كريتر نت – متابعات
الروس ينظرون إلى التقارب مع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب على أنه مكسب مهم لإضعاف أوكرانيا، لكنهم يتشككون في أفق الرهان على واشنطن ومدى سماحها لموسكو بأن تحصل على مكاسب متعددة وتفتح لها باب المشاركة في مسارات السلام المختلفة.
ويسود تفاؤل أوّلي في موسكو في أعقاب المكالمة الهاتفية التي جمعت بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأميركي دونالد ترامب في 12 فبراير، وفسح المجال تدريجيا لتأمل فرص التقارب مع واشنطن وتأمل عواقبها في ضوء الارتباك الذي أثارته تصريحات عديدة لمسؤولون روس على مدار الأسبوع.
وشدد بوتين خلال محادثته مع ترامب على أن الوقت قد حان لكي تتعاون الدولتان. وكرر مسؤولون روس آخرون هذه الدعوة خلال الأيام اللاحقة.
وقال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، في مقابلة مع وسائل الإعلام الروسية، إن هذا يمثل إشارة قوية إلى “أننا سنهدف الآن إلى حل القضايا من خلال الحوار،” وأكد أن المناقشات ستركز على السلام وليس الصراع.
وأضاف مصدر في دائرة السياسة الخارجية الروسية أن “هذه المفاوضات بدأت للتو، لكن بوتين انتصر في الجولة الأولى.”
وشهدت استعدادات الكرملين للقمة التي طال انتظارها بين الزعيمين في المملكة العربية السعودية تعقيدات بسبب غياب تفاصيل اقتراح السلام لأوكرانيا الذي صيغ في واشنطن.
وبرز الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي باعتباره الزعيم الوحيد القادر على مواكبة الوضع سريع التطور.
وطرح مقترحات مختلفة، من الدعوة إلى امتلاك أوكرانيا للأسلحة النووية إلى اقتراح إنشاء جيش أوروبي.
وتبنى الخطاب الروسي السائد في الأثناء لهجة متحفظة وحذرة على نحو غير عادي.
أما بالنسبة إلى بوتين، فإن التواصل المباشر مع الإدارة الأميركية يحمل أهمية بالغة وسط تطور الأحداث السريع.
وكان الملخص الرسمي للمكالمة الهاتفية المنشور على موقع الكرملين الإلكتروني موجزا.
واغتنم وزير الخارجية سيرغي لافروف الفرصة لتسليط الضوء على نبرة الحوار الطبيعية بين الزعيمين، واصفا إياه بأنه محادثة بين “شخصين مهذبين ومتعلمين.”
وقد لا تُلبى الدعوات المتبادلة لزيارة عاصمتي الولايات المتحدة وروسيا، لكن تلقي الاحترام من زعيم عالمي (يعمل بنشاط على إعادة رسم المشهد العالمي) يُعتبر إنجازا كبيرا في موسكو.
وقد وجه الكرملين وسائل الإعلام الروسية للتركيز على تصوير صمود بوتين وتصميمه، بينما نصحها بالتقليل من تكرار ذكر ترامب.
ونُظّم منتدى مناقشات آفاق السلام في أوكرانيا خلال نهاية الأسبوع الماضي في مؤتمر ميونيخ الأمني، وسعى المحللون الروس إلى تشويهه باعتباره مكانا لوجهات نظر لم تعد تناسب العصر الحديث.
ويقول الكاتب بافيل بايف في تقرير لمؤسسة جايمس تاون إن المحادثات تهدف إلى تعزيز الأهداف المشتركة بين الولايات المتحدة وأوروبا وأوكرانيا، حيث تهدف الولايات المتحدة إلى إنهاء الأعمال العدائية بسرعة، وتسعى أوروبا لتأسيس الإطار الأمني المستقر الذي تحتاجه، وترفض أوكرانيا قبول أيّ نتيجة تكافئ تصرفات روسيا العدوانية.
وتراقب موسكو عن كثب نتيجتين محتملتين للزيادة الأخيرة في الجهود الدبلوماسية الأميركية: حدوث صدع في العلاقات عبر الأطلسي وتقلص دور أوروبا في تشكيل نظام ما بعد الحرب.
لكنّ هذين السيناريوهين لا يتوافقان منطقيا. وستتحمل أوروبا مسؤولية الحفاظ على استقرار أيّ اتفاق سلام يتم التفاوض عليه مع زيادتها لاستثماراتها في أمنها.
لكن مثل هذه التفاصيل الدقيقة تبدو غائبة عن بوتين، الذي يستمر في الإصرار على أن أوروبا ستتبع أهواء الولايات المتحدة قائلا إنها “ستهز ذيلها عند أقدام ترامب.”
وعمل المحللون الروس على تضخيم الصدمات المتصورة في استجابة أوروبا لتصريحات الولايات المتحدة، مع التغاضي عن علامات التصميم المتجدد الذي قد تعززه القمة الطارئة الأخيرة في باريس.
وتبدو موسكو غير متأكدة من كيفية الرد على الرسائل القادمة من بكين.
وأكد وزير الخارجية الصيني وانغ يي خلال مؤتمر ميونيخ الأمني أن أيّ اتفاق سلام في أوكرانيا يجب أن يشمل جميع الأطراف الرئيسية.
وعقد يي اجتماعا مع نظيره الأوكراني أندريه سيبيها، لكن وسائل الإعلام الروسية لم تمنح هذا الحدث سوى الحد الأدنى من الاهتمام.
وفي نفس الوقت، تبدو الصين مهتمة بشكل خاص بالمحادثات الأميركية المتعلقة بالحصول على العناصر الأرضية النادرة من أوكرانيا، وهو أمر قللت التقديرات الروسية من أهميته.
ويظل بوتين رغم التطورات مركزا على الانخراط في مفاوضات مباشرة مع الولايات المتحدة.
وخلال اجتماع السعودية في 18 فبراير، ضم فريق التفاوض الروسي شخصيات رئيسية مثل وزير الخارجية سيرغي لافروف، ومستشار السياسة الخارجية منذ فترة طويلة يوري أوشاكوف، ورئيس الصندوق السيادي الروسي كيريل دميترييف.
وشمل الوفد أيضا فلاديمير بروسكورياكوف، القائم بالأعمال الروسي في كندا، إضافة إلى ديمتري بالاكين، نائب مدير التعاون الأوروبي في وزارة الخارجية.
وأكد لافروف في مؤتمر صحفي عقب المناقشات على أهمية ضمان استعداد القوى الكبرى الدائم للحفاظ على الحوار طبيعيا ومهنيا، وشدد على ضرورة استخلاص “الدروس” من الأحداث الجارية.
ويدرك الكرملين استعداد الولايات المتحدة لقبول بعض الحقائق على الأرض (مثل استحالة استعادة حدود أوكرانيا قبل الحرب وعدم احتمال انضمامها إلى حلف شمال الأطلسي)، لكنه لا يزال غير راغب في الرد على التنازلات بالموافقة على وقف إطلاق النار.
ويمثل غزو أوكرانيا بالنسبة إلى بوتين صراعا وجوديا تتقدم فيه روسيا بثبات نحو النصر. ويشير هذا التصور ضمنا إلى أن العمليات العسكرية في دونباس ستستمر، مع عودة القوات الكورية الشمالية لتقديم الدعم على جبهة كورسك.
وفي نفس الوقت، يواصل المحللون الروس التأكيد على خطاب المواجهة ضد ما يصفونه بالغرب المعادي والولايات المتحدة التي نشطت من جديد والتي تهدف إلى إعادة تأكيد تفوقها العالمي مع تقليص دور روسيا ونفوذها على المسرح العالمي.
واستعرض مؤتمر ميونيخ الأمني ذكرى مرور ثلاث سنوات على الغزو الروسي واسع النطاق لأوكرانيا، ومرور سنة على وفاة أليكسي نافالني، زعيم المعارضة الروسية البارز، في معسكر اعتقال في القطب الشمالي.
وخاطبت أرملة المعارض، يوليا نافالنايا، التجمع مرة أخرى حيث تحدثت في مؤتمر العام الماضي بعد ساعات فقط من تلقيها خبر وفاة أليكسي.
وحذرت من أن أيّ اتفاق مع بوتين سيكون خطيرا ويمكن أن ينهار تماشيا مع رغباته.
ويعتقد بوتين أنه قادر على تأمين تفوقه في مشهد مفاوضات السلام سريع التطور.
لكن ثقته في موقف روسيا التفاوضي (القائم على الانتصارات التكتيكية في ساحة المعركة) قد تكون مبنية على أساس غير سليم.
ويبدو أن الكرملين يعمل على افتراض أن الوقت يخدم مصالح روسيا.
وإذا فشلت المحادثات التي استضافتها السعودية في التوصل إلى اتفاق، فمن المرجح أن ترى موسكو في ذلك فرصة لانتزاع المزيد من التنازلات خلال المفاوضات المستقبلية.
وكما قال دميترييف عقب المناقشات “من السابق لأوانه مناقشة الحل الوسط.
يمكننا القول إن الأطراف بدأت في التواصل مع بعضها البعض، وبدأت في الاستماع لبعضها البعض، وبدأت في الحوار“.
ويخلص بافيل بايف إلى أن النهج الذي اتبعه بوتين في أوكرانيا اتسم حتى الآن بسلسلة من سوء التقدير والانتكاسات.
وقد يكون التظاهر بالانفتاح على اتفاقية السلام مع الاستمرار في السعي لتحقيق النصر خطأ إستراتيجيا آخر.