كريتر نت – متابعات
لم يتحقق الكثير اقتصاديا وتنمويا لمصر خلال عقد من الشراكة مع الصين، إذ إن الشراكة تبدو غير متكافئة وتميل بقوة لبكين. ويرجح محللون أن العلاقات الوثيقة بين القاهرة وبكين كانت نتاج مزيج من الضرورة السياسية والاقتصادية.
وشهد بداية عام 2025 نهاية “عام الشراكة المصرية – الصينية” واختتام “العقد الذهبي”، وهي فترة عشر سنوات نمّت خلالها مصر والصين علاقتهما الثنائية كجزء من جهودهما لتعميق شراكتهما الإستراتيجية الشاملة. لكن الشراكة غير متكافئة وتميل بقوة لصالح بكين.
وانتهى عام الشراكة 2024 بزيارة وزير الخارجية المصري بدر عبدالعاطي لبكين في الثالث عشر من ديسمبر للقاء نظيره وزير الخارجية الصيني وانغ يي. وجاء ذلك بعد وقت قصير على زيارة رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي إلى بكين في سبتمبر لحضور منتدى التعاون الصيني – الأفريقي. وأثناء وجوده هناك، وقّع وفد من المنطقة الاقتصادية لقناة السويس عقودا ومذكرات تفاهم بقيمة مليار دولار مع شركات صينية.
ولكن الزيارة الأكثر أهمية العام الماضي كانت من الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في مايو، عندما كان في بكين لحضور منتدى التعاون بين الصين والدول العربية، فضلا عن قمة صينية – مصرية.
وخلال القمة، ناقش الزعيم الصيني شي جينبينغ والسيسي التعاون الأعمق في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والذكاء الاصطناعي، والطاقة المتجددة، والأمن الغذائي، والتمويل، والتبادلات الثقافية، مما يدل على مدى اتساع العلاقة. وكانت هذه هي الزيارة الثامنة للسيسي إلى الصين منذ توليه الرئاسة في عام 2014.
وللمقارنة، زار الرئيس المصري السابق حسني مبارك الصين ست مرات خلال ثلاثين عاما في منصبه. وهذا التحول في عهد السيسي ــ “العقد الذهبي” ــ يشكل حالة شاذة في العلاقات الصينية – المصرية، فلم يكن هناك قط مثل هذا القدر من المشاركة بين البلدين.
مع تخطيط الصين لتكون خالية من الكربون بحلول عام 2060، فإن القاهرة بحاجة إلى إيجاد شيء آخر لبيعه لشريكها التجاري الأول
ومن جانب الصين، يمكن تفسير ذلك جزئيا بالزيادة في الشراكات الدولية بعد الإعلان عن مبادرة الحزام والطريق في عام 2013. ومنذ ذلك الحين، أبرمت الصين شكلا من أشكال اتفاقية الشراكة مع كل دولة تقريبا في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (باستثناء لبنان والسودان واليمن). كما أنه يعكس وجودا صينيا أكثر قوة في الشرق الأوسط بشكل عام، حيث تتولى المنطقة دورا متزايد الأهمية في أمن الطاقة والتجارة والتعاقد في الصين.
وفي عام 2014، حدد شي إطار التعاون “1 + 2 + 3” لتطوير العلاقات مع الدول العربية، مع التركيز على التعاون في مجال الطاقة والتجارة وبناء البنية الأساسية والطاقة المتجددة والتكنولوجيا الفائقة.
وفي عام 2016، أصدرت الصين أول ورقة سياسية عربية لها على الإطلاق. ولم يحدث التواصل الصيني مع مصر في فراغ بل كجزء من إستراتيجية أكبر لجعل بكين لاعبا أكثر أهمية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
ويرى جوناثان فولتون، زميل أول غير مقيم في مبادرة سكوكروفت للأمن في الشرق الأوسط، في تقرير نشره المجلس الأطلسي، أن بالنسبة لمصر من المرجح أن يكون الدافع وراء العلاقات الوثيقة مع الصين ناتجا عن مزيج من الضرورة السياسية والاقتصادية.
وقبل توليه منصبه، اشتكى السيسي – في مقابلة مع صحيفة واشنطن بوست – من الولايات المتحدة وقال “لقد تركتم المصريين. لقد أدرت ظهرك للمصريين، ولن ينسوا ذلك.”
وأقنع الاستياء من تخلي إدارة الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما عن حسني مبارك خلال الربيع العربي في فبراير 2011 الكثيرين في القاهرة بأن الولايات المتحدة شريك أقل موثوقية، مما يجعل مجموعة أوسع من العلاقات خارج المنطقة وسيلة مهمة لدعم حكومة على أرض مهتزة.
بالنسبة لمصر من المرجح أن يكون الدافع وراء العلاقات الوثيقة مع الصين ناتجا عن مزيج من الضرورة السياسية والاقتصادية
وجعل تزامن ذلك مع طموحات الصين الإقليمية بكين تبدو وكأنها رهان جيد. وقال أحد المصريين لصحيفة فاينانشال تايمز في عام 2018 “ليس من السهل العثور على شريك من القوى العظمى لديه جيوب عميقة ولا يهتم بالسياسة الداخلية لمصر… هناك قوى اقتصادية لديها القدرة على مساعدتنا ولكن ليست لديها الرغبة، وأخرى لديها الرغبة ولكن ليست لديها القدرة لكن الصين تتصدر قائمة الدول التي تمتلك القدرة والرغبة في ذلك.”
وعلى مدار “العقد الذهبي”، احتلت الصين باستمرار المرتبة الأولى كأكبر شريك تجاري لمصر، وطرحت الشركات الصينية العديد من العقود الكبرى، وكان هناك ارتفاع في الاستثمار، ومعه، وظائف للمصريين.
وكان الكثير من هذا يتركز على موانئ مصر، وخاصة المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، التي تم توسيعها في عام 2016 باستثمارات من شركة تيدا القابضة للاستثمار، وهي شركة مملوكة للصين ومقرها تيانجين.
وتوجد داخل هذه المنطقة منطقة التعاون الاقتصادي والتجاري الصينية – المصرية في قناة السويس، وهي منطقة صناعية تعمل فيها أكثر من 160 شركة صينية، وتوفر أكثر من سبعين ألف فرصة عمل للمصريين.
وقال رئيس المنطقة الاقتصادية لقناة السويس وليد جمال الدين في ديسمبر 2024 إن الاستثمار الصيني هناك بلغ ثلاثة مليارات دولار ويمثل 40 في المئة من الاستثمار الأجنبي المباشر على مدى العامين الماضيين.
وهذا مهم بالنظر إلى حالة الاقتصاد المصري حيث بلغت نسبة التضخم عند 25.5 في المئة في نوفمبر.
وتوضح الأرقام التجارية أن الأمر يبدو وكأنه ليس شراكة بل علاقة غير متكافئة تميل بقوة لصالح الصين.
وفي عام 2022، بلغ حجم التجارة أكثر بقليل من 13.2 مليار دولار. ومع ذلك، من هذا الإجمالي، بلغت قيمة الصادرات الصينية أقل بقليل من 11.5 مليار دولار، في حين بلغت الصادرات المصرية إلى الصين 1.8 مليار دولار. وفي عام 2023، انخفضت الصادرات المصرية إلى الصين إلى 834 مليون دولار.
ويثير هذا النوع من التجارة القلق أيضا، فالصادرات المصرية إلى الصين تتألف كلها تقريبا من السلع الأساسية، وأغلبها من الطاقة. ولم يتحسن هذا الاتجاه طيلة “العقد الذهبي”.
وفي عام 2014، كانت 31 في المئة من صادرات مصر إلى الصين من الطاقة، وفي عام 2022، شكلت الطاقة 56 في المئة. وبما أن الصين قالت إنها تهدف إلى الوصول إلى ذروة انبعاثات الكربون بحلول عام 2030 وإنها تخطط لتكون خالية من الكربون بحلول عام 2060، فإن القاهرة بحاجة إلى إيجاد شيء آخر لبيعه لشريكها التجاري الأول.
ويمثل النظر إلى مؤشرات أخرى للمشاركة الاقتصادية منذ الإعلان عن الشراكة الإستراتيجية الشاملة أمرا مثيرا للاهتمام بنفس القدر، فمن عام 2005 إلى عام 2013، حققت الشركات الصينية 3.34 مليار دولار من العقود في مصر. وفي العقد الذي تلا ذلك، قفز هذا المبلغ إلى 16.62 مليار دولار. ومن الواضح أن الشراكة الإستراتيجية الشاملة كانت بمثابة كنز للشركات الصينية.
وبعيدا عن الجانب الاقتصادي للعلاقة، كان التعاون الدفاعي أيضا في ارتفاع في عام 2024، وإن كان من نقطة بداية منخفضة للغاية. فقد أجرى البلدان مناورة بحرية مشتركة في البحر المتوسط في أغسطس، للتدريب على تنسيق الاتصالات، ومناورات التشكيلات، وتحديد المواقع البحرية. وكان هذا أول مناورة مشتركة منذ عام 2019، عندما تدربا على مكافحة الإرهاب والقرصنة، وتمارين إشارات النقل، والعديد من تشكيلات الإبحار. وفي أواخر أغسطس 2024، أرسل سلاح الجو الصيني ثماني طائرات إلى عرض جوي مصري.
وكان الأمر الأكثر إثارة للاهتمام هو الشائعة المستمرة بأن مصر ستشتري طائرات مقاتلة صينية من طراز J – 10C كبديل لطائراتها القديمة من طراز أف – 16، وهي الخطوة التي فسرها أحد المحللين بأنها “تنويع لمورديها العسكريين لتقليل الاعتماد على الغرب، وخاصة الولايات المتحدة.”
وقال محلل آخر إن هذه الخطوة من المرجح أن تكون محاولة من مصر لتأمين ورقة مساومة بعد أن جمدت الولايات المتحدة صفقة بشأن عشرين طائرة من نوع أف – 35 والتي تعهد الرئيس الأميركي دونالد ترامب شفهيا ببيعها لمصر في عام 2018. وهناك رأي آخر مفاده أن الطائرة J – 10C، التي تكلف ما بين أربعين وخمسين مليون دولار، هي خيار أكثر فعالية من حيث التكلفة بالنسبة لمصر.
وفي بداية العقد الذي قضاه السيسي في السلطة، بدت العلاقة مع الصين الخيار الأفضل المتاح لحكومة لا تملك الكثير من الخيارات. ومنذ ذلك الحين، أصبحت شراكة أكثر جدية. فقد زادت قوة الصين ونفوذها في الشرق الأوسط وبرزت مصر كشريك مفيد.
وإذا اتبع العقد القادم نفس النمط الذي اتبعه العقد السابق، فقد تكون الصين لاعبا أكثر نفوذا في القاهرة، مما يجعل الشرق الأوسط أكثر تعقيدا بالنسبة للدبلوماسية الأميركية.