نهاد ذكي
نفذ الجيش الإسرائيلي مئات الغارات الجوية على جنوب لبنان وشرقه منذ صباح الاثنين 25 سبتمبر/أيلول، وقال المتحدث باسمه إن هذا الهجوم يعدّ “ضربة استباقية” بعد رصد تحركات لحزب الله لاستهداف إسرائيل. في المقابل، قال حزب الله في بيان صدر صباح الثلاثاء إنه قصف 3 مرات متتالية مطار مجيدو العسكري غرب مدينة العفولة شمالي إسرائيل بصواريخ “فادي 1″ و”فادي 2″. وهذا هو القصف الأول لمطار مجيدو من قبل حزب الله خلال المواجهات الحالية مع إسرائيل المستمرة منذ نحو عام.
وأعلن الحزب قصف مصنع المواد المتفجرة بمنطقة زخرون التي تبعد عن الحدود 60 كيلومترا، وقاعدة عاموس التي تُعد القاعدة الرئيسة للنقل والدعم اللوجستي للمنطقة الشمالية بالجيش الإسرائيلي. كما استهدف قاعدة ومطار رامات ديفيد جنوب شرقي حيفا، وهي القاعدة الكبرى في المنطقة الشمالية وواحدة من 3 قواعد جوية رئيسة في إسرائيل، وتحتل موقعا إستراتيجيا قرب خطوط المواجهة الإسرائيلية مع لبنان وسوريا والضفة الغربية. وأعلن الحزب قصف المخازن اللوجستية للفرقة 146 في قاعدة نفتالي برشقة صاروخية.
وخلال الأسابيع الأخيرة، تفاقم التصعيد المتبادل بين الجيش الإسرائيلي وحزب الله، ومنذ بدء عملية “طوفان الأقصى” في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، سيطر الفزع على سكان المستوطنات الحدودية الواقعة شمال إسرائيل مع بدء صواريخ ومسيرات حزب الله اللبناني في التدفق إليهم. وقد تحولت أغلب المستوطنات الحدودية في شمال إسرائيل إلى مدن أشباح، مع قيام إسرائيل تباعا بإخلاء عشرات المستوطنات والبلدات على الحدود اللبنانية.
في الواقع، شهدت القدرات العسكرية التي يمتلكها “حزب الله” في لبنان تطورا ملحوظا خلال السنوات القليلة الماضية، وصفه البعض بأنه يغير قواعد الصراع مع إسرائيل. وقد استخدم الحزب العديد من الأسلحة الجديدة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الفائت في هجماته على إسرائيل، بما ينبئ بشكل مختلف للحرب بين الطرفين.
منظومة حزب الله
في عام 2021، نشرت صحيفة “جيروزاليم بوست” العبرية تقريرا يشير إلى أن حزب الله نشر أنظمة دفاع جوي روسية الصنع قادرة على التصدي للضربات الجوية الإسرائيلية، وذلك في جنوب لبنان ومنطقة جبال القلمون شمال غرب دمشق والقريبة من منطقة البقاع اللبنانية، وهو ما عدّته العديد من التقارير تغيُّرا في مفهوم الدفاع الجوي لدى الحزب اللبناني.
أثار هذا الأمر قلق مسؤولين إسرائيليين خوفا من أن تعوق أنظمة حزب الله الدفاعية حرية العمليات الجوية الإسرائيلية داخل الأجواء اللبنانية، وهو ما حدث بالفعل يوم 29 أكتوبر/تشرين الأول الفائت، إذ أعلن حزب الله عن إسقاط طائرة بدون طيار إسرائيلية كانت تحلق فوق الجنوب اللبناني، بصاروخ أرض-جو، في حادثة تُعد الأولى من نوعها التي يعلن فيها الحزب عن إسقاط طائرة مسيرة.
تشمل منظومة حزب الله الدفاعية صواريخ أرض-جو تكتيكية قصيرة المدى تعمل على ارتفاعات منخفضة من طراز (SA8)، وهو نظام دفاع صاروخي متنقل يشمل مركبات كبيرة سداسية العجلات، ومنصات إطلاق محسنة بإمكانها حمل ستة صواريخ، كما أنه معزز بثلاثة أنظمة من الرادارات: نظام مراقبة من طراز (H-BAND) بيضاوي الشكل يصل مداه إلى 30 كيلومترا، ونظام رادار نبضي للتعقب من طراز (J-BAND) يبلغ أقصى نطاق تتبع له نحو 20 كيلومترا، ورادار التوجيه من طراز (I-BAND) الذي بإمكانه توجيه صاروخين إلى هدف واحد.
تضم المنظومة الدفاعية أيضا نظام الدفاع الجوي (SA17) المعزز بصواريخ أرض-جو متوسطة المدى، وهو نسخة مطورة من نظام الدفاع الجوي المحمول (Buk-M1)، وتحتوي على أربع قاذفات صواريخ، ورادارات لتحديد الأهداف، ورادار للتوجيه، ومحطة لإدارة المعركة، ومركبات إطلاق ذاتية الدفع. ويمكن للمنظومة الاشتباك مع مجموعة واسعة من الأهداف تحلق على ارتفاعات تتراوح بين 10-24 ألف متر، وبمدى أقصى يصل إلى 50 كيلومترا، ويمكنها الاشتباك مع ما يصل إلى 24 هدفا في وقت واحد ومن أي اتجاه.
هذا بخلاف نظام الدفاع الجوي قصير المدى (SA22) الذي صممته روسيا في التسعينيات خصوصا لحماية الأهداف العسكرية والإستراتيجية. بإمكان هذا النظام التعامل مع مجموعة واسعة من الأهداف الجوية، مثل الطائرات والصواريخ البالستية وصواريخ كروز والمسيرات، هذا النظام مزود بنحو 12 صاروخا اعتراضيا أرض-جو جاهزة للإطلاق، ومحرك يعمل على مرحلتين بالوقود الصلب، ويصل مداه إلى 20 كيلومترا كحد أقصى.
حرب المسيرات
في يومي 6 و9 يناير/كانون الثاني الجاري، نجح حزب الله في تنفيذ هجومين بطائرات مسيرة على أهداف إسرائيلية، الأول استهدف قاعدة مراقبة حركة المرور التابعة لسلاح الجو الإسرائيلي في جبل ميرون، والثاني استهدف مقر القيادة الشمالية للجيش الإسرائيلي في مدينة صفد. الأمر الذي أرجعه البعض إلى أخطاء تكتيكية جسيمة من قِبَل منظومة الدفاع الإسرائيلية، في حين تساءل البعض الآخر عما إذا كانت المسيرات قد ساعدت حزب الله في قلب موازين المعادلة مع إسرائيل.
وفقا لتقديرات “مركز ألما للأبحاث” الإسرائيلي لعام 2021، يمتلك حزب الله ما يزيد على 2000 من الطائرات المسيرة متعددة المهام في حين لا توجد أرقام رسمية من الحزب، وهي الطائرات التي استُخدمت في أكثر من مناسبة خلال الجولة الحالية من الاشتباك، فقد أعلن الأمين العام للحزب حسن نصر الله أن الطائرات المسيرة الهجومية الانتحارية استُخدمت لأول مرة في الحرب الأخيرة، كما رصدت تقارير الجيش الإسرائيلي نحو 19 حادثا لطائرات بدون طيار انطلقت من جنوب لبنان وشكلت تهديدا لإسرائيل منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
تشمل ترسانة حزب الله من المسيرات طائرات متعددة الأحجام، لها قدرات استطلاعية وهجومية، أهمها الطائرتان “مرصاد 1” و”مرصاد 2″، وهي نسخ مستوحاة من الطائرات الإيرانية “مهاجر 2” و”مهاجر 4″، ويصل مداها من 50 إلى 150 كيلومترا، كما أنها مزودة بكاميرتين أو ثلاث كاميرات من أجل المهام الاستطلاعية.
وتأتي بعد ذلك المسيرة “أيوب”، المسماة نسبة إلى حسين أيوب، أحد أهم العقول العسكرية للحزب في مجال التصنيع العسكري، ويتراوح مدى المسيرة ما بين 1700-2400 كيلومتر، ويمكنها حمل ما يصل إلى ثماني قنابل دقيقة التوجيه، بحسب بعض التقديرات. ويلي ذلك الطائرة “أبابيل”، وهي طائرة هجومية انتحارية يصل مداها إلى 150 كيلومترا، وبإمكانها حمل ما يصل إلى 45 كيلوغراما من المتفجرات. ثم تأتي المسيرة “حسان”، التي جالت في الأراضي الفلسطينية المحتلة فبراير/شباط 2022، وذلك لمدة 40 دقيقة إبان مهمة استطلاعية بعمق 70 كيلومترا، وعادت بعدها إلى قواعدها سالمة.
ترسانة صواريخ “حزب الله”
وفقا للعديد من التقديرات، يُعد حزب الله اللبناني الجهة غير الحكومية الأكثر تسليحا في العالم، وهو يعمل على تحديث وتوسيع مخزونه من الصواريخ باستمرار. ويمتلك الحزب ترسانة ضخمة من الصواريخ، لا نعرف حجمها بالتحديد، لكن التقديرات الإسرائيلية تشير إلى أن القدرة الصاروخية لحزب الله تزيد على 150 ألف صاروخ.
في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، أعلن حسن نصر الله، الأمين العام للحزب، عن إدخال صاروخ جديد من طراز “بركان 2” إلى ساحة المعركة، إذ استهدف الحزب بأربعة صواريخ “بركان” مركز قيادة الفرقة 91 للجيش الإسرائيلي في ثكنة برانيت. ووفقا لتصريحات نصر الله، فإن بإمكان “بركان” حمل رؤوس حربية تزن ما بين 300-500 كيلوغرام من المتفجرات.
تشمل ترسانة حزب الله الصاروخية أيضا مئات الصواريخ الدقيقة ذات القدرة التدميرية العالية، بإمكانها الوصول إلى العمق الإسرائيلي وضرب الأهداف بدقة شديدة وهامش خطأ أقل، الأمر الذي أثار مخاوف المسؤولين الإسرائيليين في حال توسعت الحرب لتشمل جبهة جنوب لبنان، إذ ستضطر إسرائيل حينها إلى تحويل منظومتها الدفاعية بالكامل لحماية مؤسساتها العسكرية الحساسة.
يمتلك الحزب أيضا منصة “ثأر الله” المزدوجة للصواريخ الموجهة، وهي منظومة مضادة للدروع أعلن عنها الحزب في أغسطس/آب عام 2023، وتتميز بقدرتها العالية على إصابة الأهداف بدقة، ومؤلفة من منصتَيْ إطلاق مخصصة لصواريخ “الكورنيت”. أضف إلى ذلك صواريخ أرض-أرض غير الموجهة، التي تطورت بشكل كبير بعد آخر حرب خاضها حزب الله مع إسرائيل عام 2006، ومنها على سبيل المثال لا الحصر صواريخ “كاتيوشا”، وهي صواريخ روسية الأصل، يصل مداها إلى 40 كيلومترا، وبإمكانها حمل رأس حربي يزن 20 كيلوغراما، وصواريخ “فجر 5″، مداها 75 كيلومترا، مع رأس حربي يزن 90 كيلوغراما، وصواريخ “زلزال” التي يبدأ مداها من 160 كيلومترا ويصل إلى 210 كم وبإمكانها حمل رأس حربي يزن 600 كيلوغرام من المتفجرات. وصواريخ “سكود” التي يصل مداها إلى 700 كيلومتر، ورأس حربي يصل إلى 800 كيلوغرام من المواد شديدة الانفجار.
مخاوف إسرائيلية
في تقرير نشره موقع “واللا” العبري يوم 5 يناير/كانون الثاني الجاري، صرح المسؤولون في جناح العمليات بالجيش الإسرائيلي بأن تهديدات حزب الله الأخيرة تستند إلى أساس قوي، خاصة بعدما تمكن الحزب من تطوير قدراته بطريقة متسارعة طوال العقد الماضي، ويزعم مسؤولو الجيش الإسرائيلي أن إيران تمكنت من تهريب أنظمة تكنولوجية وأسلحة متقدمة إلى الحزب منذ بداية الحرب.
كما أشارت وكالة “رويترز” الإخبارية في تقرير نُشر 30 أكتوبر/تشرين الأول 2023 إلى أن حزب الله يكرس جهوده لإضافة أنظمة توجيه إلى الصواريخ غير الموجهة، وهذا من أجل تحويلها إلى صواريخ دقيقة، وتعزيز قدرتها على الضرب المباشر لأهداف إستراتيجية مثل المقرات والقواعد العسكرية.
بالإضافة إلى ذلك، يمتلك الحزب مخزونا من الصواريخ المضادة للطائرات، بما في ذلك الصواريخ المحمولة على الكتف، التي يستخدمها في استهداف الطائرات والمروحيات على ارتفاعات منخفضة. كما أن مسيراته بإمكانها أن تُشكِّل تهديدا إستراتيجيا لإسرائيل، خاصة أنها رخيصة التكلفة ويمكن إنتاجها بكميات كبيرة، وفي حال قيام أسراب من هذه المسيرات بمهاجمة أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية فإنها قد تؤدي إلى استنزاف نظام “القبة الحديدية” وتحييده.
كل هذا بخلاف ما يمتلكه الحزب من قدرات “سيبرانية”، وهو ما عزز قدراته على تعطيل أنظمة الاتصالات ونظام تحديد المواقع العالمي (GPS). كما بات بإمكان حزب الله القيام بهجمات سيبرانية متطورة على شبكة الإنترنت واستهداف البنى التحتية الحساسة.
إلى جانب هذا كله، هناك شبكة ضخمة من الأنفاق التابعة لحزب الله التي تربط قرى الجنوب اللبناني ببعضها على غرار أنفاق حركة المقاومة الفلسطينية (حماس)، التي يصعب تدميرها من خلال الضربات الجوية، وفقا للتقرير، مما يجعل القضاء على حزب الله أمرا صعبا لا يمكن القيام به إلا من خلال مناورات برية واسعة النطاق.
لكن رغم هذه الترسانة الصاروخية الضخمة والجاهزية العسكرية التي لدى حزب الله، فإنه حتى الآن يستخدمها في إطار الردع فقط، إذ يدير الحزب الاشتباكات الحدودية والمعارك بدقة شديدة، دون المخاطرة بتوسيع رقعة الحرب إلى الجبهة اللبنانية. هذا من ناحية الحزب، إلا أن الطرف الآخر من المعادلة، قد يكون له رأي آخر.
المصدر : الجزيرة نت