حمد الحوسني-علي أبو فرحة
استيقظ العالم، يوم الاثنين الرابع من مارس 2024، على تداول وكالات الأنباء العالمية خبرَ انقطاع كابلات “the Seacom”، “TGN-Gulf”، “Asia-Africa-Europe 1″، “Europe India Gateway”، بالبحر الأحمر؛ ما أثر على 25% من حركة البيانات المتدفقة بين آسيا وأوروبا.
ولما كانت هذه الحادثة ليست الأولى، فإن لها أهميةً ما في ضوء النشاط الإرهابي الحوثي ضد الملاحة الدولية في البحر الأحمر؛ ما دعا إلى تشكيل لجان تحقيق لتحديد إذا ما كان حادثًا متعمدًا أم عرضيًّا، واحتمالية صلته بالإرهاب الحوثي، على الرغم من عدم إعلان الأخير مسؤوليته عنه.
وعليه، فإن هذه الحادثة تُلقي بظلالها على مستقبل ظاهرة الإرهاب، وشكْل الموجات الوشيكة منه، وهو ما تُعنى به هذه الدراسة، حيث تستعرض التحولات الوشيكة من الموجة الإرهابية الأخيرة المنحسرة على الأرض إلى ملامح موجة جديدة تبدأ من السطح وتتشكل في الأعماق. وعليه، تهدف هذه الدراسة إلى استعراض التهديدات الإرهابية المحتملة لخرائط الأعماق الرقمية، وتداعياتها الاقتصادية والاجتماعية وحتى السياسية.
الانحسار السابق على التحول:
ولما كان الإرهاب ظاهرة عابرة للحدود، فكان عادةً ما يقع عبء مكافحتها في العقود الأخيرة على الدول الحاضنة له أو المُهدَّدة به، وإن تعددت وتحالفت، بالرغم من سيولة ظاهرة الإرهاب وما ارتبط بها من تطوير الجيوش الوطنية لأدوات جديدة في مواجهة الحروب التي تُوصف أحيانًا باللانظامية أو اللامتماثلة، بيْد أنها في نهاية الأمر تبقى حروبًا على الأرض. ومع انحسار الموجة الأخيرة من الإرهاب بأفول كثير من التنظيمات الإرهابية، وعلى رأسها “داعش”، تبلورت موجة جديدة -انتقالية- في أعالي البحار، تمثّلت في توجيه النشاط الإرهابي للتجارة الدولية، واستهداف السفن بأنواعها في أعالي البحار، وهي المناطق المفتوحة التالية للبحر الإقليمي، والذي يخضع بحكم التعريف والاصطلاح لسيادة الدولة المشاطئة له.
خرائط الأعماق الرقمية/ مراجعة النظام القانوني الراهن:
تنظم اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982، والتي مضى على إقرارها ما يربو على أربعة عقود، تمديدَ الكابلات المغمورة في مواد متفرقة منها، فجاء ذكرها في بند 2 من المادة 51 بشأن الدولة الأرخبيلية[1]، حيث نصّت على أن “تحترم الدولة الأرخبيلية الكابلات المغمورة الموجودة التي وضعتها دول أخرى والمارة خلال مياهها دون أن تمسّ اليابسة، وتسمح الدولة الأرخبيلية بصيانة هذه الكابلات واستبدالها عند تلقيها الإخطار الواجب بموقعها وبنية إصلاحها أو استبدالها”، كما ورد ذكر الكابلات المغمورة في المادة 79 بشأن الكابلات وخطوط الأنابيب المغمورة على الجرف القاري[2]، حيث تنصّ على:
“1- يحق لجميع الدول وضع الكابلات وخطوط الأنابيب المغمورة على الجرف القاري، وفقًا لأحكام هذه المادة.
2- مع مراعاة حق الدولة الساحلية في اتخاذ تدابير معقولة لاستكشاف الجرف القاري واستغلال موارده الطبيعية ومنع التلوث من خطوط الأنابيب وخفضه والسيطرة عليه، لا يجوز لهذه الدولة أن تعرقل وضع أو صيانة هذه الكابلات أو خطوط الأنابيب.
3- يخضع تعيين المسار لوضع خطوط الأنابيب هذه على الجرف القاري لموافقة الدولة الساحلية.
4- ليس في هذا الجزء ما يمسّ حق الدولة الساحلية في وضع شروط للكابلات وخطوط الأنابيب التي تدخل في إقليمها البري أو بحرها الإقليمي، أو ما يمسّ ولايتها على الكابلات وخطوط الأنابيب، التي يتم وضعها أو استخدامها بصدد استكشاف جرفها القاري أو استغلال مواردها، أو تشغيل ما يقع تحت ولايتها من الجزر الاصطناعية والمنشآت والتركيبات.
5- تُولي الدول، عند وضع الكابلات وخطوط الأنابيب المغمورة، المراعاة الواجبة للكابلات أو خطوط الأنابيب الموضوعة من قبل، وينبغي بوجه خاص عدم الإضرار بإمكانيات تصليح الكابلات، أو خطوط الأنابيب الموجودة فعلًا”.
كما ورد ذكرها في المواد من 112 وحتى 115 والتي تنظم وضع الكابلات المغمورة في أعالي البحار، فجاءت المادة 112 لتنصّ على حق جميع الدول “وضع الكابلات وخطوط الأنابيب المغمورة على قاع أعالي البحار خارج حدود الجرف القاري، مع الأخذ في الاعتبار تطبيق الفقرة 5 من المادة 79” سالفة الذكر.
في حين نظمت المادة 113 كسر أو إصابة الكابلات المغمورة، حيث نصّت على: “تعتمد كل دولة ما يلزم من القوانين والأنظمة للنصّ على أن يعتبر جريمةً تستحق العقاب كسرُ أو إصابة أحد الكابلات المغمورة تحت أعالي البحار من قِبل سفينة ترفع علمًا، أو شخص يخضع لولايتها، عن قصد أو نتيجة إهمال جرمي بطريقة يمكن أن تؤدي إلى قطع المواصلات البرقية أو الهاتفية أو إعاقتها، وكذلك كسر أو إصابة خط أنابيب مغمور أو كابل كهرباء عالي الفولتية مغمور، وينطبق هذا الحكم أيضًا على السلوك الذي أريد به أن يؤدي إلى مثل هذا الأمر أو الإصابة التي يحتمل أن يؤدي إليهما، ولكنه لا ينطبق على أي كسر أو إصابة سببها أشخاص عملوا لمجرد تحقيق هدف مشروع؛ هو إنقاذ حياتهم أو سفنهم بعد اتخاذ كل الاحتياطيات اللازمة لتفادي ذلك”[3].
وكذا المادة 114 من اتفاقية القانون المذكورة والتي تنصّ على أن: “تعتمد كل دولة ما يلزم من القوانين والأنظمة للنص على أنه إذا سبب أشخاص خاضعون لولايتها ممن يمتلكون أحد الكابلات أو خطوط الأنابيب المغمورة تحت أعالي البحار، عند وضع أو تصليح هذه الكابلات أو خطوط الأنابيب، كسر أو إصابة أي من هذه الكابلات أو خطوط الأنابيب الأخرى، تحمّلوا تكاليف التصليحات”[4].
وأخيرًا المادة 115 والتي تنصّ على أن: “تعتمد كل دولة ما يلزم من القوانين والأنظمة لضمان حصول أصحاب السفن الذين يستطيعون أن يُثبتوا أنهم ضحوا بمرساة أو شبكة أو أي أداة من أدوات الصيد الأخرى؛ بغية تفادي إصابة أحد الكابلات أو خطوط الأنابيب المغمورة، على تعويض من صاحب الكابل، أو خط الأنابيب بشرط أن يكون صاحب السفينة قد اتخذ مسبقًا كل التدابير الاحتياطية المعقولة”[5].
وقبل تحليل الإطار القانوني الدولي للكابلات المغمورة في ضوء المستجدات الراهنة، من الواجب استعراض ما تضمنته المادة 101 من ذات الاتفاقية، والتي تنصّ على تعريف القرصنة بأنها: “أي عمل من الأعمال التالية يشكل قرصنة[6]:
أي عمل غير قانوني من أعمال العنف أو الاحتجاز أو أي عمل سلب يرتكب لأغراض خاصة من قبل طاقم أو ركاب سفينة خاصة أو طائرة خاصة ويكون موجها: في أعالي البحار، ضد سفينة، أو طائرة أخرى، أو ضد أشخاص، أو ممتلكات على ظهر تلك السفينة أو على متن تلك الطائرة؛ ضد سفينة، أو طائرة، أو أشخاص، أو ممتلكات في مكان يقع خارج ولاية أي دولة؛ أي عمل من أعمال الاشتراك الطوعي في تشغيل سفينة أو طائرة مع العلم بوقائع تضفي على تلك السفينة أو الطائرة صفة القرصنة؛ أي عمل يحرض على ارتكاب أحد الأعمال الموصوفة في إحدى الفقرتين الفرعيتين (أ)، أو (ب) أو يسهل عن عمد ارتكابها.
من الاستعراض السابق لتنظيم الكابلات البحرية من ناحية والقرصنة من ناحية أخرى يتضح الهوة بين الأطر القانونية الأممية المنظمة لهما من ناحية- وإن كانت وثائق أممية أخرى لمكافحة الإرهاب- وبين الضرورات الاقتصادية والمالية الراهنة للكابلات المغمورة من ناحية أخرى، والممارسات الإرهابية الجديدة في أعالي البحار وأعماقها، وهو ما يتطلب مراجعة واسعة تتفق والمستجدات الأخيرة. ولبيان الضرورات الاقتصادية والمالية الراهنة للكابلات المغمورة، وكلفة تعطيلها أو إعاقتها تستعرض الدراسة في المقام اللاحق أهم ملامح ما يُمكن تسميته “خرائط الأعماق الرقمية”.
خرائط الأعماق الرقمية/ التهديدات والتكلفة والتحديات:
قد لا يتصور كثيرون مدى أهمية الكابلات البحرية لممارسة حياتهم العادية، حيث يمتد حوالي 552 كابلًا بحريًّا حول العالم- نشِطًا أو مخططًا له أن يكون نشِطًا بحلول 2025- ينقل 95% من بيانات الإنترنت عالميًّا، وما يربو على 10 تريليونات دولار من المعاملات المالية كل يوم، متحكمة في ذلك في تنفيذ غالبية الأنشطة الاقتصادية العالمية والاتصالات الدبلوماسية والعسكرية، لتُشكل هذه الكابلات مجتمعة خريطة الأعماق الرقمية التي تمثل البنية التحتية للاقتصاد العالمي الراهن.
فمن الناحية التقنية لا تكون هناك حاجة للكابلات البحرية إذا ما كان الأمر متعلقًا بتخزين البيانات، سواء عبر “السحابة” أو الأقراص الصلبة العملاقة، ولكن عندما يتعلق الأمر بإرسال واستقبال البيانات فإنه لا مفر من إجراء ذلك عبر شبكة الأعماق الرقمية، وتُشير التقديرات إلى أن هناك ما يقرب من 1.4 مليون كيلومتر من الكابلات البحرية في الخدمة على مستوى العالم، وتستخدم الكابلات البحرية تقنية الألياف الضوئية لنقل المعلومات عبر نبضات ضوئية سريعة عبر الألياف الزجاجية، وهي الألياف الدقيقة للغاية- في قُطر شعر الإنسان- والمحمية بطبقات من البلاستيك أو حتى الأسلاك الفولاذية، وعادةً ما يبلغ قطر الكابلات قطر خرطوم الحديقة، ولكن عادة ما يزيد درع حماية الكابلات كلّما اقترب دفنها من الشواطئ، بينما تتمدد في أعماق المحيط والبحار.
وقد شهد سوق الكابلات البحرية تحولًا كبيرًا في العقدين الأخيرين، حيث اتجهت أمازون ومايكروسوفت وميتا وغوغل للاستثمار بكثافة في الكابلات البحرية مع ارتفاع الطلب على البيانات، حيث تُقدَّر الاستثمارات في هذا القطاع بين عامَي 2022 و2024 بنحو 10 مليارات دولار، وذلك على الرغم من الاعتماد المتزايد على الأقمار الصناعية في مجال الاتصالات، إلا أن الكابلات لاتزال أكثر كفاءة في هذا الخصوص؛ لقدرتها على حمل مزيد من البيانات بتكلفة أقل من الأقمار الصناعية[7]
وتمرّ العديد من الكابلات البحرية تحت سطح البحر بين الشرق والغرب عبر الشرق الأوسط -كما سبق وأشرنا إليه- خاصة مصر، إلا أنه مؤخرًا هناك ثمانية مشاريع مهمة للكابلات البحرية في الشرق الأوسط؛ بهدف ربطه بالاقتصاد الرقمي العالمي، وهذه المشاريع كالآتي:
– أول تلك المشاريع هو خط “الرؤية السعودية” بطول 1,071 كم، والذي كان من المتوقع اكتماله بتاريخ 2023، وهو عبارة عن كابل محلي يربط بين مدية جدة السعودية ومدينة حقل على الحدود الأردنية مع ضبا وينبع، وأنشأته شركة الاتصالات السعودية لربط محطات الهبوط الدولية التابعة للناقل السعودي في كلٍّ من مدن البحر الأحمر الأربع المذكورة؛ ما يوفر تحسينات حيوية للقدرة المحلية والاتصالات، وقد وصل الكابل البحري إلى جدة بحلول أغسطس 2022، وكان من المتوقع أن ينتهي بحلول نهاية 2023، حيث سيوفر 16 زوجًا من الألياف بسرعة 18 تيرابتًا في الثانية لكل زوج.
ثاني تلك المشاريع المهمة هو خط “الكابل البحري الأزرق” بطول 4,696 كم، ومن المتوقع الانتهاء منه في عام 2024، ويعدّ أحد المشاريع الحيوية لتجنّب نقطة الضيق في قناة السويس، حيث يوجد بالفعل 15 كابلًا بحريًا قيد التشغيل أو سيتم تشغيلها في تلك المنطقة، وتم بناء هذا الكابل من قِبل ائتلاف سباركل وعمانتل وغوغل، ويعتبر هذا الكابل نصف كابل “بلو رامان” الذي سيربط إيطاليا بالهند عبر المملكة العربية السعودية؛ ما يحقق تنوع المسارات المرغوب بها منذ فترة طويلة في خريطة الكابلات البحرية في الشرق الأوسط، ويمتد هذا الجزء الغربي من الكابل من منصة جنوة التي افتتحتها سباركل حديثًا إلى تل أبيب في إسرائيل، عبر نتوءات مختلفة إلى قبرص وكريت وصقلية وسردينيا وكورسيكا وروما.
أما ثالث مشاريع الكابلات المغمورة الجديدة العابرة للشرق الأوسط، فهو كابل “رامان” بطول 7,028 كم، والمتوقع الانتهاء منه عام 2024، وهو الجزء الشرقي المكمل للكابل الأزرق، أو مشروع “بلو رامان”، حيث يبدأ كابل “رامان” من حيث توقف الكابل الأزرق، ويمتد من العقبة في الأردن إلى الهند، عبر المملكة العربية السعودية وعُمان وجيبوتي، وقد تم تسمية الكابل بهذا الاسم تيمّنًا بعالم الفيزياء الهندي الحائز على جائزة نوبل “شاندرا اسيخارا فينكاتا رامان”، ويوفر الكابل 16 زوجًا من الألياف الضوئية، وهو واحد من 16 كابل حول العالم تشارك “جوجل” في بنائها، وسيُوفر الكابلان معًا؛ “الأزرق” و”رامان”، حلولًا للألياف الافتراضية التي تم الاتفاق عليها في يونيو 2023 بين أعضاء تحالف سبارك وكوش للاستثمار، والتي ستساعد في دعم النمو الرقمي، ونمو الاتصال في أفريقيا.
كابل أندروميدا؛ والمتوقع الانتهاء منه في عام 2025، وطوله غير معلن، ويملكه “جريد تليكوم”، “تماريس تليكوم”، ويمرّ عبر شرق البحر الأبيض المتوسط من جزيرة كريت إلى إسرائيل عبر قبرص، ويمتد برًّا من مدينة حقل السعودية، مرورًا بالعقبة الأردنية، وشوت الكرمل بإسرائيل، واليونان انتهاءً بيوروسكيبوس بقبرص، وهو صغير من الناحية الجغرافية، ولكنه مهم من الناحية الاستراتيجية، حيث يوفر سعةً إضافية قيّمة بين جنوب أوروبا والشرق الأوسط، كما يسهم في التنويع بعيدًا عن طريق خليج السويس- مارسيليا بإيطاليا.
كابل أفريقيا-1 وهو أحد المشاريع العملاقة العابرة للشرق الأوسط بطول 10 آلاف كيلومتر، والمتوقع الانتهاء منه في الربع الرابع من عام 2024، وتملكه شركات “اتصالات الإمارات”، و(جي 42)، و”موبيلي”، و”شركة باكستان للاتصالات”، و”الاتصالات اليمنية”، و”الاتصالات المصرية”، ويمرّ بمدينة “بجاية” بالجزائر، وجيبوتي، وبورسعيد بمصر، ورأس غارب بمصر، ومرسيليا بفرنسا، ومومباسا بكينيا، وكراتشي بباكستان، وضباء بالمملكة العربية السعودية، وبربرة بالصومال، وكلباء بالإمارات العربية المتحدة، والحديدة باليمن، ويعدّ الكابل التاسع الذي يهبط في مدينة مومباسا الساحلية، ويمرّ عبر القرن الأفريقي، وينقسم إلى قسمين؛ أولهما من باكستان إلى الإمارات، والآخر من مارسيليا إلى الخليج العربي عبر قناة السويس، ويُعدّ أحد المشاريع المهمة لربط القارات الثلاث.
كابل أفريقيا-2 بطول 45 كيلو مترًا، ويُعدّ أطول الكابلات المغمورة في العالم، ويمرّ بالقارات الثلاث آسيا وأفريقيا وأوروبا، وتملكه شركات “بايوباب”، و”الصين للاتصالات”، و”ميتا”، و”أورانج”، و”الاتصالات السعودية”، و”الاتصالات المصرية”، و”فودافون”، و”ويوكو WIOCC”، وتبلغ السعة التصميمية للكابل 180 تيرابايتًا في الثانية، ويمرّ بـ 33 دولة، بدءًا من أيرلندا وصولًا إلى مرسيليا عبر جنوب أفريقيا، وبورسعيد المصرية والخليج العربي.
كابل “سي مي وي 6” وهو مشروع كابل بطول 21,700 كم، ومن المتوقع الانتهاء منه في عام 2025، ويُعدّ أحدث المشاريع في سلسلة كابلات تعود تاريخها إلى عام 1985، وله أهمية جيوسياسية، خاصةً في ضوء انسحاب شركتين صينيتين كبيرتين من المشروع، وهما “الصين للهواتف النقالة”، و”الاتصالات الصينية”، ويملكه حاليًّا شركة “البحرين للاتصالات السلكية واللاسلكية- بتلكو”، وشركة الكابلات البحرية البنغلاديشية المحدودة، وشركة “بهارتي إيرتل”، وشركة “الصين المحدودة- يونيكوم”، “ديراجو”، وشركة “جيبوتي للاتصالات”، و”مايكروسوفت”، و”موبيلي”، و”أورانج”، و”بي سي سي دبليو”، و”سينجتيل”، و”سريلانكا للاتصالات”، و”المصرية للاتصالات”، و”ماليزيا للاتصالات”، و”تيلين”، و”ترانس وورلد”، ويعدّ أحد الكابلات المهمة العابرة للشرق الأوسط، حيث يتوقف في عُمان ودولة الإمارات وقطر والبحرين والسعودية؛ في طريقه من سنغافورة إلى مرسيليا ومضيق باب المندب.
كابل ميدوسا بطول 8,760 كم، ومن المتوقع الانتهاء منه في الربع الرابع من عام 2025، وتملكه “أفريكس للاتصالات”، وهي من كبرى شركات مشغلي الاتصالات والبيانات في أفريقيا، وتضم 16 شركة، ولها مكاتب في كلٍّ من قارة أفريقيا وأوروبا وأمريكا، ويمرّ هذا المشروع بدول الجزائر وقبرص ومصر وفرنسا واليونان وإيطاليا وليبيا والمغرب، والبرتغال، وإسبانيا، وتونس.
إرهاب خرائط الأعماق الرقمية/ هل تشكل موجة جديدة:
إن مسألة تأمين تلك الخريطة الرقمية في الأعماق يعد حيويًّا ليس لدولة بعينها، ولكن للعالم أجمع، وتُشير التقارير العالمية إلى أن دول مجلس التعاون الخليجي معرّضة للخطر بشكل خاص حال تهديد خريطة الأعماق الرقمية؛ نظرًا للتهديدات المتزايدة للفواعل من غير الدول، سواء تنظيمات إرهابية أو كيانات معادية، حيث تعدّ الكابلات البحرية أهدافًا سهلة ذات تأثيرات عالمية هائلة مباشرة وغير مباشرة على العالم أجمع، خاصة أن منطقة الخليج والبحر الأحمر تعدّان نقطة عبور رئيسية وربط الاتصالات بين آسيا وأوروبا.
وبمراجعة خريطة الأعماق الرقمية للشرق الأوسط والخليج العربي، هناك 186 كابل بحري نشِط أو سيكون نشِطًا بحلول 2025، وهناك 59 كابلًا بحريًّا يربط إقليم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بباقي العالم، منها 33 كابل متصلًا بدول الخليج العربية، أكثرها كثافة المملكة العربية السعودية بـ 21 كابلًا، ودولة الإمارات بـ 19 كابلًا، وسلطنة عُمان بـ 17 كابلًا، وقطر 7 كابلات، والبحرين 5 كابلات، والكويت 5 كابلات، وترتبط شبكات كابلات البحرين والكويت بشكل شبه حصري بدول الخليج الأخرى، باستثناء شبكة كابلات الكويت التي ترتبط بإيران والهند وغيرها، وهناك 8 كابلات لتوصيل البيانات بين كلٍّ من دول مجلس التعاون الخليجي وأوروبا، و4 كابلات أخرى ستدخل الخدمة بحلول عام 2024، وكان من المتوقع ربط البحرين والكويت بأوروبا في عام 2023 عبر كابل “أفريقيا 2” الأطول في العالم. أما على الجانب الإيراني فتعدّ شبكة الكابلات البحرية محدودة نسبيًّا، حيث تصل 6 كابلات فقط لسواحل إيران، مع الاعتبار أن شبكة إيران للكابلات البحرية مرتبطة بالكامل تقريبًا بدول مجلس التعاون الخليجي، بما في ذلك المملكة العربية السعودية[8].
وتاريخًا؛ عادة ما تكون تهديدات خرائط الأعماق الرقمية مردها في معظمها للأنشطة البشرية غير المقصودة والكوارث الطبيعية، بيد أنه مؤخرًا تنامى القلق العسكري والأمني بشأن احتمالات حدوث عمليات تخريب متعمد، وخاصة من قبل روسيا، وهو ما عبر عنه مسؤولي حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي منذ عام 2015 على خلفية رصد سفينة “تجسس” روسية تحمل اسم “يانتار” وهي تُبحر بشكل غير اعتيادي بالقرب من الكابلات البحرية قبالة سواحل قبرص وإسرائيل وسوريا وإيران وأيرلندا، وهو الإبحار الذي تزامن مع انقطاع مؤقت في الاتصال بالدول المذكورة؛ ما أثار حفيظة صنّاع السياسات الأمنية والدفاعية في أوروبا والولايات المتحدة.
بيد أن الخطورة الراهنة للتهديدات المحتملة ضد الكابلات البحرية تتمثل في أن تهديدها أو تعطيلها لا يتطلب قدرات بحرية متقدمة كالقوة البحرية الروسية ذات القدرات المتطورة، وإنما يمكن تنفيذها من خلال ما يُعرف بـ”التهديدات الرخيصة” وهي تلك التهديدات التي تتم بأشكال عدة أقل تكلفة كاستخدام الغواصات البدائية أو الألغام البحرية، والأجهزة البحرية المتفجرة المترجلة المنخفضة المستوى، أو حتى الغواصين، ويزيد من خطورة ذلك انخفاض عمق المياه في الخليج العربي ومضيق باب المندب ليصل في بعض المناطق لعمق 100م، والتي تُعرف باسم المياه الضحلة، وهو ما وجد قرينته في حادثة قيام خفر السواحل المصري عام 2013 بإلقاء القبض على ثلاثة غواصين كانوا يحاولون قطع كابل قبالة سواحل الإسكندرية.
يعتبر انقطاع كابلات الإنترنت في أعماق البحار من الأحداث التي تُلقي بظلالها على الأمن العالمي والاقتصاد بشكل مباشر ومؤثر كما أن هناك مخاوف دولية عديدة من السلوك الحوثي المنفلت في البحر الأحمر بشن هجمات عدائية مستمرة على المصالح الدولية لتحقيق مكاسب سياسية، إذ حذر تقرير صدر أخيرًا عن موقع “منتدى الخليج الدولي” في واشنطن من أن تستمر جماعة الحوثي في ممارساتها العدائية بالبحر الأحمر ضد الملاحة الدولية، وكذلك استهدافهم للكابلات البحرية الحيوية التي “قد تكون هدفًا جديدًا لهجماتهم المقبلة في البحر الأحمر”؛ ما يؤثر على الاتصالات والاقتصاد العالميَّيْن بصورة خطرة وغير مسبوقة، ومن الممكن أن تكون شبكة كابلات الاتصالات الحيوية تحت الماء هدفًا سهلًا ومثاليًا لهجوم جماعة الحوثي في الأيام المقبلة[9].
هذا الانقطاع لا يُعيق التواصل الدولي فحسب، بل يؤثر سلبًا على الأسواق المالية العالمية، والأمن الدولي، مسببًا خسائر اقتصادية هائلة، كما أنه يُبرز الأهمية الاستراتيجية لأمن البنية التحتية للإنترنت وأن العالم في حاجة ملحّة إلى تعزيز الإجراءات الأمنية لحماية هذه الكابلات الحيوية من جماعة الحوثي، إضافةً إلى ذلك، يلقي هذا الحادث الضوء على التعقيدات السياسية المرتبطة بالبنية التحتية العالمية للإنترنت، ويُظهر كيف يمكن للأعمال التخريبية أن تُستخدم كأدوات للجماعات الإرهابية، مما يعقد جهود الحفاظ على الاستقرار الإقليمي والعالم، حيث ستستغل الجماعات الإرهابية من الحوثي هذا النمط كنوع من أنواع التهديد الحديث على الأمن الدولي والعالمي، كما أن جماعة الحوثي تسيطر على أراضٍ شاسعة مطلة على البحر الأحمر، و أن هذا يزيد من فرصة تهديد جماعة الحوثي في الأيام المقبلة، كذلك من الممكن أن جماعة الحوثي سوف تستمر بتهديد تفجير الكابلات البحرية الخاصة بالإنترنت في أعماق البحار، ولكنها تدرك أن عملية تفجيرها تعني توقف العالم كليًا، وهو أمر يعلم الحوثي عواقبه الوخيمة التي لن يسكت العالم عنها[10].
تدرك الولايات المتحدة الامريكية صعوبة ردع جماعة الحوثي، إلى أن قررت اللجوء إلى العمل العسكري ضدها، بهدف إرسال رسالة قوية بأنها لن تتسامح في تهديد ممرات التجارة الدولية من قبل الحوثي أو أي جماعة إرهابية، حيث تعلم الولايات المتحدة أن جماعة الحوثي تشكل تهديدًا متزايدًا للأمن الإقليمي والعالمي، حيث يمتلك الحوثيون قدرات عسكرية بإمكانها استهداف البنية التحتية الحيوية.
وفيما ستستمر الولايات المتحدة في عملها العسكري ضد الحوثيين، يجب أن يكون هناك أمل في استمرار المفاوضات بين الحوثيين والمملكة العربية السعودية لتوقيع الهدنة[11].
في الختام، يجب أن ندرك أن انقطاع شبكة الإنترنت قد يمثل تهديدًا جديًا للأمن واستقرار العالم الرقمي، ومن بين السيناريوهات المحتملة لانقطاع شبكة الإنترنت بسبب قطع الكابلات البحرية عن طريق التنظيمات الإرهابية في المستقبل:
الفوضى الرقمية العالمية: في هذا السيناريو، يؤدي انقطاع الكابلات البحرية إلى توقف شامل للخدمات الرقمية على مستوى عالمي، مما يؤدي إلى حدوث فوضى اقتصادية واجتماعية هائلة؛ فقد يسبب هذا تعطلًا للبنوك والشركات والمؤسسات الحكومية، وتوقفًا عن تقديم الخدمات الطبية والتعليمية عبر الإنترنت.
زيادة التوترات السياسية والعسكرية: قد يؤدي انقطاع الإنترنت إلى تصاعد التوترات السياسية والعسكرية بين الدول، وخاصة إذا كانت الحوادث المتكررة لقطع الكابلات تتم على نطاق واسع وبشكل متعمّد. وقد يتبع ذلك ردود فعل عسكرية؛ ما يزيد من احتمالات حدوث صراعات وتصعيد للنزاعات الدولية.
ليكون التساؤل الملِحُّ حاليًا ليس عن أي مدى يملك الحوثي القدرات والإمكانات التي تمكّنه من تعطيل أو قطع أو تخريب الكابلات البحرية في منطقة باب المندب والمقدرة بـ18 كابلًا بحريًا من أهم الكابلات عالميًّا وأطولها، كما سبقت الإشارة إليه، حيث إنه يملك هذه القدرات والإمكانات، وخاصة في ضوء عدم احتياج مثل تلك العمليات الإرهابية التخريبية إلى قدرات وإمكانات كبيرة ومعقدة، حيث يمكن تنفيذها بإمكانات بدائية وبسيطة أو بواسطة غواصين منفردين؛ وإنما التساؤل الملِحُّ هو إلى أي مدى سيكون رد الفعل الدولي حال حدوث ذلك، وإلى أي مدى يستطيع الحوثي تحمُّل ردود الأفعال الدولية جراء الخسائر غير المحتملة لهذه العمليات الإرهابية المحتملة؟
المصدر : مركز تريندز للبحوث والاستشارات