كريتر نت / اليوم الثامن
ثلاث سمات بارزة يمكنها إجمال شخصية الجنرال الهولندي باتريك كاميرت: النزاهة، المهنية، واحترام الذات. وسوف تشهد له بذلك الفترة الزمنية القصيرة التي قضاها، ولكن الثرية والصاخبة -وكان قد بدأ فعلياً خطوات جادة للتبريد في منطقة ساخنة- في مدينة الحديدة بوجه خاص – غربي اليمن في نهاية 2018 وبداية 2019.
منذ أن خَلَفه في رئاسة المهمة الأممية في الحديدة، كبير للمراقبين الدوليين ورئيس مسئول لفريق لجنة تنسيق إعادة الانتشار، الدنماركي مايكل لوليسغارد، تغير كل شيء؛ أعيد ملف واتفاق الحديدة إلى الفريزر البريطاني – الأممي. وتعطلت قاطرة إجراءات تخفيف التوتر ونزع الفتيل وبناء الثقة. وتعطلت أخيراً أعمال واجتماعات لجنة التنسيق المشتركة والفرق المتخصصة.
حتى إن الأمم المتحدة نسيت تقريباً (مسمار جحا) أو مخازن ومستودعات الإغاثة الإنسانية في مطاحن البحر الأحمر، ونتذكر فاصلاً طويلاً من التهويل والاستخدام غير النزيه للشعارات الإنسانية والمجاعة بخلفية التحشيد وصولاً إلى التجميد.
* من التبريد إلى التجميد
تحولت (مهمة) المهمة الأممية، بالتحول من باتريك كاميرت إلى مايكل لوليسغارد، من التبريد إلى التجميد. فأصاب الجمود عمل البعثة واللجنة والفريق وتجمد تماماً (وتعني أيضاً تعطل) اتفاق الحديدة أو ما عرف باتفاق السويد/استوكهولم بشأن الحديدة.
لوليسغارد جيء به في ظروف غادرة وتوقيت حساس، ما أكسب الحركة التغييرية طبيعة الانقلاب الذاتي – الأممي على طبيعة ووظيفة البعثة الأممية إلى الحديدة.
كان مارتن غريفيث (المبعوث البريطاني -أولاً- ثم الأممي) على الدوام يجتهد في مرضاة وفي مراضاة الانقلابيين الحوثيين وحلفاء إيران.
وكانت أوصلت مساعي كاميرت وجهوده المليشيات الحوثية إلى لحظة الذروة من الانفعال وقلة الحيلة للرد على خبير التبريد الذي عمل بمهنية لبلورة الاتفاق مرحلياً وتنفيذياً، وحصرها في زاوية ضيقة فقدت معها كفاءة التطبع على المرونة السياسية كجماعة كل خبرتها تنحصر في القتل والقتال.
عند هذه الذروة انفلتت الأعصاب وأطلقت المليشيا الرصاص جهة كاميرت وموكبه وهي كانت هددت صراحة وعبر ممثلها في لجنة التنسيق بطرد الجنرال الهولندي وفرض تغييره.
كان ذلك إثر رفضه الصريح والقوي لمسرحية التسليم في الميناء واستدراجه إلى خديعة. ولوح بتسمية الحوثيين معرقلين في تقرير لمجلس الأمن. ثم نسف الحوثيون الاتفاق وأعمال اللجنة وأنهوا عمل كاميرت وأطاعهم غريفيث فاشتبك معه كلامياً في الكواليس وأنهى عقده وجاء بخبير التجميد (الشديد) الدنماركي ذي الملامح الجليدية مايكل لوليسغارد.
* تجميد… وتصعيد
بالمناسبة، لم يعد أحد يهتم بمعرفة، أو يسأل، أين هو لوليسغارد مؤخراً؟!
جمد عمل اللجنة وخطوات الاتفاق وإجراءات بناء الثقة وإعادة الانتشار وعمل اللجنة الأممية وفريق المراقبين الدوليين إثر توسعته بقرار مجلس الأمن.. وجمد السويد/ استوكهولم، تماماً، في الفريزر.
هو شخص طيّع ومطيع لغريفيث ويعرف ماذا يريد ويفعل ما يعرفه.
وليس ودوداً، فيما يبدو، أو على علاقة جيدة بالإعلام والصحافة. لم يتحدث أبداً ولم يسجل حضوراً إعلامياً. وانصرف عنه الإعلام وتجاهلته الصحافة بالمثل.
هذا سيء، لكن الأسوأ هو تجميد عمل ومهمة المهمة الأممية ولجنة التنسيق وإعادة الانتشار واتفاق الحديدة.
هذا أعطى الحوثيين مجالاً واسعاً للحركة وتكريس التواجد وتعزيز عوامل وأدوات القوة والتمكن كسلطة أمر واقع يجب أن يصار في عمل اللجنة الأممية إلى الإقرار به وتثبيته. وعلى أقل تقدير فإن هذا هو ما تتبناه خطة غريفيث/ لوليسغارد الأخيرة.
وفي المقابل بلغ التصعيد والتطرف الحوثي ذروته عسكرياً وضد التزامات الهدنة الأممية (الكاذبة). وتوسعت دائرة المواجهات داخل وجنوبي مدينة الحديدة.
ووصلت الأمور حد تصريح مصدر عسكري في العمالقة لنيوزيمن، قبل أسبوعين تقريباً، بالقول إن الخروقات باتت عملية عسكرية وحرباً فعلية بتواطؤ أممي وتجاهل فاحش من قبل اللجنة الأممية في الحديدة برئاسة لوليسغارد.
لكن أين لوليسغارد؟ لا أحد يعرف. ولا الفريق الحكومي يعرف متى قد تعود الاجتماعات المنفردة مرة أخرى. فإن لوليسغارد لم يفلح مرة واحدة في عقد اجتماع مشترك فعلي منذ مجيئه.
* خلاصة أو نبوءة كاميرت
عملياً قضى كاميرت فترة شهرين -من أواخر ديسمبر إلى مطلع فبراير- وخلال هذه المدة فعل أشياء كثيرة حتى لا نقول كل شيء واستقطبت الحديدة وعمل المهمة الأممية والدولية نحوها الأنظار والمتابعة الإعلامية والسياسية على نطاق واسع ومرصود.
وصف الجنرال باتريك كاميرت، بعد عودته إلى هولندا، حال مهمته بأنها “أشبه بلعبة الروليت الروسية”. وقال: “فقط تحتاج المسألة لشخص واحد مخزن قات يقرر إطلاق النار أو قذيفة هاون، وفي لحظات تفلت منك السعادة“.
وفي مقال مطول بصحيفة “دي فولكسك كرانت” الهولندية، منتصف فبراير، قال إن الحوثي كان يرى أن وصول الوفد الحكومي إلى مدينة الحديدة أشبه بواقعة حصان طروادة، مضيفاً إن قيادات الحوثي رفضت دخول مناطق الطرف الآخر.
وبخبرته المهنية وتجربته لخص كاميرت النتيجة، وهي أيضاً نبوءة، واصفاً الحوار الدائر بـ“مشاورات بلا نهاية“.
* خلاصة غريفيث – لوليسغارد والشرعية
هذا تماماً ما يحدث مع غريفيث ولوليسغارد. شهران ونصف منذ مجيء الدنماركي تعطلت خلالها أعمال المهمة الأممية. وتم ضخ المزيد من الوقود في صهاريج الحرب تحسباً لانفجار واشتعال تعمل له المليشيات بلا توقف.
لكن الشرعية تقول إنها لم تعد تتبنى الضغط العسكري خياراً. هذا مُرضٍ كثيراً لجيرمي هانت ومارتن غريفيث.
أمام مظاهر التحبيط واليأس ونزيف المعنويات والوقت والتمكين القهري والقسري لحلفاء إيران، قال غريفيث آخر مرة “أنا متفائل لأن الطرفين يريداني كذلك. وبصراحة كلا الطرفين يعملان بشكل بناء”.
الأمور ليست حكراً على غريفيث ولوليسغارد والبريطانيين، فإن الحكومة والسلطات الشرعية اليمنية متورطة في كل ما يحدث ولا يمكنها أبدًا أن تدعي غير هذا.
والسؤال الآن هو: إلى أين تريد ويريدون المضي والوصول؟!