شيلان شيخ موسى
تشن جماعة “الحوثيين” اليمنية منذ أشهر، موجة اعتقالات طالت العشرات من موظفي الوكالات الأممية والمنظمات الإنسانية الدولية والمحلية في صنعاء ومدن أخرى، بينهم نساء، في سياق انتهاكات الجماعة المتصاعدة ضد العمل الإنساني بحسب ما نقلته مصادر حكومية وحقوقية لعدد من وسائل الإعلام.
ويبدو أن خطوة “الحوثيين” هذه جاءت ردا على قرار الحكومة اليمنية بنقل البنوك الكبرى إلى خارج مناطق سيطرة “الحوثيين”، وذلك بغية استخدام المحتجزين كورقة مساومة.
وهذا ليس غريبا على هذه الجماعة الموالية لإيران، إذ لها تاريخ في استخدام المعتقلين والمختفين قسرا أوراقا للمساومة السياسية، كما أوضحت منظمة “هيومن رايتس ووتش” الحقوقية أواخر حزيران/يونيو الماضي.
جماعة “الحوثي” ونشر الخوف بالمجتمع
بحسب “هيومن رايتس ووتش“، فمنذ 31 أيار/مايو، تعتقل جماعة “الحوثيين” المسلحة، التي تسيطر على جزء كبير من اليمن، موظفين من مختلف وكالات الأمم المتحدة، والمنظمات الدولية، والمنظمات غير الحكومية المحلية.
وتقول المنظمة الحقوقية إن “الحوثيين” لم يكشفوا عن مكان المعتقلين تعسفا، توصلت إلى أنهم “مخفيين قسرا”.
وقال عامل في المجتمع المدني يتتبع الاعتقالات إنه حتى 7 تموز/يوليو، اعتقل “الحوثيون” أكثر من 72 شخصا. ومن بين المعتقلين ما زال 13 موظفا في الأمم المتحدة، بينهم ستة موظفين في المفوضية.
ومنذ 2021، اعتقل “الحوثيون” تعسفا أيضا موظفين آخرين في المفوضية وعدة موظفين سابقين في السفارة الأميركية في صنعاء. وما زالوا محتجزين.
وبحسب مركز “كارنيغي” للشرق الأوسط، فإن حملة الاعتقالات التي يشنها “الحوثيون” لم ترافقها إجراءات قانونية أو لوائح اتهام رسمية، والتهمة الأساسية الموجهة للمعتقلين هي ضلوعهم في “التجسّس” لصالح “شبكة تجسّس أميركية إسرائيلية”.
ويسعى “الحوثيون” إلى كمّ أفواه المعارضين، والشروع في ما يسمونه “مرحلة تغيير جذري” في اليمن، كانت قد جُمّدت حتى تموز/يوليو من العام الجاري، وإلى إحكام قبضتهم على المجتمع.
داخليا، بثّ “الحوثيون” الخوف في المجتمع، ولا سيما في أوساط قادة المجتمع المدني. الهدف من توجيه الاتهامات بـ”العمالة” و”التجسّس”، الذي صُوّر بأنه “إنجاز أمني”، هو شيطنة المتّهمين، ومنع التضامن معهم، وإغلاق المساحة المدنية، ووصم العمل لحساب المنظمات الدولية. ونظرا إلى سوء إدارة “الحوثيين”، سعوا أيضا إلى إبعاد الملامة عنهم بسبب أوجه القصور هذه، على مشارف الذكرى الثانية والستين لقيام الجمهورية اليمنية في 26 أيلول/سبتمبر من العام 1962، ذكرى الإطاحة بالإمامة الزيدية التي يودّ “الحوثيون” إرساءها من جديد، يقول مركز “كارنيغي”.
ويضيف المركز: “تسبب إحياء ذكرى الثورة الجمهورية العام الماضي، والذي أتاح للمواطنين التعبير عن استيائهم من الممارسات الحوثية، بتأخير (التغييرات الجذرية)، من إنشاء مؤسسات جديدة، ودمج مؤسسات أخرى أو حلّها، وتغيير الإجراءات الحكومية، وإدخال تعديلات قضائية، التي يريدها الحوثيون”.
وتشكيل حكومة أمر واقع أخرى تتوافق مع “الهوية الإيمانية”. وقد فعل “الحوثيون” ذلك من خلال جملة خطوات منها الاستفادة من المكاسب التي حققوها على صعيد تعزيز سمعتهم خلال الحرب على غزة واستخدامهم خطابا معاديا للغرب تحركه نظريات المؤامرة، في ضوء مواجهتهم العسكرية المستمرة مع الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وإسرائيل. والتغييرات التي يتطلعون إلى إجرائها تعبّر، في جوهرها، عن رؤية حوثية للنظام السياسي والدستور في اليمن.
ممارسة الضغوط على المجتمع الدولي
أما خارجيا، فيهدف “الحوثيون” إلى ممارسة ضغوط على المجتمع الدولي، ولا سيما وكالات الأمم المتحدة، لمنع نقل مقارها إلى عدن، وانتزاع مزيدٍ من التنازلات منها، وفرض قواعد تقييدية جديدة. على سبيل المثال، في تموز/يوليو، طلب المجلس الأعلى لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية والتعاون الدولي الذي أنشأه الحوثيون من المنظمات الدولية العاملة في اليمن التشاور معه والحصول على موافقته قبل توظيف أي كوادر محلية ودولية، وإطلاعه على الهيكل الوظيفي لكل منظمة.
وكان الهدف الأساسي التأثير على عملية تعيين الموظفين في هذه المؤسسات، ولا سيما أولئك الذين يتولون مهام حساسة، والتحكم بهذا التعيين، بحيث يكون الموالون “للحوثيين” في خدمتهم من خلال مشاركة المعلومات معهم ورسم الأولويات.
يريد “الحوثيون” أيضا، من خلال مداهمة المكاتب، واعتقال الاختصاصيين في مجال تكنولوجيا المعلومات، ومصادرة الممتلكات الخاصة – من أجهزة الكمبيوتر المحمولة والوثائق والبيانات – توسيع نطاق سيطرتهم على المعلومات عن طريق الإمعان في بثّ الخوف عبر توجيه رسالة مفادها أن المنظمات الدولية وطواقمها لا يمكنهم العمل بأمان من دون موافقتهم.
مع ذلك، قد تؤدي مثل هذه المطالب إلى عزلٍ تدريجي للكوادر المؤهلة، ناهيك عن أنها ستقوض الإدارة المهنية للعمليات الإنسانية والتنموية، وستضعف أيضا المجتمع المدني بصورة إضافية، وفق مركز “كارنيغي”.
وسعى “الحوثيون” إلى تحويل مسار المساعدات ومنحها على وجه الخصوص إلى مقاتليهم، واستخدموها أيضا كورقة ضغط لإحكام قبضتهم على السكان. والجدير بالذكر أن المساعدات تشكل مصدرا قيّما للدخل في اليمن، بما في ذلك للقادة “الحوثيين” الذين يتقاضون أيضا رواتب من وكالات الأمم المتحدة.
مشابهة لممارسات حكومة دمشق
ولا تختلف ممارسات “الحوثيين” كثيرا عن ممارسات الحكومة السورية في سياق سيطرتها على المساعدات الدولية التي تذهب إلى المناطق الخاضعة لسيطرتها في سوريا.
هذا فضلا عن أن حكومة دمشق تقوم بتسييس المساعدات لصالح عناصر جيشها أو المقربين منها، إضافة إلى أن نسبة كبيرة من موظفي منظمات المجتمع المدني في المناطق الخاضعة لسيطرتها موالون لها. أو أحد أقارب المسؤولين في السلطة، كما كشفت صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية، عن توظيف الأمم المتحدة ابنة اللواء حسام لوقا، رئيس إدارة المخابرات العامة في حكومة دمشق، في أحد مكاتبها العاملة في منطقة سيطرة دمشق.
وكانت الصحيفة قد أجرت تحقيقا عن عمليات المنظمة الأممية في مناطق سيطرة النظام في دمشق، تضمن إشارة إلى تعاونها مع أجهزته الأمنية، وتقديمها تمويلا للحكومة السورية بشكل غير مباشر.
وعددت الصحيفة البريطانية أمثلة لذلك، ومنها فرض دمشق على موظفي الأمم المتحدة الإقامة في فندق فور سيزون بدمشق؛ وهو لأحد رجال الأعمال المقربين من “آل الأسد”، والمشمولين بالعقوبات الغربية، ودفعهم مبالغ طائلة أجرة هذه الإقامة.
كما يجبر النظام في دمشق وكالات المعونة الدولية على صرف الدولار بسعر “البنك المركزي السوري”، والذي هو أقل بكثير من سعره في السوق الموازية، بحيث يدعم بهذا الفارق الكبير احتياطات الخزينة من النقد الأجنبي.
بيان مشترك ضد “الحوثيين”
وفيما يتعلق بممارسات جماعة “الحوثيين” حول اعتقال الموظفين المحليين العاملين في المجالات الإنسانية والتنموية في الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية والبعثات الدبلوماسية الأجنبية، أصدرت 6 دول غربية مع جمهورية اليمن بيانا مشتركا بذلك.
وأصدرت حكومات كل من الولايات المتحدة الأميركية، والمملكة المتحدة، وألمانيا، والسويد، وفرنسا، وهولندا، والجمهورية اليمنية، في 27 أيلول/سبتمبر الماضي، بشأن الممارسات الحوثية.
وطبقا للبيان المشترك: “في 25 أيلول/سبتمبر 2024، اجتمع ممثلو الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وألمانيا والسويد وفرنسا وهولندا والجمهورية اليمنية لمناقشة تأثير الاعتقالات الحوثية غير المبررة لموظفي الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني والبعثة الدبلوماسية السابقة وغيرهم من الموظفين في اليمن”.
وشدد البيان المشترك على أنه “يجب إطلاق سراح هؤلاء الأفراد على الفور، ويجب السماح لجميع الموظفين بأداء عملهم دون خوف من الاعتقال غير المبرر أو الترهيب. ونحن ندعو جميع البلدان والمنظمات إلى إيجاد كل القنوات الدبلوماسية الممكنة لدفع المفاوضات من أجل إطلاق سراح المعتقلين الحاليين”.
ودعا جماعة “الحوثيين”، احترام المعايير الدولية وضمان سلامة وأمن جميع الموظفين الدبلوماسيين والإنسانيين وموظفي المجتمع المدني والأمم المتحدة.
ونتيجة لهذه الاعتقالات، يقول البيان الغربي المشترك إنه يدعم الأمم المتحدة في قرارها بتقليص تعرض الموظفين للخطر في المناطق الخاضعة لسيطرة “الحوثيين”.
المصدر : الحل نت