علي قاسم
ناشيونال جيوغرافيك” أعادت اكتشاف تونس وما تحتويه من مقومات سياحية كانت كافية لتبوئها مكانة بين أفضل 25 وجهة سياحية في العالم. والآن جاء دور المشرفين على هذا القطاع الهام للبناء على هذه “الهدية” التي وصفت بالسارة.
وفي تونس أنت على مرمى حجر من أوروبا. بالتحديد 113 كيلومتراً عن لامبيدوزا الإيطالية و70 كيلومتراً عن بانتيليريا. ورغم المساحة التي لا تتجاوز 164 ألف كيلومتر مربع، إلا أنها تتميز بشريط ساحلي يمتد على طول 1148 كيلومتراً.
بموقع مثل هذا، ليس غريباً أن تكون تونس اسماً بارزاً في عالم السياحة الفندقية والبحرية (المنتجعات)، ولكن أن تصنف ضمن أفضل 25 وجهة سياحية في العالم، ومن قبل جهة لها وزنها الدولي مثل “ناشيونال جيوغرافيك”، أمر آخر يحمل القائمين على قطاع السياحة في تونس مسؤوليات جسام.
في وضع اقتصادي، يمكن وصفه بالصعب، اعتبر هذا التتويج من قبل المسؤولين والعاملين بالقطاع السياحي “هدية سارة” لتونس التي شهد اقتصادها خلال عام 2024 انتعاشة وبانت عليه مؤشرات التعافي.
2023 كان عام استعادة الأسواق التقليدية و2024 عام الإقلاع و2025 عام التحليق
تونس تفسدك بالخيارات التي تضعها أمامك؛ منذ أن تغادر مطار قرطاج في قلب العاصمة، ستكون على بعد خطوات من أسواق تشتهر بصناعات تقليدية متنوعة، وتحتضن أفضل تشكيلة من المطاعم والمعالم السياحية.
رحلة قصيرة بالسيارة تنقلك إلى ضواحي العاصمة، وهي على التوالي حلق الوادي (لاغوليت) وشارعها الشهير فرانكلين روزفلت، الذي تصطف على جانبيه مطاعم تقدم أطباق بحرية وأكلات تونسية تقليدية، ويشهد الشارع في العاشر من أغسطس/آب من كل عام مهرجان لأطباق الحوت (السمك) لمدة ثلاثة أيام.
بعد مسافة يمكن قطعها سيرا على الأقدام، أنت في قرطاج، التي تم إدراجها ضمن قائمة التراث العالمي لمنظمة اليونسكو، وتشتهر خصوصاً بمتحفها التاريخي ومسرحها الروماني وحماماتها الأثرية. وما أن تخرج من قرطاج حتى تصل إلى سيدي بوسعيد الوجهة المفضلة للأوروبيين الذين يختارونها مكاناً لإقامتهم، وتتميز ببيوتها البيضاء وأبوابها ونوافذها الزرقاء ومقاهيها الشعبية وأسواقها التي تعتبر محجاً لعشاق المشغولات اليدوية التقليدية خاصة الجلدية، وتقع على منحدر صخري يطل على خليج تونس.
عندما تكون في سيدي بوسعيد احرص على تناول فنجان من القهوة أو الشاي الأخضر في مقهى سيدي شبعان “Café des Délices”. لن تكتمل زيارتك لتونس إلا بعد أن تعرج عليه.
على بعد مسافة قصيرة من سيدي بوسعيد وبعد أن تعبر سيدي الظريف ستكون في المرسى، وبعدها في قمرت التي تحتضن عشرات المطاعم والنوادي الليلية، يندر تواجدها بهذه المواصفات في أي بقعة بالعالم.
عندما تأتي إلى تونس بغرض السياحة لن تقتصر إقامتك على العاصمة، بل ستنطلق منها إلى عشرات المنتجعات والبيئات الجغرافية المتنوعة، من شمال البلاد المغطى بغابات الصنوبر، إلى القيروان بما تحمله من إرث تاريخي، ومنها إلى الجنوب الصحراوي الذي يعد جوهرة السياحة التونسية، وشهد تصوير عديد من الأفلام العالمية، مثل ثلاثية حرب النجوم الذي صورت مشاهده شمال شط الجريد وقرية مطماطة، والمريض الإنجليزي (The English Patient) الحائز على جائزة الأوسكار، وسارقو التابوت الضائع (Raiders of the Lost Ark) في مدينة توزر، ويسوع الناصري (Jesus of Nazareth) وهو مسلسل تلفزيوني صور في مواقع مختلفة في تونس.
بمثل هذا الإرث حجزت تونس لنفسها مكاناً بين دول مثل تايلاند والمكسيك وجنوب أفريقيا وأيرلندا. وأشاد القائمون على التصنيف بالتنوع الاستثنائي للمقومات السياحية التونسية، خاصة المواقع التاريخية التي تعزز مكانة تونس بوصفها مفترق طرق بين التاريخين القديم والحديث.
واعتبر وزير السياحة التونسي سفيان تقية أن هذا التصنيف يعد حافزاً للمهنيين ويحملهم المسؤولية لتقديم خدمات أفضل. وقال في تصريحات خلال مؤتمر صحافي إن هذا الاعتراف الدولي يمثل فرصة فريدة للدولة لتعزيز إنجازاتها والاستثمار في إستراتيجية مستدامة.
وكشف الوزير عن خطط مستقبلية للعمل على تطوير القطاع السياحي في تونس وإعطائه دفعاً جديداً، مؤكداً أن العام 2025 سيكون عام الجودة الشاملة في الصناعات التقليدية وقطاع السياحة.
وفي تصريحاته على هامش “المسابقة الدولية للطهي” في دورتها الثانية، التي عقدت في مدينة الحمامات التونسية، أكد تقية أن تونس “اشتغلت كثيراً على تطوير القطاع السياحي ليتجاوز الأضرار البالغة التي لحقت به في السنوات الماضية، وقد أثمر هذا عن قطاع قوي تمكن من إنقاذ الاقتصاد المأزوم في 2024 وإبقائه في وضع الصمود”.
وأن قطاع السياحة في تونس حقق أرقاماً قياسية خلال الموسم الحالي، مشيراً إلى أنه من المنتظر تجاوز عتبة 10 ملايين سائح قبل أواخر العام. وهو ما أكده لاحقاً مدير ديوان السياحة التونسي، حلمي حسين، في تصريح لإذاعة “موزاييك” الخاصة: “تجاوزنا اليوم 30 ديسمبر 10 ملايين سائح وهو رقم قياسي مطلق.”
وتحدث الوزير عن استعدادات خاصة بالسنة الجديدة من خلال ضبط منظومة ترويج تعتمد على التكنولوجيات الحديثة، مشيراً إلى أن تونس تستهدف فتح أسواق جديدة، خاصة مع الصين التي يتم إعداد برنامج كبير خاص بها، أيضاً تم فتح خط مباشر بين بغداد وتونس للتشجيع على جذب السائح العراقي.
وهذا بالطبع لم ينس القائمون على السياحة الأسواق التقليدية، التي شهدت نمواً كبيراً. وتستقبل تونس عادة أكثر من مليون سائح فرنسي، وأشار الوزير إلى حدوث تطور ملحوظ في السوق الألمانية والبولندية.
9 في المئة مساهمة القطاع السياحي في الناتج المحلي الإجمالي ويوفر 400 ألف فرصة عمل
وسبق أن أعلنت وزارة السياحة التونسية أن مداخيل السياحة منذ مطلع العام الجاري حتى نهاية أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، زادت بنسبة 6 في المئة على أساس سنوي، لتستقر عند 6.241 مليارات دينار (1.98 مليار دولار). وحققت تونس مداخيل من قطاع السياحة في العام الماضي بأكمله ناهزت 2.1 مليار دولار.
وكان القطاع السياحي في تونس قد شهد انتكاسة حادة خلال عامي 2020 و2021، أسوة بما شهدته أسواق السياحة على المستوى العالمي بسبب جائحة كورونا، وتوقف الرحلات وإغلاق الحدود، وكانت تونس قد خرجت لتوها من أضرار لحقت بها بسبب الإرهاب الذي رافق حكم الإخوان.
ويقول خبراء إن عام 2023 كان عام استعادة الأسواق الخارجية التقليدية، أما عام 2024 فهو عام الإقلاع. ويأمل الجميع أن يكون عام 2025 عام التحليق.
ويكفي لمعرفة أهمية ما تمثله السياحة بالنسبة لتونس وبالنسبة للاقتصاد التونسي أن نذكر أن القطاع السياحي يساهم بحوالي 9 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، والأهم من ذلك أنه يوفر 400 ألف فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة.
ويضع المسؤولون عن السياحة في تونس وتطويرها إستراتيجيات تأخذ بعين الاعتبار ما تمتلكه البلاد من مقومات لتطوير السياحة الثقافية والإيكولوجية إلى جانب الشمس والبحر.
المصدر : العرب