كتب .. د.غزوان طربوش
في عام 2011، شهد اليمن موجة من الاحتقان الشعبي ضد الفساد، لكن القوى السياسية المتجذرة في النظام، سواء من الحزب الحاكم أو الأحزاب المعارضة، سعت إلى توظيف هذا الاحتقان لصالح أجنداتها الخاصة، ووصفت التحركات الشعبية بأنها “ثورة”، ليس بدافع الإيمان بالتغيير، بل نكاية بالرئيس علي عبد الله صالح. ومع ذلك، فشل هؤلاء في تحقيق أهدافهم لأن هاجسهم الأول لم يكن مصلحة الشعب، بل الوصول إلى السلطة.
وجاءت المبادرة الخليجية كحل سياسي للأزمة، فكرست تقاسم السلطة بين أطراف الصراع ومنحت الحصانة لصالح ورموز نظامه، مما أكد أن ما جرى لم يكن ثورة شعبية حقيقية بقدر ما كان أزمة سياسية بين أجنحة السلطة والمعارضة. ومع ذلك، ظل بعض المتحمسين يروجون لرواية الثورة رغم وضوح معالم المشهد السياسي الذي أفشل أي إمكانية لتحقيق تغيير جذري.
أما دعوات الشباب للتغيير في 2011، فقد كانت صادقة في الأسابيع الأولى، حيث عبّرت عن طموحات مشروعة لمستقبل أفضل. لكن سرعان ما استغلتها القوى الفاسدة التي أعادت إنتاج نفسها عبر الفوضى والانقلابات. فتحولت دعوات الشباب إلى صراع على النفوذ، حيث انقلب النظام الفاسد على نفسه، وتصارعت الأحزاب السياسية فيما بينها للإطاحة بالمؤتمر الشعبي العام، الذي أثبت رخاوته وعجزه عن إدارة الدولة.
وفي خضم هذه الفوضى، وجدت الجماعات الدينية والإرهابية فرصة للتمدد، فشنت هجمات شرسة على الدولة والمجتمع. تصاعد نفوذ جماعة “الشباب المؤمن”، وانخرط الإخوان المسلمون في لعبة السيطرة، فيما مارس تنظيم القاعدة وأبو العباس والسلاليون عمليات التصفية والانتقام ضد خصومهم. كل طرف حاول تصفية حساباته مع “الراقص على رؤوس الثعابين”، لكن النتيجة النهائية كانت كارثية: تفكك الدولة، انهيار المؤسسات، تعمّق الفساد، وضياع البلاد في دوامة من الصراعات المستمرة.