام الخاص الذي أنشأه حسن البنا مطلع الأربعينيات من القرن الماضي، والذي يعد من الأسس التي تقوم عليها الجماعة ولا يمكن الاستغناء عنه، إذ يعتبره الإخوان من أهم عناصر قوتهم الشاملة، بل ويتقربون به إلى الله كما ادعى مرشدها مأمون الهضيبي، المرشد السادس للجماعة في الندوة التي عُقدت في معرض القاهرة الدولي للكتاب عام 1992 تحت عنوان “مصر بين الدولة الإسلامية والدولة المدنية”[3].
الهدف النهائي لجماعة الإخوان المسلمين، هو إقامة دولتها في العالم أو ما تطلق عليه الدولة الإسلامية، لكن هناك هدف مرحلي آخر هو اختراق المجتمعات للهيمنة على كل مفاصل القوة فيها؛ ومن ثم لا يمكن التعامل مع الإخوان وقبولهم كحزب سياسي يمكن له أن يتداول السلطة حين يصل إليها أو أن يستهدف تحقيق الحكم الرشيد كما يعتقد بعض الباحثين أو كما يدعون هم أنفسهم، حيث إنهم لا يؤمنون بذلك.
فـالإخوانية عبارة عن “رؤية شمولية سياسية حركية للدين، تعتقد أن هناك نموذجاً معداً مسبقاً يجب على المسلم اتباعه، وغير مسموح بالبحث عن نموذج “إسلامي” آخر غير نموذجهم؛ فهي “رؤية ترفض التنوع وتجنح للاعتقاد بأنها تمتلك الحقيقة المطلقة، وبالتالي فميل منتسبيها لنبذ القيم الأساسية للمواطنة والعيش المشترك لا جدال فيه، بل نستطيع القول بإن اللجوء للعنف من طرفهم ضد الآخر مؤكد، ولا بد أن يظهر إن عاجلاً أو آجلاً”[4].
اختزال الإسلام في الجماعة فقط حيث أن مفردات كتابة الوثيقة تدل على أنه لا فرق بين الجماعة والإسلام في رؤيتها للعالم؛ وبالتالي فالجماعة نافية لأي تعددية داخل الإسلام لأن هدفها هو الهيمنة عليه واحتكار التحدث باسمه. كما أوضحت الوثيقة النظرة الدونية للمسلمين من غير الإخوان بدعوتها لعدم الاطمئنان لهم وعدم موالاتهم وكأنها تكفرهم.
تديين قضايا وطنية عادلة مثل القضية الفلسطينية لاستخدامها فقط للتجييش لصالح الجماعة وأيديولوجيتها.
تسعى الجماعة للتواصل مع كل الجماعات المتطرفة العنيفة والتنسيق معها باسم الإسلام، وليس أدل من ذلك العلاقة التي ربطت الكثير من قادة الجماعات الإرهابية مثل أسامة بن لادن وأبو بكر البغدادي بـ الإخوان[5].
تسعى الجماعة إلى فرض الهيمنة على الأقليات المسلمة في الدول الغربية، وقد تحقق هذا الهدف من وقت كتابة تلك الوثيقة إلى عام 2013؛ فكان الإخوان يسطرون على معظم المؤسسات الدينية للجاليات المسلمة في الغرب ويحتكرون التحدث باسم الإسلام في معظم وسائل الإعلام الغربية وتمثيل المسلمين في كل المناسبات العامة[6].
ثانياً: الإستراتيجية المالية لجماعة الإخوان
تحمل الوثيقة الثانية عنوان “الإستراتيجية المالية لجماعة الإخوان المسلمين”، حيث يحدد فيها التنظيم الدولي للإخوان خطته الاقتصادية لدعم الجماعة.
وقد تم العثور على هذه الوثيقة في وقت العثور نفسه على الوثيقة الأولي بفيلا يوسف ندا.
وتصف الوثيقة التي وقع عليها بعض أقطاب الإخوان في يوليو 1983، الشبكة المالية والبنكية التي أنشأتها الجماعة في أوروبا خلال سبعينيات القرن الماضي بشكل أساسي. وتبين سعي تلك الشبكة بتروٍ وعلى مراحل إلى تحقيق أهداف عديدة، بما في ذلك تدريب كوادر الإخوان على العمل في مجال الاقتصاد لخدمة الجماعة وأهدافها.
وتشدد الوثيقة في مقدمتها على أن الجانب الاقتصادي مهم لأي دعوة، لأنه من الضروري أن يكون لأي دعوة قاعدة اقتصادية توفر لها الموارد المالية التي تحميها من الاضطرابات التي يمكن أن تضرب جبهتها السياسية، وتجعلها أقل اعتمادًا على التبرعات الخيرية الفردية.
ثم تفصل الوثيقة بقية أهداف هذه الاستراتيجية، والتي جاء على رأسها، ضمان توفير فرصاً لتدريب الموارد البشرية للجماعة في مختلف المجالات الاقتصادية والفنية، واستخدام المؤسسات الاقتصادية للجماعة كواجهة لا يمكن اختراقها بسهولة من قبل الأنشطة السياسية المعادية.
وتشير الوثيقة إلى أن الدافع وراء تأسيس شبكة مالية وبنكية للإخوان هو تخليص المسلمين من المعاملات الربوية.
كما توضح الوثيقة أن تاريخ نشأة تلك الشبكة يعود إلى عام سبعينيات القرن الماضي حيث بدأت نشاطها كشركة قابضة للاستثمار في لوكسمبورج وذلك بسبب صعوبات الحصول آنذاك على ترخيص مصرفي في دول أوروبية أخرى.
وتدعو الوثيقة إلى التخطيط لتجاوز عقبات إنشاء مؤسسات أخرى مماثلة في بلاد أخرى في المستقبل، وتوضح أنه مع مرور الوقت، ازدادت نسبة المشاركة في رأس المال والأنشطة الاستثمارية والبنكية في العديد من المجالات، في الدول الأوروبية والإسلامية، وذلك بعد تمكن القائمين على تلك الشبكة من بناء إطار قانوني مناسب، وفقاً لقواعد الشريعة الإسلامية، يشمل المؤسسات التالية:
البنك الإسلامي الدولي في لوكسمبورغ الذي يعتبر الوحدة الرئيسية التي توجه باقي مؤسسات الشبكة وتتحكم فيها.
البنك الإسلامي الدولي في الدنمارك في كوبنهاغن الذي يمارس جميع الأنشطة المصرفية منذ أن تمكن من الحصول على التراخيص اللازمة.
وحدة ABS للاستثمارات التي تدير الاستثمارات قصيرة الأجل.
وحدةArinco التي تدير الاستثمارات طويلة الأجل.
بيت الاستثمار الإسلامي (كايمان) بلندن: وحدة لتحصيل المدخرات من خلال إصدار شهادات إيداع بالجنيه الإسترليني، وتستثمر أموالها من خلال مؤسسات أخرى تابعة.
وحدة الاستشاريين الدوليين: وحدة استشارية تقوم بتقييم المشاريع وبنائها وصيانتها. ومقرها الرئيس في لندن، وتم الاتفاق بحسب الوثيقة التي وقعت عام 1983 على افتتاح فرع للوحدة في القاهرة. لكن لم تتوفر معلومات حول إذا ما كان قد تم افتتاح هذا الفرع أم لا.
شركة SEER للتأمين ومقرها الولايات المتحدة، ويمتلك آلاف المنتسبين إليها حصصاً فيها بالشراكة مع الوقف الإسلامي في أمريكا.
مشروعات إنتاجية في أوروبا ومصر.
وأشارت الوثيقة إلى أن رأس المال المعتمد آنذاك لهذه المؤسسات هو 100 مليون دولار في صورة مليون سهم، قيمة السهم الواحد 100 دولار.
وبلغت قيمة الشريحة الأولى التي تم بيعها بالفعل في نهاية عام 1982 نحو 10 ملايين دولار. وتمت دعوة المساهمين القدامى والجدد لشراء بقية الأسهم التي طرحت للبيع في ما بعد. وأوضحت الوثيقة أن الهيكل الإداري الذي يدير هذه المؤسسات الثمانية يطغى عليه أعضاء الجماعة، ومن ثم تضمن الجماعة التأثير على سياساتها وتوجهاتها.
وتفصل الوثيقة الأهداف التي تعمل هذه المؤسسات على تحقيق خاصة في المراحل الأولى لعملها، ومن بينها:
تكوين غطاء قانوني للاستثمارات قصيرة الأجل للجماعة، والحفاظ على سرية معاملات الجماعة المالية.
نشر أفكار الجماعة في مجال المال والاقتصاد وتجسيدها في إطار عملي للمبادئ الإسلامية (بحسب فهمهم).
إنشاء محفظة ممتازة من الاستثمارات تحت رقابة دينية صارمة يمثلها أعضاء مجالس إدارات هذه المؤسسات وجمعياتها العمومية. وستلبي، في هذا الصدد، الطبيعة المتنوعة لوحدات البنك الإسلامي الدولي في لوكسمبورج جميع الاحتياجات الاستثمارية لأفراد الجماعة على المدى القصير والمتوسط والطويل.
تكوين أداة جيدة لتنفيذ العديد من المشاريع الضرورية للجماعة وأعضائها.
تكوين أداة جيدة لتدريب الكوادر الاقتصادية والمالية والفنية عالية المستوى في إطار خطة الجماعة الاقتصادية والسياسية، حيث سيؤدي توسع أنشطة هذه المؤسسات إلى تشغيل واستيعاب عدد كبير من أعضاء الجماعات المتخصصين في أقسامها المختلفة.
وتبرز قراءة هذه الوثيقة مجموعة من النقاط التي تتعلق برؤية الجماعة للجانب المالي والاقتصادي وكيفية توظيفه في خدمة أهدافها، ومن بينها ما يلي: –
تلازم الاقتصاد والأيديولوجيا عند الإخوان؛ فالجماعة منذ تأسيسها تسعى لبناء نظام موازي للدولة، وبالطبع يشمل هذا النظام القطاع الاقتصادي. وقد بدا اهتمام الجماعة بهذا الجانب في تعريف حسن البنا للجماعة بأنها “شركة اقتصادية” مثلما هي “دعوة سلفية، وطريقة سنية، وحقيقة صوفية، وهيئة سياسية، وجماعة رياضية، ورابطة علمية ثقافية، وفكرة اجتماعية”[7].
التأكيد على استراتيجية الإخوان بعدم الدخول في شراكة مع أحد إلا بغرض السيطرة عليه وتوجيهه لصالح الجماعة. ويتفق هذا الجانب تمام الاتفاق مع المنطلق السابع للوثيقة الأولى الذي يدعو صراحة إلى عدم موالاة أو الاطمئنان إلى من هم من غير الإخوان، وعلى أن تكون الجماعة هي صاحبة المبادرة والتوجيه في حالة فرضت الظروف التعاون مع بعضهم مرحلياً.
أهمية الجانب الاقتصادي للإخوان في توفير الموارد المالية؛ فالجماعة ترى ضرورة أن يكون لها قاعدة اقتصادية توفر لها الموارد المالية التي تحميها من الاضطرابات السياسية التي يمكن أن تواجهها، وتجعلها أقل اعتماداً على التبرعات الفردية، وتضمن لها توفير فرص لتدريب منتسبيها في مختلف المجالات الاقتصادية والفنية.
تكشف الوثيقة عن رغبة الجماعة في أن تكون دولة موازية لديها إستراتيجية ومؤسسات مالية واقتصادية خاصة بها، تستخدمها في خدمة أيديولوجيتها والعكس أيضاً صحيح.
خاتمة
يعتقد فريق كبير من الباحثين خصوصاً في الغرب أن النصوص المؤسسة لجماعة الإخوان ووثائقها، هي مجرد واجهة خطابية لا تؤثر على ممارسات الجماعة! ويبدو أن نهج هذا الفريق ينكر حقيقتين واضحتين: الأولى، أن “الإخوان” لديهم تراث نصي يتم تربية أعضائها من خلاله، بل إنه يعتبر نصاً مقدساً يُحفظ عن ظهر قلب.
والثانية هي أن الجماعة لم تَقُل قط أن هذه النصوص أو تلك الوثائق لا تؤثر على ممارساتها وأهدافها الاستراتيجية، بل إن متابعة سلوكيات الجماعة العملية تشير بوضوح إلى أن هذه الوثائق تمثل منهاجاً يسير عليه الإخوان بكل دقة.
ويتبقى الإقرار بأن تاريخ الجماعة الحقيقي وحسم كثير من الجدل حولها لن يكون إلا بالدراسة العلمية لوثائقها ونصوصها المؤسسة. وتعطي هذه الورقة مثالاً على ذلك وعلى أهمية الوثائق في فهم جماعة الإخوان وتاريخها وأيديلوجياتها وغاياتها الحقيقية وخطورتها على المجتمعات والدول.
ويتبين مما سبق أن مضمون الوثيقتين التي تناولتهما الورقة يعارض كل ما كتب عن جماعة الإخوان في الغرب من قبيل المقارنة بينها وبين الأحزاب المسيحية في أوروبا، والتنظير بإمكانية تواؤم الإخوان مع الحداثة والديمقراطية ومعايير التعايش بسلام كما فعلت هذه الأحزاب. فهل تقبل المجتمعات والدول الغربية وجود حزب سياسي له جهاز أمني وجهاز مسلح وتنظيم اقتصادي، ويستهدف السيطرة على المجتمع والدولة لفرض نموذج دولته المتخيلة؟
المصدر : مركز تريندز للبحوث والاستشارات