كريتر نت – متابعات
يؤكد تلويح الولايات المتحدة بخيار معاقبة العراق إن لم يسرع في إعادة ضخ النفط من كردستان إلى الأسواق العالمية، أنه مدخل لخطة الردع تجاه إيران في الساحة الإقليمية، بعدما استفادت من تهريب خام الإقليم لسنوات، وعلى افتراض أن هذه الإمدادات ستساعد في خفض الأسعار رغم التزام بغداد باتفاق أوبك+.
وكشفت مصادر مطلعة الجمعة أن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تضغط على العراق للسماح باستئناف صادرات النفط الكردي أو مواجهة عقوبات إلى جانب إيران.
ومن شأن استئناف الصادرات من إقليم كردستان شبه المستقل بسرعة أن يساعد في تعويض الانخفاض المحتمل في صادرات النفط الإيرانية، والتي تعهدت واشنطن بخفضها إلى الصفر كجزء من حملة “الضغوط القصوى” التي يشنها ترامب ضد طهران.
وتقول الحكومة الأميركية إنها تريد عزل إيران عن الاقتصاد العالمي والقضاء على عائدات صادراتها النفطية من أجل إبطاء تطوير إيران لسلاح نووي.
وأعلن وزير النفط العراقي بشكل مفاجئ الاثنين الماضي، أن الصادرات من كردستان ستستأنف الأسبوع المقبل.
وهذا يمثل نهاية نزاع دام قرابة عامين أدى إلى خفض تدفقات أكثر من 300 ألف برميل يوميا من النفط الكردي عبر تركيا إلى الأسواق العالمية.
وتحدثت لوكالة رويترز ثمانية مصادر في بغداد وواشنطن وأربيل عاصمة إقليم كردستان، حيث قالوا إن الضغوط المتزايدة من الإدارة الأميركية الجديدة كانت المحرك الرئيسي وراء إعلان الاثنين.
وترى إيران أن جارها وحليفها العراق ضروري لإبقاء اقتصادها طافيا في ظل العقوبات.
لكن المصادر ذكرت أن بغداد، الشريكة لكل من الولايات المتحدة وإيران، حذرة من الوقوع في مرمى سياسة ترامب للضغط على طهران.
ويريد ترامب من رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني قطع العلاقات الاقتصادية والعسكرية مع إيران.
ووفقا لأربعة مصادر، رفضت الإفصاح عن هويتها، كان إعلان العراق عن استئناف التصدير من إقليم كردستان متسرعا، ويفتقر إلى التفاصيل حول كيفية معالجة القضايا الفنية التي تحتاج إلى حل قبل استئناف التدفقات.
وتمارس إيران نفوذا عسكريا وسياسيا واقتصاديا كبيرا في العراق من خلال ميليشياتها الشيعية القوية والأحزاب السياسية التي تدعمها في بغداد.
لكن الضغوط الأميركية المتزايدة تأتي في وقت ضعفت فيه طهران بسبب هجمات إسرائيل على وكلائها الإقليميين.
ومع إغلاق خط الأنابيب الذي ينقل الخام من حقول كركوك إلى ميناء جيهان التركي منذ العام 2023، ازدهر تهريب النفط الكردي إلى إيران بالشاحنات.
وأكدت ستة من المصادر أن الولايات المتحدة تحث بغداد على الحد من هذا التدفق.
وذكرت رويترز في يوليو الماضي أن ما يقدر بنحو 200 ألف برميل يوميا من الخام المخفض السعر يتم تهريبها من كردستان إلى إيران، وبدرجة أقل إلى تركيا بالشاحنات.
وقالت المصادر إن “الصادرات ظلت عند هذا المستوى تقريبا.”
وقال مسؤول نفطي عراقي مطلع على شحنات النفط الخام التي تعبر إلى إيران إن “واشنطن تضغط على بغداد لضمان تصدير الخام الكردي إلى الأسواق العالمية عبر تركيا بدلاً من بيعه بثمن بخس إلى إيران.”
وفي حين أدى إغلاق خط الأنابيب التركي إلى زيادة تهريب النفط الكردي عبر إيران، ازدهرت شبكة أكبر يعتقد بعض الخبراء أنها تولد ما لا يقل عن مليار دولار سنويا لإيران ووكلائها في العراق منذ تولى السوداني منصبه في عام 2022، حسبما ذكرت رويترز العام الماضي.
وأكد مسؤولان في الإدارة الأميركية أن الولايات المتحدة طلبت من الحكومة العراقية استئناف الصادرات الكردية.
وقال أحدهما إن “هذه الخطوة من شأنها أن تساعد في تخفيف الضغوط الصاعدة على أسعار النفط.”
وعندما سُئل أحد مسؤولي البيت الأبيض عن ضغوط الإدارة على بغداد لفتح صادرات النفط الكردية، قال “ليس من المهم بالنسبة للأمن الإقليمي أن يُسمح لشركائنا الأكراد بتصدير نفطهم فحسب، بل وأيضاً أن نساعد في إبقاء الأسعار منخفضة.”
وكان هناك تعاون عسكري وثيق بين السلطات في كردستان والولايات المتحدة في الحرب ضد تنظيم داعش.
وكان استئناف ترامب لحملة “الضغط الأقصى” على إيران أحد أول أعماله بعد عودته إلى منصبه في أواخر يناير.
وبالإضافة إلى الجهود المبذولة لدفع صادرات النفط الإيرانية إلى الصفر، أمر ترامب وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت بضمان عدم قدرة طهران على استخدام النظام المالي العراقي.
200 ألف برميل يوميا من النفط مخفض السعر يتم تهريبها من إقليم كردستان إلى إيران
وفي الأسبوع الماضي، ذكرت رويترز أن البنك المركزي العراقي منع 5 بنوك خاصة أخرى من الوصول إلى الدولار بناء على طلب وزارة الخزانة الأميركية، لشكوك حول تعاملها بشكل قانوني مع إيران.
وتولى ترامب منصبه واعدا بخفض تكاليف الطاقة للأميركيين.
ويمكن أن يؤدي الانخفاض الحاد في صادرات النفط من إيران إلى ارتفاع أسعار النفط، ومعها سعر البنزين في جميع أنحاء العالم.
ومع ذلك، قد يساعد استئناف صادرات الخام الكردية في تعويض بعض الخسارة في العرض العالمي من انخفاض الإمدادات الإيرانية، لكنه لن يغطي سوى جزء ضئيل من أكثر من مليوني برميل يوميًا من النفط الخام والوقود الذي تشحنه إيران.
وأثبتت طهران في الماضي قدرتها على إيجاد وسائل للالتفاف على العقوبات الأميركية على مبيعاتها النفطية، وهو ما حقق لها بعض المكاسب من خلال علاقات مع حلفاء مثل الصين، أكبر مستهلك للطاقة في العالم.
وقال أولي هانسن رئيس استراتيجية السلع الأساسية في ساكسو بنك لرويترز إن “استئناف الصادرات من كردستان قد يساعد في زيادة إمدادات النفط العالمية في وقت تعطل فيه الإنتاج من مناطق أخرى، مثل كازاخستان.”
وأوضح أن الصادرات هذا الأسبوع انخفضت في أعقاب هجوم بطائرة بدون طيار أوكرانية على محطة ضخ رئيسية لخطوط الأنابيب في جنوب روسيا.
وأضاف هانسن “في هذه المرحلة، أعتقد أن السوق تبنت موقفًا محايدًا نسبيًا ولكنه متوتر بشأن أسعار النفط الخام.”
وهناك عقبات أمام إعادة التشغيل، فقد أوقفت تركيا خط الأنابيب في مارس 2023 بعد أن أمرت غرفة التجارة الدولية أنقرة بدفع 1.5 مليار دولار لبغداد كتعويض عن الصادرات غير المصرح بها بين عامي 2014 و2018.
وذكرت المصادر لرويترز أن هناك قضايا لم يتم حلها حول الدفع والتسعير والصيانة، مشيرة إلى يومين من المحادثات في مدينة أربيل الكردية هذا الأسبوع فشلت في التوصل إلى اتفاق.
وقال أحد المصادر المطلعة على الأمر إن “الحكومة الاتحادية في بغداد تريد استئناف الصادرات دون الالتزام لحكومة إقليم كردستان بشأن المدفوعات ودون وضوح بشأن آلية الدفع.”
وأضاف “لا نستطيع أن نفعل ذلك. نحتاج إلى وضوح الرؤية بشأن الضمانات.”
كما طرحت شركات النفط العاملة في كردستان أسئلة بشأن المدفوعات المستقبلية والتي لم تسددها بغداد منذ توقف ضخ الإمدادات قبل عامين.
وأكد مسؤولون تنفيذيون بشركة دي.أن.أو النرويجية هذا الشهر أنهم قبل الموافقة على شحن النفط عبر خط الأنابيب إلى جيهان أرادوا أن يفهموا كيف سيتم الحصول على أموال مقابل عمليات التسليم القادمة وكيف ستستعيد 300 مليون دولار قبل إغلاق الخط.
وأشار وزير الطاقة التركي ألب أرسلان بيرقدار لرويترز الأربعاء الماضي، إلى أن بلاده لم تتلق بعد أي معلومات من العراق بشأن استئناف التدفقات.
وبصرف النظر على كل ذلك، قد يتسبب استئناف الإنتاج في حدوث مشكلات في أوبك+، أو منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) بالإضافة إلى روسيا وحلفاء آخرين.
وتعرض العراق لضغوط للامتثال لتعهدها بخفض إنتاجه، ولذلك قد يؤدي الإمداد الإضافي من المنطقة الكردية إلى تجاوز العراق لهدف إمدادات أوبك+.
وقال مسؤول عراقي، لم تذكر رويترز هويته، إنه “من الممكن أن يستأنف العراق تشغيل خط الأنابيب ويظل ملتزمًا بسياسة إمدادات أوبك+.”
وقال جيوفاني ستونوفو، محلل السلع الأساسية في بنك الاستثمار يو.بي.أس، إن “التأثير الإجمالي لاستئناف الإنتاج قد يكون خافتًا.”
وأضاف “من منظور سوق النفط، فإن العراق مرتبط باتفاقية إنتاج أوبك+، لذلك لا أتوقع إنتاجًا إضافيًا من البلد في حالة إعادة تشغيل خط الأنابيب، ولكن مجرد تغيير في طريقة تصديره حاليًا، من بين أمور أخرى، باستخدام الشاحنات.”