كريتر نت – متابعات
تتذرع قوى المعارضة في مصر بالانشغال بمشاكلها الداخلية للتغطية على ترددها في الانخراط في مواجهة الإخوان الذين عادوا إلى التشويش على السلطة منذ سقوط النظام السوري، وهو ما يفقدها حضورا سياسيا في مرحلة دقيقة تمر بها البلاد.
ويزعج هذا التردد السلطات المصرية التي باتت بحاجة إلى قوى معارضة وطنية تملأ مساحات من الفراغ السياسي خوفا من أن تستغلها جماعة الإخوان، في محاولتها لإعادة ترتيب صفوفها.
وينتقد مراقبون حالة الخمول السياسي الذي تعيشه قوى المعارضة ويرون أن ذلك لا يخدم السلطة ولا بد من التوصل إلى تفاهمات بشأن حضورها السياسي، لاسيما في ظل تزايد انتشاء الإخوان بما يجري في سوريا.
ولم تستأنف الحركة المدنية اجتماعاتها منذ مطلع ديسمبر الماضي، في حين أنها كانت تحرص على أن تطلع الرأي العام على تفاصيل ما يدور داخلها من نقاشات حول قضايا مهمة عبر اجتماعاتها الدورية الأسبوعية التي كان يستضيفها حزب المحافظين، ولم تشتبك بقوة مع التحولات التي جرت الأيام الماضية عقب الإعلان عن تدشين حزب جديد محسوب على الحكومة المصرية (الجبهة الوطنية).
وتجاهلت الحركة خطواتها التي أعلنت عنها حيال تقديم عريضة إلى النائب العام المصري للمطالبة بالإفراج عن المحبوسين على ذمة قضايا سياسية، وسط غموض يحوم حول موقفها من الانتخابات البرلمانية المقبلة مع استمرار الخلافات بشأن طبيعة التحالفات التي تدشنها للحصول على عدد كبير من المقاعد في مجلسي النواب والشيوخ.
وذكر رئيس الحزب الاشتراكي المصري، وهو أحد أحزاب الحركة المدنية، أحمد بهاء الدين شعبان لـ”العرب” أن إضعاف المعارضة يصب في صالح جماعة الإخوان وجميع الفصائل المتطرفة، وما حدث في سوريا يخدم مشروع هؤلاء، والوضع بحاجة إلى ترْك السلطة حرية الحركة للمعارضة كي تقوي نفسها عبر التواصل المباشر مع الجمهور، ومن دون تحقيق ذلك سيصبح الانزواء والتراجع سائدين.
وأكد أن وجود المعارضة ضروري لإنعاش الأحزاب المؤيدة للسلطة، ويشكل غيابها أحد أسباب تحول الغضب المكتوم إلى أفعال لن تؤدي للوصول إلى الاستقرار الداخلي المنشود، وأن مصر بحاجة إلى تماسك جميع مؤسسات الدولة، بما فيها الأحزاب المدنية، لمواجهة التحديات الراهنة وتخفيف حدة الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، وهو ما يتطلب إدراكا لأهمية قوى المعارضة المدنية ودورها في تنشيط الحياة السياسية.
وأعلنت الحركة المدنية عزمها تجميد عملها في أغسطس الماضي احتجاجا على إلقاء القبض على أحد مؤسسيها (يحيى حسين عبدالهادي)، ولم تعد إلى ممارسة نشاطها العام بالقوة نفسها وتسلل الإحباط إلى قياداتها، وما دعم ذلك أن الخلافات التي نشبت بين الأحزاب الفاعلة فيها لم تجد سبيلا إلى الحل.
كما أن حوار الحركة مع السلطة في مصر لم يكن في صالحها،لأنها دائما كانت الطرف الأضعف، ولم يتم تقديم مساعدة لها كي تقوم بدور فاعل، مع توجس دوائر حكومية من وجود مصالح سياسية تربط قيادات الأحزاب بتنظيم الإخوان سرا.
ويؤدي تفتت المعارضة وعدم قدرتها على أن تظهر مواقف موحدة في غالبية القضايا التي كانت طرفا فيها إلى تيقن دوائر حكومية من أن المشكلة تكمن في أن أحزابا معارضة لم تتمكن من تقديم كوادر سياسية قادرة على ممارسة المزيد من الضغط.
وتتعرض قوى المعارضة لاتهامات بالضعف من أحزاب سبق أن كانت في صفها، ويرى بعضها ممن تصدروا مشهد المعارضة إبان حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك، مثل حزبي الوفد والتجمع، أن مواقف الحركة المدنية تتوافق أحيانا مع تنظيم الإخوان.
وكان يمكن أن تلعب الأحزاب التاريخية دورا في توجيه بوصلة مواقفها، غير أن ابتعادها أو عزوفها صعّبا مهمة الدخول في لعبة تبادل الأدوار مع السلطة. وتعد عملية التنسيق مع السلطة على رأس القضايا الخلافية داخل الحركة المدنية، وهي تجمع سياسي تم تدشينه عام 2017، ويضم 12 حزبا وشخصية عامة.
وجمد حزبا العدل والمصري الديمقراطي الاجتماعي عضويتهما في الحركة، وهما مقتنعان بضرورة وجود تنسيق مع الحكومة، ليكون هناك تمثيل قوي لأحزاب المعارضة داخل البرلمان يساعد على القيام بدور سياسي كبير، لكن عددا من مكونات الحركة يرى عدم جدوى من وراء هذا التنسيق، مع الحاجة إلى أن تصبح المعارضة مؤثرة، وعدم استعداد السلطة لتقديم تنازلات ملموسة للمعارضة.
وقال أحمد بهاء الدين شعبان لـ”العرب” إن الحركة تحافظ على حضورها في الساحة السياسية، إلا أنها تواجه مشكلات في الممارسة السياسية، والخلافات داخلها ليست شخصية، وتدور حول تصورات خوض الانتخابات هذا العام، وما إذا كان يمكن التنسيق مع الحكومة والدخول في قوائم أحزاب الموالاة أم تشكيل تحالف انتخابي خاص بالمعارضة، وهو موقف قابل للاختلاف ولا يعني أن المعارضة تواجه تشرذما.
وأوضح أن التنسيق مع الحكومة يساهم في دخول عدد أكبر من كوادر المعارضة إلى مجلسي النواب والشيوخ في الانتخابات المقبلة، لكن ذلك يؤثر سلبا على الصورة العامة للمعارضة في نظر الرأي العام.
وأثبتت تجارب سابقة أن التحالف مع السلطة يمكن أن يبرز دور المعارضة وإمكانياتها السياسية مثلما هو وضع الأحزاب التي دخلت قوائم الحكومة من قبل، لكن ذلك قد يكون مرفوضا في خضم أوضاع تحتاج فيها المعارضة إلى أن تصبح فاعلة في الشارع.
وليست معروفة حتى الآن الطريقة التي سوف تجرى بها الانتخابات البرلمانية هذا العام وآليات خوضها، مع عدم الإعلان عن القوانين المنظمة لها، ما يجعل هناك حالة من عدم الثقة بالحكومة، وثمة توجس من احتمال أنها ترتب لنفسها هيمنة واسعة وتترك الفتات للمعارضة التي قد تُفاجَأ بقوانين جديدة ليست في صالحها، وأن حالة الضبابية الحالية تشي بتراجع المعارضة وعدم وضوح تحركاتها.
وتخشى قوى المعارضة أن تكون طرفا خاسرا، حال نسقت مع الحكومة في ملف انتخابات البرلمان، ومن هنا سوف يصعب عليها ترميم صورتها، وقد تفقد آخر ما تبقى من ثقة في قدرتها على أن تعبر عن نبض الجماهير المعارضة.